المطلب الثالث: الخلاف الفقهي في المسؤولية الجنائية الدولية لقد اختلف فقه القانون الدولي الجنائي حول الشخصية الدولية للفرد ومدى خضوعه لهذا القانون مباشرة ، الدولي ، وقد كان لهذا الخلاف اثره في انقسام الفقهي الدولي الجنائي ، وذلك فيما يتعلق بالمسئول عن الجريمة الدولية الى ثلاثة مذاهب نتناولها فيما يلي : أولا : المذهب الأول : لان القانون الدولي لا يخاطب إلا الدول وجرائمهم لا يرتكبها إلا المخاطبون به ، وعليه فانه يصعب تقرير المسؤولية الدولية للأفراد في الوقت الحاضر على الأقل وتكون الدولة هي المسئولة جنائيا عن الجرائم الدولية. ويستطرد بعد ذلك ( الأستاذ فيبر ) قائلا : " انه كان يمكن الحصول من الدولة على التعويض عن الأضرار الناتجة عن إساءة استعمالها لسلطتها من الناحية المدنية فمن الممكن مساءلتها جنائيا عمما ترتكبه تلك السلطة من جرائم دولية مسؤولية تمليها الاعتبارات العملية للمجتمع المنظم قانونا ، ووجود إرادة فردية أمر لا غنى عنه لكي يمكن تطبيق قانون العقوبات ، والإرادة التي يعبر عنها بواسطة التمثيل لافت لهذا الشرط . فقد اتفقت أراء جميع أعضاء اللجنة تقريبا على أن القانون الدولي المعاصر لا يعرف المسؤولية الجنائية الدولية ويعد الفقيه ( Pella) من اشد المدافعين عن هذا الاتجاه حيث يقرر انه " إذا كان هناك ثمة اعتراض على فكرة مسؤولية الدولة الجنائية بدعوى أنها ليست لها إرادة خاصة متميزة ، في حين أن المسؤولية الجنائية لا يمكن أن تقع إلا على أفراد حقيقيين لأنهم وحدهم الذين يمكن عقابهم ، فانه من الواجب الأخذ في الاعتبار أن القانون الدولي مهمته حماية الدول ضد الاعتداءات التي تتعرض لها ، ومن المستحيل إذن لا تتحمل نفس الدول الجزاءات الجنائية في الأحوال التي تكون فيها مدانة في جرائم دولية ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يقر " Pella " إن القانون الدولي الجنائي لا يمكن ان يتجاهل المسؤولية التي تقع على الأشخاص الطبيعيين بمناسبة الأفعال الإجرامية التي يرتكبونها باسم الدولة ، وانه اذا كانت الاجزاءات الجنائية الخاصة يجب ان تطبق على الدولي فان العقاب الدولي أن يمتد أيضا إلى الأشخاص الذين قادو الأمة وارتكبوا تلك الأفعال . وينتهي الفقيه ( Pella ) إلى القول بان الأفعال المستوجبة للمسؤولية الجنائية الدولية ينشأ عنها نوعان من المسؤولية : مسؤولية جماعية للدولة المنسوب لها ارتكاب الجريمة الدولية ، ومسؤولية فردية للأفراد الطبيعيين الذين قاموا بارتكاب الأفعال المكونة لتلك الجريمة. ومن أنصار هذا المذهب الأستاذ سالدانا (saldana) حيث جاء في محاضرته التي ألقاها بأكاديمية القانون الدولي بلهاي سنة 1925 ما يلي : " لان للدولة إرادة وقد تكون تلك الإرادة إجرامية ، وعلى ذلك يجب أن يمتد اختصاص محكمة العدل الدولية الدائمة الى المسائل الجنائية كما يجب أن تختص بنظر كل الجرائم التي ترتكب ضد القانون الدولي سواء أسندت إلى الدولة أو غيرها . وتصدر الإشارة إلى أن الأستاذ " دانيل قد انتقد " دونديو فابر" قوله بمسؤولية الدولة جنائية استنادا إلى نص المادة (3) من اتفاقية لهاي الرابعة لسنة 1907 والتي تنص على أن " الدولة مسئولة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة بنصوص اللائحة الملحقة بها من أشخاص تابعين الجيوشها ، ويرى بناء على ذلك أن دونديود فابر غير محق ، ويلاحظ أن جرافن " Graven " ينادي هو الآخر بالمسؤولية المزدوجة للفرد والدولة ، ويقول بأنه " لا يقيم مسؤولية الدولة على أساس المسؤولية الأدبية المؤسسة عليها الأفكار التقليدية للإسناد المعنوي الأخلاقي ،