أثر هذه المذبحة الكبير في حسم حرب العام 1948م؛ لتفضي إلى تحقيق هدف (اليشوف) بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وإعلان قيام إسرائيل في الخامس عشر من أيار من ذلك العام، الذي اصطلح على تسميته عام النكبة. وإثارة أجواء من الهلع في القرى والمدن الفلسطينية، أدت في النتيجة إلى هروب جماعي تحت طائلة الخوف، ويلتقي حدث الشهادة وحدث المذبحة برمزيتهما في التاريخ الفلسطيني، فإن مذبحة دير ياسين ترمز لكون الشعب الفلسطيني ضحية الاستعمار والوحشية الصهيونية وتجلياتها. ويمكن القول إن هذا المستوى العالي من الجريمة، مستمد من الفكر الاستعماري للحركة الصهيونية العالمية التي تطلعت إلى استعمار فلسطين في مؤتمرها الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام ١٨٩٧م بقيادة زعيمها ومؤسسها ثيودور هرتسل، وغرست منذ بدايتها بذور الكراهية للعرب في الشخصية الصهيونية. وبعد قيام الدولة اليهودية، وتبني سلطات الانتداب البريطاني المشروع الصهيوني بالدعم اللامحدود في مقابل قمع الحركة الوطنية الفلسطينية، ما لبث قادة العصابات الصهيونية أن صاروا قادة رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي، ومارسوا نفس النهج العنصري تجاه الشعب الفلسطيني في محاولة مستمرة لطمس روايته التاريخية ومواصلة الحرب على ذاكرته وهويته الوطنية؛ لتسويغ الرواية الصهيونية المؤسطرة، في تنكر فاضح للظلم التاريخي والتدمير الوطني والسياسي والاجتماعي الذي سببه التطهير العرقي لشعب فلسطين واقتلاعه من وطنه التاريخي، ما فتئ الاحتلال الإسرائيلي يستبيح الدماء الفلسطينية، ويمارس التصفية الجسدية والإعدام الميداني لسحق إنسانية الفلسطيني وكرامته، والتلويح المستمر بالتهجير القسري. ولم يعد خافيا على أحد أن الاحتلال الإسرائيلي لن يكف عن مواصلة البطش والاعتداء على حقوق الفلسطينيين وحياتهم وأرواحهم، والاستحواذ على الأرض لحساب المشروع الاستيطاني الاستعماري، وأن الواقع الفلسطيني أيضا ليس بالصورة المرجوة من التماسك والتلاحم الوطني والزخم النضالي، وليس من خيار للشعب الفلسطيني أمام الهجمة الاحتلالية الشرسة، والإيمان بحقه في أرضه التي يتوغل فيها الاستيطان، وفاء لشهداء دير ياسين وكل الدماء الزكية التي سالت على هذه الأرض الطيبة. وستبقى أيضا وصمة عار على جبين كيان أسس على أنقاض شعب آخر تمتد جذوره في بواطن أرضه منذ آلاف السنين.