مخاوفنا المشروعة من إعلان "النوايا" الملغومة يزحف اليمين المتطرف في أوروبا بقوة نحو السلطة متخذا من ملف الهجرة "قميص عثمان" الذي به يتاجر، في وقت تعيش فيه الحكومات الأوروبية ورطة تفاقم استحقاقات الهجرة وتعقيداتها وتسارع وتيرتها وتحولها إلى ملف ساخن داخليا، وانتقالها إلى تحد استيراتيجي خارجي مع تناقص وضعف تحكم الأوروبيين في دول الساحل المصدرة للمهاجرين، في هذا الإطار جاء الأوروبيون إلى موريتانيا بوفد عال جدا ومتنوع جدا وقدموا وعودا كبيرة جدا "في أعين الصغار"، وإن كانت كلها -وبشكل لا ينطلي على عاقل- مجيَرة لمصالح الأوربيين أولا واللاجئين ثانيا مع "فتات" من التوصيات لذر الرماد في عيون الموريتانيين. وهو ما يناقض -بالقوة والفعل- الحفاظ على السيادة والمصالح الوطنية، والإطلاق المائع والفضفاض والتعميمي، التكفل باللاجئين، معاملتهم وفق إطار المنتدى الدولي للاجئين 2023. وهل غفلنا عن أن قبول "اللجوء" تتبعه محاولات "لم الشمل" فتأتي "العائلة الكريمة"، رفضت تونس ورود كلمات "إيواء" اللاجئين وكلمة "إدماج" اللاجئين في وثيقة إعلان النوايا التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي رغم وجود ملايين الليبيين المهاجرين المقيمين في تونس فضلا عن المهاجرين من دول جنوب الصحراء، مزحزحة بذلك الحدود الجنوبية لأوروبا لتشمل الحدود الجنوبية لموريتانيا. وفاتحة المجال لوكالات استخبارات حدودية أجنبية للقيام بعملياتها داخل الأراضي الموريتانية. لاشك ان الوثيقة ملزمة سياسيا، يتناسى واضعوها كونها مليئة بالتوصيات الخاصة بالنصوص القانونية وبتعديل التشريعات، حاولت الوثيقة إحالة كل شيء إلى التفاوض، حيث تنص على أن "الأنشطة التي تم ذكرها هي مجرد أمثلة سيخضع تنفيذها للحوار والتبادل المنتظم، وسيتم تحيينها مع التقدم في إنجازها وحسب الحاجات المطلوبة"، كما أن حرص الوثيقة على التأكيد على "إمكانية إعادة النظر في الأولويات" –فما بالك بغيرها- يجعلنا أمام كائن قانوني هلامي متحرك يملؤه "المتغلب" بما شاء، بعيدا عن آليات الرقابة والضبط الرسمية والشعبية. لم تنس الوثيقة الإحالة إلى اتفاقيات سابقة ومعاهدات دولية صممت لتكون لصالح الأوروبيين في حين تجاهلت نصوصا أصيلة، قائمة، حرصت الوثيقة أيضا على إلزام موريتانيا بالأطر القانونية الأوربية التي تتعارض في أحيان كثيرة مع مرجعيات القانون الموريتاني يعرف الجميع أن الأوروبيين هم من مولوا -وبسخاء خبيث- إعداد الاستيراتيجية الوطنية للهجرة في موريتانيا لتصنع على أعينهم، اتفاقيات ستورطنا في التزامات لا يمكننا الوفاء بها، وسندفع ثمنها قمعا لـ"ابن السبيل"، وضغطا على الاقتصاد والخدمات والبنى التحتية، واضطرابا أمنيا، وتحولات ديموغرافية و قيَمية لا قبل لنا بها. تؤسس هذه الاتفاقية لتحويل موريتانيا إلى مقاول من الباطن يعمل لدى جهات تسيير الهجرة في أوروبا، وأراضينا إلى سجون ومعتقلات، ورغم مصالحها ومصالح مهاجريها الجمة في أوروبا. فهل سنستفيد من التجربة التونسية؟ على الموريتانيين رسميا وشعبيا أن يعملوا على الخروج من "إعلان النوايا" هذا وإلا فسيتم شيئا فشيئا، وبطريقة محترفة،