طبيعة العولمة ومضامينها الأساسية إذ أن لها امتداد في تاريخ الرأسمالية منذ نشوئها وتطورها والتحولات التي شهدتها في القرن التاسع عشر وبخاصة في النصف الثاني منه وأوائل القرن العشرين وهي نتاج الثورات الصناعية المتتالية والتحولات البنيوية العميقة التي كانت تجري في رحم الرأسمالية الإمبريالية، والتي اتخذت مساراً أكثر وضوحاً وتميزاً مع انهيار نظام الحكم الاستعماري والبدء بممارسة أشكال جديدة للهيمنة والاستغلال الرأسماليين على اقتصاديات وشعوب بلدان القارات الثلاث، إلى بقية بلدان وشعوب العالم (۱) ويمكن فيما يلي تشخيص عدد من الخصائص الأساسية التي تميز هذه العملية المتون العولمة بثورة مستمرة في مستوى تطور القوى لمنتجة في الجزء الأكثر تقدماً من العالم الرأسمالي وبتعاظم الطابع الاجتماعي للقوى المنتجة واستمرار امتلاك الرأسمالية القدرة على توفير التناغم النسي المطلوب بينها وبين علاقات الإنتاج الرأسمالية. ويسمح لها هذا التطور والمنافسة بتطوير القوى المنتجة وتغيير بنية الإنتاج والخدمات وإنتاجية العمل وعلى استخدامها الواسع للمنجزات الحديثة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والإعلامية والبيئية والعسكرية، وكذلك في البنيات) الإنتاجية وأشكال التنظيم والإدارة العلمية الجديدة لمختلف مراحل عملية إعادة الإنتاج الاجتماعية وتنامي دور ومكانة ووظائف الشركات المتعددة الجنسية اقتصادياً وسياسيا واجتماعيات وتقترن العولمة بثورة في المكونات الثلاثة لما يسمى بالتقارب التكنولوجي (Convergence)، وستواجه كثرة من الأفكار القديمة الراسخة حتى الآن مثل إشكاليات الهوية والعنصرية والأحكام المسبقة إزاء الآخر والحنين للماضي في الحاضر اهتزازاً شديدا ورفضاً واسعاً باعتبارها جزءاً من ماضي لا يمكن أن يعود. اول مراكزها السلالة ان ال أما انتقال رؤوس الأموال والتبادل التجاري وإلغاء القيود الجمركية وتحقيق الإصلاح والتكيف في اقتصاديات البلدان المختلفة مع بنية واقتصاديات الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسية على بقية بلدان العالم دون الأخذ بالاعتبار تر ظروف تلك البلدان ومشكلاتها ولكنها تقف في الوقت نفسه ضد انتقال وهجرة الأيدي العاملة (عدا هجرة الأدمغة التي تشجعها وتقيم الحواجز إزاء ) العالم النامي لهذا الغرض. وهي تسعى إلى تغيير وظيفة الدولة وجعله مجرد جهاز إداري مهمته تنظيم وجبي الضرائب وتأمين توزيعها لصالح تنمية مشاريع القاطع الخاص وتأمين مستلزمات نشاط هذا القطاع وضمان أرباحه. وتساهم هذه الاتجاهات في تشديد التناقض بين الطابع الاجتماعي المتعاظم للإنتاج وبين الطابع الخاص لعلاقات الإنتاج والهيمنة الخاصة المتعاظمة على القسم الأعظم من الثروة الاجتماعية والدخل القومي لا في داخل الدول الرأسمالية المتقدمة بل وعلى الصعيد العالمي، حيث تبدو بوضوح عمليات الاستلاب المستمرة للثروة من أجزاء متزايدة من السكان وحرمانها من أبسط مقومات استمرارها في العمل والعيش الكريم في مقابل المزيد من الثروة والاغتناء المجموعات صغيرة جداً من الاحتكاريين المهيمنين على الاحتكارات المتعددة الجنسية، ويلعب الرأسمال المضارب والأسواق المالية الدولية دوراً متميزاً ومتنامياً في سياسات العولمة ويلقي بظلاله على اقتصاديات وبورصات العالم الثالث ويتسبب لها بأزمات حادة تدفع إلى هروب رؤوس الأموال منا إلى بلدان الشمال المتقدمة. بسبب طابعها الشمولي والدولي والطابع الاجتماعي المتعاظم للقوى المنتجة حيث تنشأ إمكانية ممارسة برمجة واستخدام عقلانيين للموارد والطاقات والإمكانيات المتوفرة والحاجات الضرورية للمجتمع البشري، فإن هذه الإمكانية المتاحة عملياً يصعب استثمارها بشكل عقلاني لصالح المجتمع البشري كله بسبب الطبيعة الاستغلالية للرأسمالية أساسا والعفوية والفوضوية النسبية التي تفرضها طبيعة القوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية واستمرار عمل تلك القوانين التي تبقي على أو تنمي التمايز الشديد في مستويات التطور بين الدول والتباين في مستويات الدخول والمعيشة في ما بين الطبقات والفئات الاجتماعية وفي ما بين الدول، تتحول في بعض أبرز جوانبها إلى طبيعة سلبية بسبب تلك السياسات في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية وتجارب الشعوب تشير إلى أن الدول الرأسمالية المتقدمة بدأت تستخدم حقوق الإنسان أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى عندما تجد في ذلك ما يخدم مصالحها وتكف عنه عندما يتعارض مع تلك المصالح. وبسبب التناقضات التي تثيرها سياسات العولمة فإن هذه الدول ما تزال تشعر بضرورة مواصلة التسلح وتعزيز حلف الأطلسي وتكوين قوات التدخل السريع بما يثير شكوك بقية بلدان العالم إزاء النوايا الفعلية لتلك السياسات، وهذا الجديد بما يحمله من حداثة وتوافق مع الزمن قادر على إبعاد القيم والعادات والتقاليد القديمة والبالية العاجزة عن مسايرة الزمن المتكاثف بشدة، مما يسمح لنا بالقبول أو الرفض من موقع المعرفة والاقتدار لا من موقع الجهل أو التجاهل فليس من الضروري أن ترفع مظلاتنا كلما هطل المطر والثلج في روسيا، فلسنا أقل من الآخرين موهبة ولا أدنى مرتبة بحيث يكون لنا قرارانا للمستقل النابع من مصالحنا الوطنية والقومية وإسهامنا في عملية الإبداع الفكري والسياسي والحضارة العالمية. . ويهها تحطم العقيدة الدينة ثم إنه ليس معقولاً أن تنتقل السياسة في العالم العربي من مباراة في العداء لأمريكا.