خطبة بعنوان: ظاهرة الإشاعات الكاذبة وهي خطبة بالمناسبة لعلها تكون مناسبة لمن أحب أن يستأنس بها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره بشرطين: 2 غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب. ودعواتكم رأس مالي ورصيد اعتمادي الحمد لله عالم السر والنجوى، وهو سبحانه المؤمَّل لكشف شائعة كل فتنة وبلوى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي بلَّغ الرسالة فما ضل وما غوى، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}، وعلى أصحابه الذين بلغوا في حفظ اللسان الغاية القصوى، إلى يوم يكون فيه مصير المؤمن جنة المأوى، قد كان من عادتي من فوق هذا المنبر المبارك منذ ثلاثين سنة أن أقدم لكم في كل شهر خطبة مناسبة له من سيرة الرسولﷺ؛ نستطلع أسرارها، والترجمة العملية لتعاليم الإسلام. دعونا اليوم في إطار توظيف السيرة النبوية في عملية الإصلاح نطل بكم من خلال هذا الشهر، عبر شهر أبريل المعروف بكذبته المنتشرة، وعبر شهر شعبان المعروف بكذبة الإفك المشهورة، التي وقعت في غزوة بني المصطلق من السنة السادسة من الهجرة، وغزوة بني المصطلق تسمى أيضا بغزوة المريسع؛ وهو قريب من ساحل البحر الأحمر بـ80 كيلو مترا، شرقي مدينة "ينبع" اليوم، وسببها أن النبيﷺ بلغه إشاعة مفادها: أن رئيس هذه القبيلة جمع الجموع لمحاربة الرسولﷺ، بل إنهﷺ يتخذ المبادرة والحيطة والحذر، فيهاجم قبل أن يهاجم، وهو الذي نزل عليه قوله سبحانه: {خُذُوا حِذْرَكُمْ}؛ عسكريا واقتصاديا وأخلاقيا وعلميا وإعلاميا. والحبل على الجرار كما يقال، ولم تستطع حتى التفكير في رد الاعتبار. لقد نجحت هذه الغزوة في مهمتها، وقد كانوا قبل ذلك يعدون العدة لمحاربته ومهاجمته في المدينة، فاكتسبﷺ لجانبه قبيلة من قبائل العرب لها وزنها وقيمتها، وضرر المنافقين الأدعياء أشد خطرا من الكافرين الأعداء؛ والأمة المسلمة اليوم تعاني في كثير من المجالات من أولئك الأدعياء أكثر مما تعاني من هؤلاء الأعداء؛ بل الأدعياء من داخل الأمة ليسوا إلا آلة في يد الأعداء خارجها، ينفذون بخطواتهم المشوهة مخططات الأعداء المشبوهة، ويختار الوقت المناسب لنشر الأشرار، ويعرف متى يضرب ضربته القاسية، وغالبا ما تكون ضربة قاضية؛ واستغاث المهاجر فقال: ياللمهاجرين؛ فقال رئيسهم: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاعَزُّ مِنْهَا الاذَلَّ}، نعم يا حبيبي يا رسول الله؛ صلى الله عليك وسلم إنها منتنة ما تشتت أمتك اليوم إلا بها؛ الحدث الثاني: وهو من أخطر الشائعات ضررا وأشدها وقاحة المسمى حادثة الإفك، تلك الشائعة التي طعنت في عرض رسول اللهﷺ، والتي هزت بيت النبوة شهراً كاملاً، عليهم من الله ما يستحقون من اللعنة السوداء، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. أيها الإخوة المؤمنون؛ لأنها تطير على ألسنة شياطين الإنس والجن، وأثرها عليه خطير؛ ونشرت الأمراض، ودمرت الدول والشعوب، من يتعاطاها هم شرار الناس، ينشرون في المجتمع بسمومهم البؤس والبأس، والخوف واليأس، أو في المنتديات والمواقع الاجتماعية، والشائعات من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، والمتتبع للتأريخ الإنساني يجد أن الشائعات وُجدت حيث وُجد الإنسان، والانتماء الحضاري؛ ففي قصص الأنبياء عليهم السلام نجد أن كل واحد منهم قد أثير حوله الكثير من الإشاعات من قبل أعدائه؛ فنوح عليه السلام أشاع عنه الكفار: {إنا لنراك في ضلال مبين}، فملأت سماء مصر وسمم أجواءها كما قال الله تعالى: {إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون}؛ وكأن التاريخ اليوم يعيد نفسه في إعلام الفراعنة الجدد. ومن أجل مفاسد الشائعات فإن الإسلام قد اتخذ الموقف الحازم منها، وشرع عقوبات زاجرة ضد أصحابها، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فاعتبرهم فساقا لا يستحقون التصديق فقال سبحانه: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ ِبنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ}، وجزاؤهم العذاب الأليم ليس في الدنيا فقط؛ بل حتى في الآخرة أيضا يقول عز وجل: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ}، ومنع المسلم أن يتكلم بكل شيء يسمعه؛ الباغون للبرآء العنت»؛ أي: الطالبون للأبرياء المشقة والفساد. وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، الحمد لله رب العالمين… أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ وأصبح لها من يتقن ترويجها وتوظيفها، ويعرف متى ينشرها، وفي أي وقت يضرب بها ضربته الجبانة، هذه الحادثة التي رسمت لنا منهجاً يجب أن نتعامل على أساسه مع أية إشاعة إلى قيام الساعة. فإذا ما سمعت -أخي المسلم- بشائعات تتنشر بين الناس؛ أو قرأتها في مجلة أو جريدة، أو سمعتها في تلفزة أو إذاعة، أو جاءتك عبر المواقع الاجتماعية في الشبكة، فالقرآن الكريم يعلمك كيف تحاصرها بهذه الخطوات الأربعة حتى نتقي شرها ونكشف سرها: قال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}. الخطوة الثانية: أن تطالب من أخبرك بها بالدليل والحجة والبرهان على صحتها؛ قال الله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ الله هُمُ الْكَاذِبُونَ}. الخطوة الثالثة: أن لا تتحدث بها لمجرد التلذذ، ولا تنشره لمجرد التشهي، فلو أننا أهملنا أية إشاعة لماتت في مهدها؛