ولم يلبث حين وجد الشيخ محمد عبده يدرس للطلاب تفسير القرآن وكتابي عبد القاهر في البلاغة دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة أن أعجب به، وتحول ذلك عنده إلى ياس، وسرعان ما وجد ما كان يطلبه عند محمد عبده، فأخذ يختلف إلى دروس محمد عبده كما أخذ يختلف إلى كتب القدماء ودواوينهم، فهو يقرأ في ابن المقفع والجاحظ وبديع الزمان الهمذاني كما يقرأ في النقاد الآمدي والباقلاني وعياض وغيرهم ممن تناولوا وصف الكلام الجيد، وممن وقفوا عند إعجاز القرآن وجمال أساليبه، ولكبار الشعراء من أمثال أبي تمام وابن الرومي وأبي العلاء. وكان له ذوق جيد يعرف به كيف ينتخب لنفسه أروع ما في الكتب ودواوين الشعر العباسية من قطع وقصائد أدبية رائعة، فعكف على ذلك كله كما عكف على كتابات أستاذه محمد عبده يعب منها وينهل كما يعب وينهل من آثار معاصرية المترجمة والمؤلفة. ويقال: إنه أسف أسفا شديدًا لموت محمد عبده، فرجع إلى بلدته ومكث بها عامين يكاتب صحيفة المؤيد، فقد كان يشقى في سبيل الحصول على ما يقيم به أوده، فكانوا يشعرون بغير قليل من اليأس والبؤس. والتام في نفس المنفلوطي بؤس أمته ببؤس نفسه،