تمضي بنا قوافل الحياة في ركاب الليل ال ُمضني. وعلى الطريق المهتريء مضت بنا السنين . كان على ناصية ذاك الطريق بيت صغير تملؤه المحبة والالفة. تملؤه الضحكات وعبق الذكريات . وتستوطنه قسمات المرح . بيتنا الصغير بستائره الحمراء . و زهوره الصفراء . كان يضم أحلى الذكريات . زيّنا زواياه برسوماتنا . وكل غرفة فيه كانت شاهدة على أحلامنا . كنا نُطلق عليه كرسي العرش . كانت امي الغالية الراحلة في كل يوم تجلس تُخيط عليها ثيابنا. كان بجانبها دلة القهوة . كنت الازمها منذ طفولتي . وكنت اعبث بادوات الخياطة . وفي زاويه اخرى من بيتنا . كنت في كل يوم استيقظ في الصباح لارى اختي الكبيرة وهي تستعد للذهاب الي المدرسة . اما اخواتي الاخريات فكن يذهبن الي المدرسة . وكنت ابقى عند امي الغالية لأنني اصغرهم. كانت احلامي الاولى أن اصبح طبيب . كانت امي الراحلة تساندني في كل احلامي وتشجعني . بيتنا الصغير القديم شهد على طفولتنا . وبين زواياه كبرنا . ومن بوابته البيضاء خرجت اختي الكبرى الي بيت زوجها . الكل بكى ولاول مرة شاهدت والدي يبكي . بيتنا القديم أصبح به متسع إضافي بعد خروج وزواج أختي . وفي يوم من الايام جاء اخي يطلب من والدي بأن يسافر لإكمال دراسته في الخارج . وكان ذلك وكانت رحلته الي المطار حزينة سادها البكاء والدموع . وعندما عدنا الي البيت كانت غرفته فارغة إلا من بعض الثياب والاوراق . وعلى طاولته بقايا لسندويشة لم يكملها . وهنا بدأت امي بالبكاء وكذلك ابي . وبيتنا القديم اصبح فيه متسع اضافي بعد سفر شقيقي . و ُحدد موعد زواج شقيقاتي الاثنتين . ولكن كان زواجهما هذه المرة في بلاد الغربة . سافرت كل واحدة تاركة ورائها سرير ثياب وذكريات .  واصبح في بيتنا القديم متسع اضافي بعد زواج شقيقاتي الاثنتين. ومرت الايام وكبرنا وها هي اختي تتزوج وتخرج من البيت . واصبح البيت الحميمي المملوء باصوات الحب والفرح فارغ . ومرضت امي مرضا شديدا ولم يُفلح معها الدواء . كنا ونحن صغار مجتمعين . وحين كبرنا لا تجمعنا الا حالات الرحيل والموت . وكان إجتماعنا كلنا في وفاة والدتي الحبيبة . بل ظلمتنا بإجتماعنا وظلمت والدتي . واصبح بيتنا القديم بيت تسكنه الذكريات والخيالات الراحلة. وهناك سرير والدتي ورائحة الموت . وهناك دموع واوراق وحقائب سفر . اصبح بيتنا الصغير ذكرى واطلال ولكننا ما زلنا نعيش فيه . لا يُفتح بابه إلا للمسافرين والراحلين . وما زال بيتنا ومهد طفولتنا شاهدا على ذكرياتنا ولقاء الاحبة . وما زال شاهدا على الاسفار والغربة . ففي كل عام له يوم تاريخي وهو مرور الاحبة والمسافرين به. وما زالت صورة امي في تلك الزاويه تضحك وتُخيط الملابس على ماكينتها السنجر القديمة. وما زلت للآن انظم الشعر والقصائد في بيتنا القديم.