جامعة الموصل كلية الآداب / قسم اللغة العربية ( ورقة بحثية بعنوان ) ( العلاقات الاستبدالية والتلاؤمية والترابطية ) توجيه واشراف : تقدمت به الطالبة د. نوار محمد هاجر نشوان مؤيد مقدمة :ـ تعد الدلالة من اهم فروع علم اللغة الحديث ، وسعى الدارسون الى تحليل المعاني من خلال العلاقات التي تربط الكلمات ببعضها داخل اللغة . وهذه العلاقات تساهم في بناء المعنى وتفسير العلاقات بين الالفاظ . وتعد هذه العلاقات اساسا لفهم الحقول الدلالية ، التي تمثل تجمعات من الالفاظ تدور حول مفهوم او مجال معين ، وفي هذا البحث سنعرض هذه العلاقات الثلاث ونوضح دورها في تحديد المعنى وعلاقتها بتكوين الحقول الدلالية في اللغة . . مفهوم العلاقات الدلالية : هي مجموعة من العلاقات التي تجمع أطراف النص، و تربط بـين متوالياتـه (أو بعضها) دون بدو وسائل شكلية تعتمد على ذلك عادة" (1) . يبدو ان بنية اللغة قائمة في الاساس على فكرة الارتباط بين المعاني بطريق علاقات مختلفة ، وان اصل تلك العلاقات جميعا يرجع الى علاقات الارتباط المنطقي بين المعاني وهي العلاقات القائمة على عملية "تداعي المعاني " في العقل البشري . وان هذه العلاقات كانت تشغل الباحثين في علم اللغة الحديث وهو ما اصطلحوا على تسميته "علاقات الاستبدالية والتلاؤمية والترابطية " . منها مصطلحات النظام والتركيب والاختيار والسلسلة ، ويقولان : ان هذه العلاقات شاملة ، إذ يمكن تطبيقها على كل مستويات الوصف اللغوي ، اي على مستويات الدلالية والصوتية والصرفية والنحوية ومن هنا كانت هذه العلاقات متضافرة ومتوافقة ( اي يتكل بعضها على بعض ) . ولكي نفهم هذه العلاقات يجب ان نتعرف على الحقول الدلالية (انه لكي تفهم معنى كلمة يجب ان تفهم مجموعة الكلمات المتصلة بها دلاليا ) فالحقل الدلالي او المعجمي هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها ، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها . 1ـ محمد خطابي : لسانيات النص ، ص268 (1) العلاقة الاستبدالية / العلاقة الجدولية : لغة: استبدل الشيء بالشيء : اي ازال الاول ووضع الثاني مكانه ، او من (بدل) والبدل هو مايغير او يعوض به شيء اخر ، والاستبدال : هو جعل شيء مكان شيء . اصطلاحاً: هي تلك العلاقات التي تتخذها الكلمة مع كلمات اخرى يمكن ان تحل محلها داخل الجملة ، اوهي الكلمات التي يصلح استخدامها في الموقع نفسه نحو :( جلس الطالب على الكرسي / وجلس الاستاذ على الكرسي/ جلس المديرعلى الكرسي ) فالعلاقات الجدولية في هذه الجمل، ويعرف براون وميلر العلاقات الاستبدالية بانها " تلك العلاقات التي تعقد بين المفردات القابلة للاستبدال بصورة تبادلية في سياق ما " . وحسب النظرية السياقية فان "المتكلم عندما يلفظ جملة معينة من بين الجمل غير المتناهية ، التي تتوفر عليها لغته المتراكمة في مخزونه اللغوي يكون قد اخضعها لخيارات متعددة وهذه الخيارات مبنية على تعالقات دلالية محددة " (2) وذلك باختيار الجمل المناسبة للمقام ، الا ان هذا الاختيار على المستوى العمودي لا يكون عشوائيا ، 2) وسلم من فساد التّكلّف، فحفظ في الّنفوس وتداولته الألسن". 3) ومتى كان اللفظ كريمافي نفسه متخّيرا من جنسه وكان سليما من الفضول، حبب إلى الّنفوس، واتصل بالأذهان، "(4) 1ـ ينظر : محمود فهمي حجازي ، 160 2ـ احمد مؤمن ، اللسانيات النشأة والتطور ، 4ـ الجاحظ ، البيان والتبين ، ج 2 ، ص 7 ـ8 (2) فاختيار الألفاظ من جملة المترادفات و المتضادات، ضرورة يقتضيها نظم الكلام، و ها هو "ابن قتيبة"، يؤّكد على ذلك، و يساهم هو الآخر في إرساء هذه الفكرة في الّدرس اللّغوي العربي القديم، إذ يعّرف البلاغة بأّنها:"تخّير اللّفظ في حسن إفهام"(1) ويرى اصحاب نظرية الحقول المعجمية ان العلاقات الاستبدالية لا تخرج في اي حقل معجمي عما يأتي : أ ـ الترادف ب ـ الاشتمال او التضمين ج ـ علاقة الجزء بالكل هـ ـ التنافر *تطبيق على العلاقة الاستبدالية : قرأ الطالب الكتاب / يمكن ان نستبدل مكان ( الطالب / المعلم ) ومكان ( الكتاب / مجلة ) فتصبح ( قرأ المعلم المجلة ) 1ـ ابن قتيبة ، عيون الاخبار ، ج 2 ، ص 171 ( 3) 2 ـ العلاقة التلاؤمية : لغةً : ـ هي من ( لاءم) ، لاءم الشيء : اي وافقه او طابقه او انسجم معه ، ويقال : " هذا اللباس يلائم ذاك " اي يتناسق معه اصطلاحا : ـ ويعرف بروان وميلر العلاقات التلاؤمية : ( هي تلك التي تعقد بين الصيغ او اصناف الصيغ داخل تركيب ما ، او هي ارتباط الوحدة اللغوية بواسطة اقتران ورودها بورود وحدات متشابه اخرى . فهي لها علاقة بالبناء الصرفي . ولا يظهر هذه الارتباط الا عنده التركيب واستعمال الوحدة في جملة ، فينشأ بين الوحدتين اقتران بطريق التجاور ويعتمد على مبدأ مهم في بناء الجملة وهو مبدأ التاليف (1) ، ففي العقل علاقة ارتباط تلاؤمية دلالية بين ( يعض ) و( اسنان ) وبين ( ينبح ) و ( كلب ) وبين ( اشقر ) و( شعر ) ولذلك لا يصح ان نقول (( الاسد ينبح )) لانه لا تلاؤم بين المعنيين ، وانما يصح القول (( الاسد يزأر)) لان التلاؤم قام بين المعنيين . وانها علاقة تقتضي ان تكون الكلمات ملائمة دلاليا مع بعضها داخل السياق . فهي تمثل التوافق الدلالي بين عناصر الجملة . ويمكن التمثيل لعلاقات الارتباط الاستبدالية والتلاؤمية معا من خلال محورين متقاطعين رأسيا وافقيا بالشكل الاتي : سمعتُ زئير الاسد محور التلاؤم الليث الهصور محور الاستبدال (4) ويشبه الباحث اللغوية ليمان تلك العلاقات بالاشارات المرور الضوئية ، اذ تحدد العلاقات فيه بطريق اللون ، فاللون احمر يعني : توقف ، واللون الاصفر : احتراس ، والاخضر : انطلاق . والسائقون لايفهمون هذه المعاني من اللون في ذاته ، ولكنهم يفهمونها من العلاقات بين الالوان الثلاثة . *ويوضح بالمر الفرق بين العلاقات الاستبدالية والعلاقات التلاؤمية : بأن الوحدة اللغوية تدخل بطريق العلاقات الاستبدالية من خلال المقارنة او التعويض في ظرف خاص مع الوحدات مشابهة اخرى . وبشكل مختلف قليلاً قال فيرث : انك ستعرف الكلمة بطريق ما يصاحبها " ويشير بالمر الى ان فكرة العلاقات الاستبدالية والتلاؤمية تستند اساسا الى مفهوم دي سوسير عن القيمة . فمثلا الفرس على لوحة الشطرنج ليس فرسا بسبب اية خاصية موروثة ، كالشكل او الحجم ، بل بسبب مايستطيع عمله بالترابط مع القطع الاخرى على اللوحة . الرصف لغة : كما تذكره معاجم اللغة العربية هو: " رصف الرصف، ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمـه ورصف الحجر يرصفه رصفا بناه "(1)، ويقال أيضا :" ترصف الناس في الصف أي تراصوا انظم بعضهم إلـى بعض . "(2)، فيظهر من هذا المعنى أنه التضام والضم؛ أي وصل الشيء ببعضه مهما كان نوع هذا الشيء حجرا أو غير ذلك، حتى يشكل بناء محكما منسجما . وأما عن معناه الاصطلاحي: على حسب ما تذكره معاجم المصطلحات اللسانية، فإنه يتضمن التتابع و الانتظـام يقول عنه محمد مبارك مبارك :" وهو أن تتابع الكلمات في جملة وفقا لنظام اللغة التي هي منها "(3) ويعني هذا أن تتراصف الوحدات اللسانية فيما بينها، مشكلة بهذا التراصف بناء ونسقا محكما ومنسجما، وهو ما يجملـه كل من ستيفن أولمان وجون فيرث صاحب النظرية السياقية تحت مصطلح الرصـف، ومثالـه كـأن تتراصف كلمة " ساعي " مع " البريد " أو " رجل" مع " البريد"، في حين لو استبدلنا كلمتي ساعي أو رجل بـامرأة أو طفل " البريد"، فإنها حتما ترفض التجاور والتساوق معها (4) 1ـ ابن منظور ، ج19 2ـاحمد مختار عمر ، معجم المصطلحات الالسنية ، فصول في علم اللغة التطبيقي علم المصطلح وعلم الاسلوب ، ص 138ـ139 هو درجة تراصـفها مـع بعضها البعض، فإنه كلما توقعنا وقوع الرصف بين بعض الوحدات اللسانية، زادت قوة الارتباط بينهما، ذلك أن الوحدة المعجمية قد يكون لها إمكانات كبيرة لقبول التجاور أو العكس. 1) فعبد القاهرالجرجاني ، ذلك أن النظم أوسع وأشمل من مصطلح الرصف، يقول الجرجاني في معرض حديثه عن النظم :" النظم إذن تأليف وجمـع أو إضـافة بمثـل الاقتران في نمط أو نسق معين يبعث على الرضا والارتياح . "(2) واما عند المحدثين فمن الذين اسسوا القواعد هو ستيفن اولمان الذي أشار إلى بعض أنماط التركيب في اللغة، وهذا في معرض حديثه عن نظرية السياق، وهناك حالات يبين يكون فيها الضم غير مستقر"(3) . فهو يشير من خلال هذه المقولة إلى تلك التراكيب التي تخضع لمعيار الرصف الموجودة بكثرة، وبعضه الآخرالذي يخضع للرصف غير العادي يستعصى فيه تضام الوحدات اللسانية، حتى أننا نجده يقسم الرصف إلى نوعين منـه الرصف الاعتيادي أو الحر: وهو الذي يمكن أن تتصاحب فيه الوحدات اللسانية مع عدد غير محدود من جنسها، والتراصف غير الحر أو غير العادي :الذي يصعب فيه التلاؤم والتضام (4)وهو قليل الحدوث في اللغة، ويظهر في لغة الأدب والكتاب وبعض الأساليب الخاصة، كأنماط التعبيـر الاصـطلاحي و الجـاهز والأسـماءالمركبة، الأسماء + الأفعال والأفعال + الأداة الظرفية والفعل + حرف الجر . 5) إن مثل هذه الأنماط التي أشار إليها ستيفن أولمان والتي تخصع لمعيار الرصف تسير وفق ما يسمى بالعلاقـات الأفقية أو التلاؤمية التي يفرضها تجاور وحداتها اللسانية، يقول بالمر:" أما في العلاقات التلاؤمية فيتحدد ارتباط الوحدة اللغوية بواسطة اقتران ورودها بوحدات مشابهة أخرى"(6) 1ـ ينظر : فريد عوض ، فصول في علم اللغة التطبيقي ، ص27ـ28 3ـستيفن اولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ص 160 4ـفريد عوض ، فصول في علم اللغة التطبيقي ، ص139 5ـينظر : احمد مختار ، علم الدلالة ، ص 74ـ77 6 ـ آربالمر ، علم الدلالة ، ص 78 ( 5)