تسمية النحويين لظاهرة الخروج في الشعر على الاستعمال المطرد في اللغة بالضرورة، فيه أن الضرورة اضطرار أو عجز لا نصيب لها من الإرادة الشعرية في شيء، وفيه كذلك عدم الاعتداد بالظاهرة التي تنشأ من طبيعة اللغة، باعتبارها مظهرا من مظاهر النمو المستمر فيها. أما هذا البحث فيقف من ظاهرة الضرورة الشعرية على وجه مخالف لهذا المعنى. فالضرورة إنما هي أقوى مظهر للإرادة الشعرية، وفيها تتجلي روح الأديب وفرديته، وبها يظهر المعنى الذي يدور عليه النص الأدبي باعتباره كلا متكاملاً. وإذا كان هناك معنى ينبغي أن تؤخذ عليه الضرورة، فهو معنى اللزوم الذي لا يغني فيه شيء عن الظاهرة نفسها. ضرورة للعمل الأدبي لا يتم إلا بها. وأساسها الاعتداد بالظاهرة اللغوية. وعندي أن هذا الاختلاف إنما يرجع في أصله إلى طبيعة التباين بين النحو والظاهرة الشعرية نفسها. وذلك لأن اللقاء بين النحو واللغة، بعد طبقة النحويين الأوائل خاصة، كان لقاء بين ثقافتين متباينتين: ثقافة الأعاجم التي أخلص لها النحويون بطبيعة انتمائهم، وكان أكثرهم من الموالي، الذين عاشوا هذه الثقافة وأشربوا لبانها.