فهو قد يفتتحها بالغزل أو بالوقوف على الأطلال ويتحدث عن مناحي فتوته من حب للصيد وركوب للخيل وانتهاب للذات ، فذهب ابن قتيبة إلى الأخذ بالوحدة النفسية عند المتلقي ، أي قدرة الشاعر على جذب انتباه السامع أولاً ليضعه في جو نفسي قابل لتلقي ما يجيء بعد ذلك ؛ وهذا لا يثبت للقصيدة نفسها وحدة إذ قد يكون الموضوعان فيها متباعدين حتى في الجو النفسي العام لدى الشاعر . ولكن ابن قتيبة كان يحس بأن مثل هذا التعليل لا يحقق وحدة ، ثم في الترابط بين كل بيت وما يليه ، فإذا فقد الترابط المعنوي جاء الشعر متكلفاً ثم كأن ابن طباطبا شعر أن كل هذا الذي قاله ابن قتيبة لا يحقق الوحدة التي يرغب فيها ولهذا ألح على مبدأين يكفلانها : أولهما مبدأ التناسب – وهذا المبدأ يحقق للقصيدة المستوى المطلوب من الجمال - والثاني هو التدرج المنطقي ( وهو يحل محل الترابط المعنوي عند ابن قتيبة ) فالقصيدة أولاً كيان نثري ينسج شعراً في تدرج صناعي خالص ، ولعل تصور ابن طباطبا للوحدة هو الذي أخذ به النقاد من بعده لأنهم لجأوا دائماً إلى التمثيل ، وقد نقل الحاتمي هذه الوحدة القائمة على التكامل والتناسب إلى صورة الجسد نفسه : ( فإن القصيدة مثلها مثل خلق الانسان في اتصال بعض أعضائه ببعض فمتى انفصل واحد عن الآخر أو باينه في صحة التركيب غادر بالجسم عامة تتحيف محاسنه وتعفي معالم جلاله » ،