نشأة الخوارج : ومن ثم طلبوا من علي » أن يتوب من هذا الذنب ، وانتهى الأمر بأن خرجوا من معسكره . وقد قبل الخوارج هذه التسمية ولكنهم فسروا الخروج بأنه خروج من بيوتهم جهاداً في سبيل الله ، وربما يكونون هم الذين وصفوا أنفسهم بذلك لأنهم يزعمون أنهم باعوا أنفسهم الله كما ورد في قوله تعالى ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ) ) . وسموا أيضاً بالحرورية لانحيازهم في أول أمرهم إلى قرية « حروراء » بالقرب من الكوفة ، وإذا كان اسم ( الخوارج ) قد أطلق على جماعة معينة ظهرت في الفترة التي أعقبت التحكيم ، واعتبروا من ثم سلفاً للخوارج المتأخرين ، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ، أو على الأئمة في كل زمان. وتشير الأحاديث التي ورد فيها ذكر الخوارج إلى أوصافهم والأمر بقتالهم وذمهم . وقد صحت هذه الأحاديث بأوجه عديدة بلغت عشرة أوجه كما ذكر الإمام أحمد بن حنبل وقد خرجها مسلم في صحيحه وخرج البخاري طائفة منها " . وقد أورد كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري أنه قال ( بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، قال فقسمها بين أربعة نفر : بين عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل والرابع أما علقمة بن علاثة وأما عامر بن الطفيل . يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء . قال : فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشر الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار ، أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله . قال : ثم ولى الرجل ، فقال : لا لعله أن يكون يصلي ، قال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم : قال ثم نظر إليه وهو مقف وقال : إنه يخرج من ضئفى هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . قال أظنه قال : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود . وفي رواية للبخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال : إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فوالله لأن آخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه ، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة " . وأنه من بني تميم . فقال : ( ويلك من يعدل إذا لم أعدل ، أو قال ثدييه ، مثل ثدي المرأة أو قال مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس . قال فنزلت فيه ومنهم من يلمزك في الصدقات ) . وزعم بعضهم أنه ذو الثدية . وأفته أنه رضي برأي نفسه ، إذ كان يقود ثوار البصرة ، وقتل في النهروان . ورغم الارتباط الفعلي بين ذي الخويصرة وبين الخوارج ، فإن الخوارج لم يظهروا كجماعة إلا بعد حادثة ( التحكيم ، حيث فارقوا الجماعة وانحازوا إلى حروراء وعينوا شبث بن ربعي التميمي ليكون أميراً عليهم للقتال، ورغم اتخاذ الخوارج هذا الموقف العدائي من أمير المؤمنين وجماعة المسلمين، ليناظرهم . 1 - أنه بقبوله و التحكيم ، قد حكم الرجال في أمر الله الذي يقول عنه تعالى ( إن الحكم إلا لله ) فأخطأ بهذا ، وقتلهم ، وفي نفس الوقت لم يسبهم ولم يأخذ غنائمهم ، بل إنه نهى عن قتل مديرهم والإجهاز على جريحهم وغنيمة أموالهم وذراريهم ، وقال الخوارج إنه ليس في كتاب الله إلا مؤمن أو كافر، ٣- وأخيراً فإن علياً بقبوله : التحكيم قد محا نفسه عن إمرة المؤمنين ) ، وفي رأيهم أنه إن لم يكن أمير المؤمنين فإنه لأمير الكافرين . الآية (٣٥) ، وقال ( إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ) . كما أمر تعالى أن يحكم في الصيد بجزاء ( مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ) فمن أنكر التحكيم مطلقاً فقد خالف كتاب الله . وذكر ابن عباس لهم ، أن التحكيم في أمر أميرين لأجل حقن دماء المسلمين أولى من التحكيم في أمر الزوجين والتحكيم لأجل الصيد . أما بالنسبة للقضية الثانية ، فهل يسبى الخوارج أمهم ، أم ينكرون أنها أمهم ؟ وقال لهم ابن عباس : فوالله لئن قلتم ليست بأمنا خرجتم من الإسلام ووالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام . فأنتم بين ضلالتين لأن الله تعالى قال النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) . وخطأ الخوارج في هذه المسألة - كما يقول ابن تيمية - ظنهم أن من كان مؤمناً لم يبح قتاله بحال ، ) ، وقوله تعالى إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) . فأخبر الله تعالى بأنهم مؤمنون مقتتلون ، ودل القرآن على إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي وأنه يأمر بقتال الباغية حيث أمر الله به. أمير المؤمنين ، فقد رد عليهم ابن عباس بأنه ليس في هذا شيء يؤخذ على «علي» إذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أفضل من علي » محا عن نفسه صفة الرسالة التي هي منزلة أفضل من منزلة إمرة المؤمنين ، وذلك حينما قال لعلي في صلح الحديبية أكتب لهم كتاباً فكتب علي : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله فقال المشركون : والله ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إنك لتعلم إني رسول الله : امح يا علي واكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله فوالله لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه . بهذه الحجج القوية استطاع ابن عباس ، أن يرد طائفة كبيرة من الخوارج إلى الحق والصواب ، إن بين أعينهم لأثر السجود وهم يتأولون القرآن . وقد أطمع هذا علياً في إقناعهم وهدايتهم فخرج إليهم بنفسه وذكرهم بموافقتهم السابقة على الهدنة ، فاعترفوا بذلك قائلين : إنهم أذنبوا بذلك وتابوا وطلبوا منه أن يفعل ذلك . فلما كذبهم علي في زعمهم هذا خرجوا عليه ثانية وأصبحوا يرددون أن لا حكم إلا لله . سياسة لينة محاولا إقناعهم بالحجة ، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا ) . وقبل أن يحين موعد « التحكيم ) جاء بعض الخوارج إلى علي طالبين منه فلم يجبهم إلى ذلك مؤكداً أنه لا يخلف العهد والميثاق ، وإنه يستجيب إلى أمر الله الذي يقول ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ) . وعرضوا الأمر على بعض زعمائهم فرفضوا . ولكن أقبلها لما أرجو فيها من عظيم الأجر وبايعوه أميراً لهم في العاشر من شهر شوال عام ٣٧ هـ ، ونزلوا النهروان وكتبوا إلى أصحابهم أن يوافوهم بها ويتجمعوا هناك ". بدأ علي يستعد الغزو الشام ورد المخالفين إلى صفوف الجماعة. واستطاع علي ) أن يقنع هؤلاء بأن الخطر الحقيقي يكمن في الشام، ولكن ورد إلى علي نبأ إفساد الخوارج في الأرض واستحلالهم لدماء المسلمين وأموالهم ، وقتلهم عبد الله بن خباب بن الأرت، الذي لقوه في طريقهم وقالوا له : هل سمعت من أبيك حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثناه ، قال نعم سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ، ثم سألوه عن رأيه في أبي بكر وعمر فذكرهما بكل خير، وسألوه عن عثمان في أول خلافته وآخرها فجعله محقاً في أولها وآخرها، فأخذوا عليه بذلك أنه لا يتبع الهدى ، وكانت حبلى ، فبعث إليهم ( علي ) الحارث بن مرة العبدي ليأتيه بخبرهم فقتلوه أيضاً. حينئذ لم يجد على بدا من الاستجابة لطلب أتباعه الذين رأوا ضرورة المسير إلى الخوارج ليفرغوا منهم قبل التوجه إلى الشام. ولما قابل علي الخوارج طلب منهم تسليم قتلة عبد الله بن خباب للقصاص منهم ، فقالوا كلنا قتلناه ، فصمم على قتالهم بعد أن تبين له إنهم الفئة الخارجة التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديثه ، وخطب على أصحابه وأخبرهم بما سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج ، وهكذا كانت موقعة ( النهروان ، لم تضع نهاية للخوارج بل أذكت في من بقي منهم روح القتال وكانت ذكرى تلك الموقعة دافعاً لهم إلى مزيد من العنف ، وظهرت فرق خارجية عديدة كالأزارقة والنجدات والصفرية والعجاردة والإباضية وغيرهم. ولما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز حاول أن يردهم إلى الحق ، كما حاول علي بن أبي طالب من قبل ، إذ رأى من بينهم كما قال : أناساً قد ضللوا فضلوا ، وأنهم كانوا يبغون الحق فأخطأوا سبيله. ولكنه في النهاية يئس من إصلاحهم وردهم إلى الصواب، ومن ثم لم يكن أمامه إلا قتالهم وحربهم. واستطاعوا في بعض الأحيان أن يبسطوا نفوذهم على أرض فارس والعراق وبعض مناطق من اليمن والجزيرة، الخوارج بالجزيرة عام ١٣٨ هـ وقتل منهم عدد كبير. وفي المغرب الإسلامي ( تونس ) وما حولها قاد الخوارج بقيادة أبي حاتم الأباضي حرباً ضد جيوش العباسيين ، وفي عهد المهدي خرج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم بخراسان"،