يحتل الحكم الراشد كمفهوم مكانة بارزة في عالمنا المعاصر، فرغم حداثة المفهوم إلا أن له خلفية تاريخية تعود لأبعد من قرون.أولا: نشأة الحكم الراشد تعود الجذور الفلسفية لظهور مفهوم الحكم الراشد إلى مختلف التصورات الفكرية في العهد القديم والتي عرفتها مختلف الأنظمة البشرية وأبرزها ما يلي:مصطلح الحكم (Gouvernance) وظف منذ قرون في لغات متعددة ، فقد استعمل في القرن الثاني عشر في فرنسا للإشارة إلى إدارة شؤون مقاطعة تحت سلطة إقطاعي يدير شؤونها المالية والعسكرية والقضائية نيابة عن الملك"، في حين برز مفهوم الحكم في العصور الوسطى لدى المؤرخين الانجليز لتمييز مؤسسة السلطة الإقطاعية، وفي سنة 1840 فان ملك مملكة بيد مونت وسردينيا تشارلز ألبرت استخدم مصطلح (Buon governmo)، كإطار لحل مشكلة الكساد الاقتصادي وسوء التسيير الذي حل في المملكة آنذاك، غير أن هذا المفهوم ظهر مرة أخرى في الربع الأخير من القرن العشرين في اللغة الانجليزية ليعبر عن عمل الشركات والمنظمات في خضم التطورات العالمية المتسارعة، وفي نفس الفترة أي في نهاية عقد الثمانينات أعيد استخدام التعبير من قبل المؤسسات الدولية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، وذلك للتعريف بمعايير السياسة العامة الجيدة للبلدان المطبقة لبرامج وسياسات التعديل والإصلاح، إلا أن هذه السياسات برامج التعديل الهيكلي إعادة الجدولة الخصخصة الإصلاحات المالية والنقدية لم تحقق الأهداف، كما أنها لم تهتم بالبعد الاجتماعي للمواطنين، وهذا ما يتضح من خلال فرض سياسات التقشف التي ساهمت في تدني المستوى المعيشي للأفراد، مع ما ينجر عنها من انعكاسات سلبية ذات آثار سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، ويركز برنامج الأمم المتحدة في إدارة المجتمعات من خلال الحكم الجيد على ثلاثة اتجاهات الاتجاه السياسي وهو ما يتعلق بشرعية السلطة السياسية، والاتجاه التقني الذي يدور العمل فيه حول عمل الإدارة العامة ومدى كفاءتها وفاعليتها، و الاتجاه الاقتصادي - الاجتماعي ويقصد به كل ما تعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى استقلاله عن الدولة. وكذلك طبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها على المواطنين وطبيعة علاقاتها الخارجية من جهة أخرى، وقد أصبح بذلك مفهوم الحكم متداولا في أدبيات السياسة وفي النقاشاتالفكرية العالمية منذ التسعينات من القرن الماضي ( الحكم العالمي حكم بدون حكومة كما عبر عنها James roseau) & Ernest1993) (والحكم الحديث بتعبير Jan Kooi man 1993)، والحكم الديمقراطي بتعبير James March et Johan Olsen) ، كما أنشأ في لندن مركز دراسة الحكم العالمي عام (1992)، ومن جهة أخرى أسست منظمة الأمم المتحدة لجنة الحكم العالمي عام (1995). وهكذا فان أهمية الحوكمة تزايدت نتيجة اتجاه كثير من الدول إلى النظم الرأسمالية، التي يكون الاعتماد فيها بدرجة كبيرة على الشركات الخاصة لتحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، خاصة وأن ارتقاء هذا الموضوع إلى صدارة الاهتمامات الدولية هو نتيجة تضافر عوامل متعددة، ومن المتوقع أن ينتج عنها ما يؤثر و بشكل كبير على أداء القطاع العام أو أداء القطاع الخاص على المستوى الوطني للدول من جهة أو على إدارة الاقتصاد الدولي كافة، و بالرغم من أن مسائل إدارة الحكم المتعلقة بالقطاع العام تختلف عن تلك المرتبطة بالقطاع الخاص وتختلف في موضوع إدارة النظام الاقتصادي الدولي لكن يبقى الحكم السليم يشكل شرطا لازما لعملية النمو المستديم.