يحلم الجميع بوقود جديد ومتجدّد ونظيف ورخيص، وهناك من ينتظر ألّا تؤذيه الرّوائح القوية النّفاذّة وهو يزوّد سيّارته بالوقود في محطّات الوقود، والمعنيون بالبيئة ونظافتها ينتظرون المعجزة الّتي تقلّل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، حتى تزول غُمّة الاحتباس الحراريّ لكوكب الأرض، والغرب يودّ لو تخلص إلى الأبد من شركات البترول وتحكّماتها، وشركات الوقود تنتظر هبة السّماء في وقود لا ينفد بدلًا من الإمدادات غير المنتظمة للوقود الحجري التقليديّ، والجميع معًا يكتوون بنار الوقود ومخلفاته. وقد كانت شركة السّيّارات الألمانيّة العملاقة (BMW) قد عهدت إلى مهندسيها ومراكزها البحثيّة للاضطلاع بتحقيق تلك المعادلة، لتستخدم أوفر وأبسط عنصر في الوجود كمصدر للطّاقة، تزود به سياراتها التي تنتجها، مبشّرة بحلول مرحلة الفطام عن البنزين والسّولار كمصدرين للوقود منذ ظهور السّيارات الّتي تعتمد على محرك الاحتراق. وقد خرجت من محاولتها الناجحة بسيارة رياضيّة ذات محرّك (1750) حصانًا من طراز (سيدان) بـ 12 (سلندر) يعمل بإحراق الهيدروجين، وهو ما يخفض التلوث المنبعث منها بنسبة 99. كيف تجعل المستهلكين يقبلون على شراء سيارات تسير بوقود الهيدروجين إذا كان السائقون لا يجدون محطات تزوّدهم بالوقود الهيدروجيني؟ إذاً لا بد من توفير تلك المحطات أوّلًا. ولكن لماذا تبني الشّركات محطّات تزويد الهيدروجين إذا كان عدد السّيارات الّتي تعمل بهذا الوقود قليلة للغاية ولـمــّـا يتم تسويقها؟ إذاً لا بد أوّلًا من وجود عدد كبير من السّيارات العاملة بوقود الهيدروجين؛ أيّهما أوّلًا: البيضة أم الدّجاجة؟ وقد ألجأت الإجابة عن هذا السّؤال الشّركة إلى عدم وضع البيض في سلّة واحدة، وكذلك شركات الزّيت؛ للتّرويج في حملة طويلة المدى للسّيارات الّتي تعمل بوقود الهيدروجين، وفوائدها من حيث نظافة الهيدروجين كوقود؛ لذا شرعت الشّركة في استكمال حملة الدّعاية عابرة القارات اّلتي بدأتها من الإمارات في فبراير 2001 تحت عنوان "عالم الطاقة النّظيفة"، وطوكيو)، وهي الآن في (لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية). وتبعث على الدّهشة، وتستدعي إلى الذّهن صور مركبات الفضاء الغريبة، وفيما تبدو السّيارات الّتي تستخدم الطّاقة الشّمسيّة كسيّارات فلكلورية، وكذلك تظهر تلك الّتي تستخدم الرّياح كدمى الأطفال، والحاصل من ذلك كلّه أنّ النّاس لا يشعرون معها بألفة، أو يقتنيها أحدهم. وبالطبع هذه الرّؤى تجعل الشّركة تسعى جاهدة أن تكون السّيّارة الهيدروجينية عالية السّرعة مرتفعة الأداء، تشبه السّيارة العاديّة الّتي اعتاد الناس عليها في أرجاء المعمورة. وفي مرحلة وسيطة تنوي الشّركة أن تسير السّيّارة في المستقبل المنظور بأيّ من الهيدروجين السّائل أو (الجازولين) على حدّ سواء. إنّ لدى الشّركة نحو 15 سيارة من هذا الطّراز، قطعت حتّى الآن نحو 100 ألف كيلو متر، وهي تشارك في جولة "عالم الطّاقة النّظيفة"، ولكن من النّاحية العمليّة لا يمكن إلّا أن تسير بأرجاء ألمانيا؛ إذ توجد محطّة تزويد الوقود الهيدروجينيّ الّتي يشغلها الإنسان الآليّ في مطار ميونخ؛ وهو ما يعني أنّ الدّائرة الّتي تستطيع أن تسير فيها السّيارة حاليًا لا يتجاوز قطرها 350 كيلو متراً فقط؛ لذا تنوي الشّركة أن تكون هناك محطة تزويد بوقود الهيدروجين في كل عواصم أوروبا؛ ومن ثمّ للطّرح بالأسواق، بينما يقف عائق التّزويد بالوقود حجر عثرة أمام انتشارها ودون الملايين. ويتحدّث (أولريش فاجنر) الأستاذ المحاضر عن الطّاقة المتجدّدة، ولكنه سوف يحدث"، ودعا الجميع للعمل يدًا واحدة لجعل السّيّارة الهيدروجينيّة حقيقة، وأوضح أنّ هناك حاجة إلى نظم تخزين أفضل وأكثر فاعلية، وكذلك هناك حاجة إلى بنية تحتية تفي بغرض البداية، ولعلّ الدّكتور (فاجنر) لديه بعض الحقّ، خاصة إذا علمنا أنّه لا يمكن الحفاظ على الهيدروجين سائلًا إلّا عند درجة حرارة 253 درجة مئوية تحت الصّفر؛ لذا فقد قامت الشّركة بالحفاظ عليه سائلًا منفردًا من دون الاتّحاد مع غيره من العناصر؛ بتوفير خزانات وقود في سياراتها تتألف من حوالي 70 طبقة من الألومنيوم والألياف الزّجاجيّة. كذلك إذا كان توفير الهيدروجين يتم حاليًّا عن طريق عمليّة التّحليل الكهربي؛ إذ يتمّ فصل عنصري الماء: الهيدروجين والأكسجين، أو من الغاز الطّبيعيّ في أثناء عملية تكرير زيت البترول، مرة أخرى، أيُّ الشّركات الّتي سوف تنفق على بناء هذه المحطات التي تزود بالوقود الهيدروجينيّ إن لم تكن السّيّارة بين يدي المستهلك؟ خاصة إذا ارتبط ذكر الهيدروجين بكارثة مكوك الفضاء (تشالنجر) الذي انفجر في أولى رحلاته بعد حوالي 52 ثانية فقط في الفضاء، صحيح أنّ الهيدروجين كوقود لم يكن له ضلع في الأمر، ولكن النّاس في حاجة إلى من يطمئنهم. وليس للنّاس أن يتخوّفوا من السّيّارة الّتي تسير بوقود الهيدروجين، فهناك شيء من الخطورة، ولكن لا تزيد عن تلك الخطورة النّاشئة من استخدام سيارة تسير بالوقود التقليديّ، ولتّأكيد القول بالفعل، فقد قامت الشّركة بإجراء العديد من اختبارات التّصادم، والكثير جدًّا من اختبارات السّلامة؛ لترى ما الذي يمكن أن يحدث في ظروف مختلفة إذا ما تعرّضت السّيّارة لحادث، أدّى إلى ثقب أو تلف خزان الهيدروجين بها، وقد أكد مهندسوها أن تسريب الهيدروجين من خزانه تمّ بصورة غير ضارّة أو مؤذية أو خطرة، وقد يكون فيما سبق ما يطمئن بعض المهتمّين تُجاه السّيّارة، ويدفع في تنشيط اتجاه السّيّارة قبل محطّة الخدمة، غير أنّ الشّركة بحثت عمّا يمكن أن يحفّز المستهلكين، ويجعلهم يقبلون على سيارة هيدروجين؛ فلجأت إلى العامل الاقتصاديّ في الموضوع، وراحت تذكّر أنّ جالون النّفط يصل إلى نحو 4 دولارات في معظم أوروبا وهو جدّ غالٍ على الجميع. وليست شركة (BMW) وحدها في مضمار السّباق في اعتماد الهيدروجين كوقود بديل نظيف؛ فمؤسّسة (فورد الأمريكيّة) سوف تكشف عن أنموذج لسيّارة تسير بوقود الهيدروجين، بينما ينتظر أنّ تنتج كلاّ من (ديملر كريسلر، وجنرال موتورز) النّماذج الأوّليّة الخاصّة بهما للسّيّارة الّتي تيسر بوقود الهيدروجين، وليست (هوندا أو تويوتا) ببعيدتين؛ فهما تستخدمان الوقود في نماذج تسير بمحرّكات مزدوجة تسير بالبنزين، وبالطاقة الكهربيّة المولّدة باستخدام الهيدروجين. ولوس أنجلوس)،