إن التراث الذي خلفه الأقدمونَ هُوَ الذي أَوْصَلَ الإِنْسَانَ الْيَوْمَ إِلَى مَا وَصَلَ اللَّهِ ، وَجُهُودُ وَرْدِ أوْ جَمَاعَةٍ فِي مَيَادِينِ الْمَعْرِفَةِ تُمهد السبل الظهور جهودٍ جَدِيدَةٍ مِنْ أَفْرَادٍ أَوْ جَمَاعَاتِ أُخْرَى، لأن الفِكْرَ الْبَشَرِي يَحِبُّ أَنْ يُنظَرَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَي ينمو وَيَتَطَوَّرُ، فَأَجْزَاهُ مِنْهُ تَقُومُ بِأَدْوارِ مُعَيَّنَةٍ فِي أَوْقَاتٍ خاصّةٍ قَدْ تُمَهْدُ لأَدْوارِ أُخْرَى تَأْتِي بَعْدَهَا، فَالْيُونَانُ قاموا بدورِهِمْ فِي الفَلْسَفَةِ وَالْعُلُومِ مَثَلاً، وَكَانَ هَذَا الدَّوْرُ مُعَهْدًا لِلدَّوْرِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ الَّذِي هَا الأَذهان والعقول للأدوار التي قام بها الغربيون في ما بَعْدُ. بَلْ إِنَّ الْفَرْدَ كَانَ يَأْخُذُ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، فَوُجُودُ ابْنِ الْهَيْثَمِ وَجَابِرِ بْنِ حَيَّانَ وَأَمْثَالِهِمَا كَانَ مُعَهْدًا لظهور «غاليلو» و«نيوتن»، فَلَوْ لَمْ يَظْهَرِ ابْنُ الهَيْتُم لِلاضْطَرَّ "نيوتن" إِلَى أَنْ يَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ ابْنُ الْهَيْتُم وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ جَابِرٌ لَبَدَأَ "غاليليو" مِنْ حَيْثُ بَدَأَ جَابِرٌ. إنَّ الحضارة العربية الإسلامية ظاهرة طبيعية، وَقَدْ قَامَتْ في حينها بِدَوْرِهَا فِي تَقَدَّمِ الْفِكْرِ وَتَطَوَّرِهِ بِأَقْصَى الْحَمَاسَةِ وَالْفَهْمِ، فَأَصْحابُها لَمْ يَكونوا مُجَرَّدَ نَاقِلِينَ أَوْ شَارِحِينَ فَقَدْ، بَلْ إِنْ إِسْهَامَاتِهِمْ تَمَيَّزَتْ بِالْفَهْمِ الدَّقِيقِ وَقُوَّةِ الْابْتِكَارِ. لَقَدْ بَرَعَ الْعُلَمَاءُ الْمُسْلِمُونَ فِي الرِّياضيّاتِ وَأَجادوا فيها،