هل نحن هوية بلا ذات؟ أو في الحاجة إلى «أنوار جديدة» ليست الفلسفة من فتنة الهوى في شيء. متعلّلة على الدوام بأنّ الوقت غير مناسب لقلب القيم. وأن نقده الجذري لوعيه بالتحليل النفسي أو بفلسفة اللغة لم يؤد إلا إلى إرساء «كوجيطو مجروح» لم يعد له من معيش خاص غير رمزية الشر التي يحملها في نفسه)، وأن علاقات الإنتاج التي تحكمه لم تكن في سرّها غير جملة معقدة من الأحكام المعيارية حول نفسه لقد غيرت الحداثة من أفقها السري : لم تعد تفكرًا فينومينولوجيا سعيدا في وعيها بنفسها وطبيعتها وملكاتها بل صارت مغامرة لغوية لا تسيطر على ما يوجد إلا بقدر ما ترسمه وتخطه وتقوله وتحكيه. - نحن نقترح أن نمشي قليلاً إلى أنفسنا ومشاكلنا ولكن من خلال وفي صحبة بعض من الفلاسفة الذين سبقونا بمعنى ما إلى أنفسنا ومشاكلنا، فإنّنا أحوج ما نكون إلى إعادة إنصات شديد لأنفسنا المحسوسة واليومية كما تقول نفسها في بعدها البشري الكوني، إلا أفضل سبيل وأقصرها إلى ما يتوق إلى معرفته كل من يفكر في هذا العصر الذي صار يتيمًا على نحو كلبي فهو بقدر ما يصرّ على مقاومة أي شكل من الأبوية بقدر ما يسقط في علاقة أمومية بأصوله. ولذلك فكلّ أصولية هي رومانسية بلا أي قدرة على الحلم. ولكن لأنّ الحنين هو شكل مقلوب من الخضوع، يبدو أن رهان الحداثة الخفي هو : إلى أي حد يمكن للفيلسوف أن يفكر الذات بلا هوية؟ وعلى ذلك فإنّ الأوان قد آن أيضا لأن نسأل: إلى أي مدى استطاعت الفلسفة المعاصرة في سعيها الدائب إلى التحرر من براديغم الوعي، أن تتحرّر من صناعة الهوية الحديثة؟ ومن ثمّ أن تقترح علينا ذاتا بلا رواسب هووية لا شفاء منها؟ ودون أي اعتذار يُذكر إلى متوالية من قصص الهوية ولكن بلا ذات . إن أحلام الدولة القومية الحديثة قد اخترقته بلا نهاية وانقلب المفهوم عنده هوية بلا ذات»، ولكن ماذا يمكن أن تعني بالنسبة إلينا أن تكون «هوية» ما «بلا ذات»؟ وبالنسبة إلينا نحن المجبرين على شهادة ميلاد المسلم الأخير بخاصة أو التوحيدي الأخير بعامة كنبتة غير طبية إطلاقا في جسم الحياة ما بعد الحديثة؟ - ليس هذا السؤال غامضًا إلا بقدر ما نعتاد على المرادفة بين هويتنا وذاتيتنا. أما ذاتيتنا فهي ما تزال مطلبًا حيويًا وتأويليًّا لم نتعلم بعد حتى كيف نسلك إليه على نحو أصيل. ولأن الفلسفة التي تهمنا هي وحدها تلك التي تساعدنا على السلوك إلى مقام أنفسنا الحالية بكل ما تنطوي عليه من صعوبة وتعقد وطرافة، إنه فقط دعوة إلى الاضطلاع بأنفسنا بطريقة جديدة. في حين أن الذات ما هي نستطيع أن نكون ولكن لم نجرؤ بعد على الاضطلاع به كأفق حرّ ووحيد لأنفسنا . إن الإجابة الهووية عن السؤال المرير من نحن؟» قد انقلبت اليوم إلى عائق أخلاقي أمام التجربة الحرة لأنفسنا بأنفسنا وهي عائق من فرط أنها لا تعدو أن تكون دفاعًا عدميًا عن إجابة فقدت كثيرًا من أصالتها. لنقل : إن الإنسان في أفقنا الروحي لم يعد بعد إلى ذاته، بل نابعة من هشاشة روحية جد عميقة في تصوّره لنفسه، وسوف نمتحن كل ما تقدم من خلال التساؤل التالي: إلى أي مدى يمكن الدفاع عن حوار أصيل بين الهويات؟ أما الأطروحة التي سندافع عنها فهي هذه: إن حوار الهويات غير ممكن، وذلك أن الأفق الوحيد للحوار هو الحوار بين الذوات الحرة. - ويبدو أن العائق الأكبر أمام التحوّل من نموذج الهوية إلى نموذج الذات هو غياب الإمكانية الجذرية للحوار. إن الحوار هو التبادل الجذري لمعنى الحرية من حيث هي الأفق الوجودي الوحيد لذاتيتنا. بل هي جهاز انتماء أو لا تكون ومثل كل جهاز لا يمكن لأي هوية أن تعمل في أفق روحي ما إذا لم تكن تملك شكلاً معينا من الإلزام وفنا معينا من الانضباط. وقد تحوّل إلى جسد من العلامات المستقلة كلّ هوية تؤرخ لنفسها بطريقة ما، وعلينا أن نسأل : ما دور الفلسفة في كل هذا؟ فهو سرعان ما يشعر بأن شيئًا ما في نفسه يكبحه عن هذا الفرار نفسه). في هذا السياق بالذات يصف هيغل التفلسف بأنه نحو من الكبح غير العادي ) الذي يثقل حركة» التمثل. - إنّ التفلسف كبح داخلي لنمط من الوعي «الهووي» يقوم على معاملة الذات» أي كما يقول هيغل «هذا المجرى الذي يتولد من نفسه ذاهبًا كلّ مذهب وعائدا إلى نفسه» ، هنا نعثر على إشارة طريفة : إنّ ما تفتقد إليه النزعة الشكلانية ليس بسط وتخصيص المضمون بقدر ما هو تهذيب الشكل أي تدريب الشكل على التعيّن واتخاذ الشكل الذي من شأنه . إن الشكل الصوري لا شكل له والفلسفة هي بذلك فنّ إعطاء شكل للشكل. ولكن ما هو الأمر الذي يقبل هذا الوصف؟ إن الغرض البعيد من مزاولة التفلسف كضرب من الكبح الداخلي لوعينا الهووي هو إذن تحرير هذا الوعي من هذين السلوكين غير الفلسفيين: أولاً ممّا يسميه تثبيت الوعي أي تجميد الذات بشكل هووي كقاعدة يعلق عليها آراءه وهيئات نفسه،