ألا وهو الجانب الروحي المتمثل في الإيمان بالله تعالى والانطلاق من شرعه وجعله منهاج الحياة ودستورها. وكفروا بكل دين بعد كفرهم بالنصرانية ومعتقداتها التي في جانب منها مناقضة للعقل ومخالفة للمنطق ، ومن ثم الكفر وكل ما جادت به النصر الله ، ودين الله لم يكتف بهذه المنافع العاجلة فقط بل وضع أساساً لمنافع آجلة متمثلة فيما يجنيه الإنسان من ثمرات أعماله في الدنيا. ومن الأعمال ما يكون ثوابه ونفعه في الآخرة فقط مثل ما يصيب الإنسان من بلاء ومرض وما قد يقع عليه من مظالم لا يقدر على دفعها عن نفسها . والمذهب النفعي يدعو إلى تحقيق النفع العاجل فقط وعدم الاعتداد بنفع أجل و لا الإيمان باليوم الآخر ؛ واستنتاج العلاقة بين الأشياء والتوصل بعد ذلك إلى مصائرها. فإذا كان المعول في البراغماتية على النتائج دون الأسباب والعلل فما هو دور العقل ؟ وإن كان العقل لا يعمل ضمن أسمى وظيفة خلق لها فما جدواه إذا؟ ولا للدابة من خلق الكلب ، ولا للكلب من خلق الشاة ، وهيا كل شيء على ذلك ، فكيف يجعل الإنسان مساوياً له دون أن يعطى أدنى ميزة في أن يكون له عقل يباين بها تلك الحيوانات ويكرم به عليها؟! لأن العقل السليم إذا ما ترك ليعمل ويبحث عن الأسباب والعلل فسيصل حتماً إلى خالق الكون وإلى الإيمان بربوبيته وألوهيته . وأظن هذه القضية لا تحتاج إلى كثير كلام لبيان خطئها ؛ وأن المؤمن والملحد لا فرق بينهما إلا هنا سؤال: هل الدين فعلاً مجرد تجربة إنسانية ؟ والحال أن التجارب قد تقع لأناس دون آخرين أن نزعة التدين موجودة لدى الناس أجمعين. ولا أدل على ذلك من الدول التي كان الاتحاد السوفيتي يضمها تحت عباءته ، ثم ما لبثت أن سقطت دولة الإلحاد وخرجت تلك الدول من عباءتها وعاد كل إلى دينه. فإذا كان الدين مجرد تجربة فهل تبقى تلك التجربة راسخة في قلوب الناس بعد أن فرضت عليهم تجربة الإلحاد قرابة سبعين عاماً؟ يحيدون.