أثر العقلانية الديكارتية في تصور شومسكي للغة القبلية عند إذا كانت أفكار أفالطون وقبله سقراط بخصوص حصول المعرفة الانسان تتقاطع بكيفية معينة مع فكر شومسكي عن خلق اللغة، فإن مظاهر تأثره بالنماذج الفلسفية العقالنية تتركز أكثر، في ما أورده ديكارت من أفكار تتصل بفعل التذكر والمعرفة الكامنة في كتابه "تأمالت ميتافيز يقية في الفلسفة" الاولى وخاصة في التأمل الخامس (Meditations Five)، وفي اقتراح ديكارت الدي يعتبر ان الافكار الفطرية هي ما نتدكره وان الانسان لايتعلم شيئا بقدر ما يتذكره ويعرفه من قبل. يقول ديكارت: "لدينا أفكار عن أشياء كثيرة طبائعها حقيقية ثابتة، والخليق بالاهمية أني أعثر في نفسي على عدد كبير من الافكار التي هي أشياء يجوز اعتبارها عدما محضا إن لم أتمكن من التأكد أنها توجد خارج ذهني ، وإن كان بمقدوري أن أفكر بها أو أن لا أفكر، فإن لهذه الاشياء وجود حقيقي ثابت مسبقا. ويرى ديكارت في حديثه عن معرفة البشر بالله أن البشر يستدلون على ذلك بالمعرفة الفطرية التي أودعها الله فينا كهبة أصيلة تقودنا للاستدلال على وجود الخالق . وهو بهذا يرد على الذين لا يؤمنون بشيء خارج نطاق الحواس قائلا: "فأفكارنا عن هذه الاشياء لم تأتنا بواسطة الحواس، وفي نفس السياق يسترسل في تأمله الثالث عن وجود الله مبينا : "كل فكرة لا بد لها من علة يكون لها من الوجود الفعلي بقدر ما يكون لتلك الفكرة من وجود موضوعي ذهني ، وهو تاكيد صريح من ديكارت على كمون المعرفة المسبق في الذهن واللغة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المعرفة نحتكم لا محال إلى حقائق ذهنية عنها جسمها ومادتها الكالم. إن اللغة بحسب ديكارت نتاج عقلي صرف يرتبط ارتباطا وثيقا بالجنس البشري، إذ لا ينبغي الخلط بين القدرة التي يمتلكها الانسان في استخدام اللغة، والحركات الطبيعية التي تؤدى وفقا للانفعالات أو الغرائز بصورة آلية كما هي عند الحيوان. إن الحيوان لا يستطيع استخدام الكلام في التعبير عن دلالات أو أفكار مثل الانسان الذي يتحلى بكامل الحرية والارادة في الخلق والابداع، وهذه السمات الجوهرية للغة هي ما يميزه عن الحيوانات التي رغم ما أبانت عليه من مستوى عال من الذكاء إلا أنها لا تستطع إنجاز ولو جملة واحدة من تلقاء نفسها، وأن مجمل ما يمكن أن تقوم به لا يتعدى التقليد الناتج عن مبدأي المثير والاستجابة. أما الانسان فهو في أضعف حالاته قادر على إبداع طرق لغوية خاصة تنقل مشاعره وأفكاره إلى الآخرين، ولأدل على ذلك ما يكشف عنه الصم بالولادة من بني البشر من قدرات خارقة على تطوير نسق لغوي مرئي خاص بهم ؛ إذ على الرغم من عدم تعرضهم لتجربة السمع ومن ثمة عدم قدرتهم على التصويت الا أنهم يستطيعون التعبير عن أفكارهم بواسطة لغتهم المرئية المتطورة ، عكس العقاعق والببغاوات التي يمكنها التفوه بكلمات مثلنا لكنها في نفس الوقت لا تستطيع الكلام شأنها شأن باقي الحيوانات وربما أكثر منها. إن الصم من بني البشر يفتقدون الكلام فعلا ولكنهم معتادون على ابتكار إشارات تمكنهم من إفهام من يعايشونهم عادة لغتهم مما يبين أن عادة اللغة خاصية انسانية مرتبطة بالدهن البشري. ان اللغة عند ديكارت و شومسكي على حد السواء سمة بارزة تميز الجنس البشري عن غيره من المخلوقات . خارج التفسير الآلي الذي يقدمه التجريبيون لالستعمال اللغوي عند الانسان، انجذابا قويا إلى الاتجاه العقلي الذي يعلي من قيمة العقل البشري وذكاء الانسان المتسم بالإرادة والإدراك والحرية في الخلق والابداع والابتكار، بعيدا عن الأفكار المروجة إلى ربط القدرة اللغوية للإنسان بالاستعداد الطبيعي لأعضائه. وتفنيدا لهذا الطرح يرى شليغل أن أجناس متنوعة تشترك إلى حد ما مع البشر في القدرة على تعلم اللغة، وأنه عن طريق التدريب والتكرار المألوف ينشأ في أعضائها منبه ذو ردود فعل معينة، لكنها لا تستعمل أبدا الكلمات التي تعلمتها بشكل مستقل لأجل التعيين، كما أن خطابها مجرد لغة قليلة الاصالة كالأصوات التي تنتجها الالات المتكلمة . ومن خلال ما سبق نقول إن شومسكي قد تأثر بفكر ديكارت خاصة منه المتعلق بفطرية اللغة، فاقتنع من خلاله بوجود بنية ذهنية مجردة جاهزة ثاوية خلف كل مظاهر الإبداع اللغوي عند الانسان، وهذه البنية الذهنية هي ما ينبغي أن تشغل فكر اللساني .