منذ بداية حوادث محمود أمين سليمان لم يعد يشغل بال نجيب محفوظ، الروائى والموظف فى مصلحة الفنون، إلا متابعة أخباره فى الصحف. صديقه ورئيسه فى المصلحة نفسها، فيسأله: «ماذا تقرأ هذه الأيام؟ وماذا يشغلك؟»، يضحك محفوظ ويرد: «لا شغل ولا تفكير إلا فى محمود أمين سليمان». لا أعتقد أن هذه الحوادث هى التى أوحت لمحفوظ بفكرة الباحث عن العدالة فى رواية «اللص والكلاب»، فالمتابع لأعمال نجيب محفوظ يكتشف بسهولة أن محفوظ كان مشغولا دوما بفكرة الإنسان الباحث عن العدالة على الأرض، بعد أن طرد من البيت الكبير. كان قد أنجز بالفعل فى هذا الإطار روايته المهمة «أولاد حارتنا»، التى تنتهى بالإنسان وهو لا يزال يبحث عن العدل والحرية، ومؤمنا بأنه: «لا بد للظلم من آخر، ولنريهم فى حياتنا مصرع الطغيان، قال لى محفوظ فى حوار منشور، إنه يكرر الفكرة فى أعماله أكثر من مرة حتى يتخلص من الإلحاح. الواقع أنه لم يتخلص أبدا من إلحاح فكرة أشواق الإنسان إلى الحرية والعدالة طوال حياته. فى ذروة هذا الانشغال اكتشف محفوظ حكاية السفاح، ليس باعتباره لصا وقاتلا، ولكن باعتباره مادة تصلح لأن تصنع نموذجا أديبا يسمح، بعد كثير من التعديل والمفارقة للأصل، بأن يكون رمزا للإنسان الباحث عن العدالة. عندما تعمل موهبة محفوظ يتغير الكثير فى المادة الواقعية: تختفى سرقات سليمان بدافع الفقر والثراء السهل، لتتحول إلى سرقات من الأغنياء بدافع استرداد حق الفقراء، كما قال له رءوف علوان. تختفى واقعة الهروب من السجن، لتحل محلها افتتاحية رائعة عن شاب أفرجوا عنه، سدّد دينه للمجتمع، وجاء الدور على المجتمع، لكى يسدد ديونه المستحقة للفرد.