ضرب الله مثلا في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت درجة القرابة عنده كحال امرأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) إذ كانتا كل واحدة منهما تحت نبي رسول ، فخانتاهما في دينهما فكانتا كافرتين ؛ فامرأة نوح كانت تفشي سر من يؤمن بزوجها وتخبر به الجبابرة من قوم نوح حتى يبطشوا به ، وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون ، وامرأة لوط كانت كافرة وتدل المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته ، وذلك في الليل بوساطة النار ، وفي النهار بواسطة الدخان ، فلما كانتا كافرتين لم تغن عنهما قرابتهما بالزوجية شيئا ، ويوم القيامة يقال لهما : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) ، من قوم نوح وقوم لوط عليهما السلام . وهذا مثل آخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة الكافر حتى ولو كانت القرابة الزوجية ، وامرأة فرعون هي آسية بنت مزاحم ، التي آمنت بنبي الله موسى عليه السلام فبلغ ذلك فرعون فأمر بقتلها ، فلم يضرها اتصالها به وهو من أشد الكافرين كفرا ، إذ قالت داعية ربها : ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّة ) ، فقد اختارت الجار قبل الدار ، وفي الآية دليل واضح على إيمانها وتصديقها بالبعث ، ثم قالت : ﴿ وَنَجْنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، وَنَجْنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ، أي : يارب أنقذني من كفر فرعون وطغيانه ، حتى لا أكون كافرة بك ولا ظالمة لأحد من خلقك ، وقد حماها الله تعالى من فرعون عندما شدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على الإيمان ، فرفعت بصرها إلى السماء ، فرأت بيتها في الجنة ، ففاضت روحها شوقا إلى الله وإلى بيتها في الجنة ، وقد رأته فوصلت إليه بعد أن فاضت روحها ، فنجاها الله من عذاب القتل الذي أراده لها فرعون وعصابته الظلمة الكافرون ، فلم يتمكن فرعون من قتلها . وقوله - تعالى - : ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) ، عطف الله - سبحانه وتعالى - مريم على آسية ليكون المثل مكونا من امرأتين كالمثل الأول ، وقد أحصنت فرجها عن فعل الفاحشة فهي عفيفة طاهرة شريفة ، فأرسل إليها جبريل عليه السلام وأمره أن ينفخ في كم درعها أو في فتحة جيبها فحملت بعيسى عليه السلام ، وكانت من القانتين الطائعين العابدين لله - تعالى - ،