قال كليلة: وإن الجنون قد يكون من بعض العقل، فما أحراها أن تذهب بنا جميعاً في بعض حماقاتها، لتكون لنا مملكة في الأرض ومملكة في الهواء؟ أما إنه ليس من الهلاك أن نهلك معها في سبيل التجديد، بل الهلاك والله أن نحيا معك ومع أمثالك في هذه المعيشة المملولة التي لا فنَّ فيها ولا جمال ولا متاع من متاع الطباع الجديدة العابثة الساخرة الكافرة المستهترة بالفنون ولذاتها ومناعمها، فسبيلها ما شاءت لنفسها وسبيلكن ما شاءت لكن! وإنما مثلنا مثل الذي قال: هيهات إن عظمة لا تشترى بذهب الدنيا! فإن كل ما تراه فنعلُك خير لك منه، لأنك تنتعل على قدم صحيحة وهذا الرجل ما جاءه الغنى يجري إلا ليقعد هو فلا يمشي! وأنت تظن أنه يبتاع بذهبه كل ما أحب على أنه لا يحب إلا عَظْمة لقدمه المكسورة؛ وهيهات أن تبيعه الحياة عظمة بكل ذهب الأرض! قال كليلة: وطال الخلاف بين النمل، وهلممْنَ إلى العالم الجديد وافعلن ما آمركن به. وما يكون الجديد جديداً باسمه ولكن بمنفعته، ثم إنها نظرت لطاحين وقالت: أما قلتِ آنفاً إن هواء ذلك الإقليم ينبت الأجنحهَ! فلم يكن غير بعيد حتى غشَّينها من جميع جوانبها فإذا هي في رأي العين كأنها مكتوبة بالحبر. فتهارب الباقيات يسعين إلى نجائهن في كل وجه ومَهرب، فلم ينج منهن إلا قليل ذهبن متضعضعات إلى القرية، إن كان والله إلا حذاء صبي خبيث ودوساً دوساً وحطماً حطماً فمن لم تهلك فلن تنسى أبداً أنها من الهلاك رجعت!