1- التكريس الدستوري للحق في الصحة . 3- الالتزامات التي يفرضها الحق في الصحة. أولاً: التكريس الدستوري للحق في الصحة يتخذ تكريس حق معين من الحقوق في الدستور العديد من الأشكال يظهر الاختلاف فيما بينها في مدي قابلية هذه الحقوق للإنفاذ أمام القضاء، فشعور الدولة بأهمية الحق أو الحرية تختلف من حالة إلي أخري، ويتضح ذلك من خلال الصياغة الدستورية ذاتها ، فهناك صياغة دستورية تكفل قدر كبير من توفير الرعاية الصحية مما يجعلها قابلة للإنفاذ امام القضاء أي بمجرد الاعتداء علي الحق في الصحة من جانب الدولة سواء بتخل إجابي أو سلبي يمكن للمضرور اللجوء الي القضاء الاداري للحصول علي حقه في توفير الرعاية الصحية المكفولة دستورياً، لذلك فإن ثِقل الحق في الصحة في ميزان الدول يختلف من دولة إلي آخري وذلك علي النحو الذي سنوضحه. اختلفت دول العالم في تكريس الحق في الصحة في النصوص الدستورية وذلك يدل علي عدم اعتماد الدول علي منهاج واحد في معالجة هذا الحق ، ومن خلال استقراء المناهج التي اعتمدت عليها الدول في تكريس الحق في الصحة ، أولاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاعلان عن حق ، ثانياً تكريس الحق في الصحة عن طريق ما يفرضه في جانب الدولة من دور، ثالثاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاحالة إلي المواثيق والاتفاقات الدولية. من خلال إقراره كحق للمواطنين في صورة مستقلة عن غيره من الحقوق الآخري، وإن كانت اختلف فيما بينها في خصوص رسم نطاق هذا الحق تضييقا واتساعا ، فبينما نجد بعض الدساتير يتبنى مفهوما بالغ الضيق يتمثل في مجرد إقراره لهذا الحق في صورة " الحق في الرعاية الطبية والصحية " وذلك مثل ما تبناه دستور دولة موزمبيق ودستور دولة جويانا، ونجد بعض الدساتير تبنت مفهوما متسعا للحق في الصحة، حيث كرسته باعتباره حقا في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، مثل دستور دولة المجر. وإذا كانت بعض الدساتير قد أقرت الحق في الصحة - كما سلف بيانه - في صورة حق مستقل عن غيره من الحقوق، والماء، والتأمين الاجتماعي، وكذلك الحال في دستور دولة فنلندا، كما أن من الدساتير من كرس الحق في الصحة من خلال تناوله للحق في بيئة نظيفة مثل دستور دولة المجر، ثانياً تكريس الحق في الصحة عن طريق ما يفرضه في جانب الدولة من دور كرست بعض الدساتير الحق في الصحة من خلال تناولها لما يقع على الدولة من دور في سبيل إنقاذ هذا الحق ، وقد اختلفت هذه الدساتير فيما بينها في مدى قابلية إنفاذ الحق في لصحة أمام القضاء ، فبينما نجد بعض الدساتير يتساهل مع الدولة في الاكتفاء بمجرد تجسيد هذا الدور في صورة الإعلان عن طموح وبتالي فإن مدي قابلية انفاذ هذا الحق امام القضاء تكون ضعيفة ، حيث يعبر النص الدستوري عن مجرد الإعلان عن هدف معين فيما يتعلق بصحة المواطنين مثل دستور دولة هولندا، نجد بعض الدساتير يعكس هذا الدور - في صورة أكثر واقعية وعملية - من خلال النص على تبنى الدولة لبرنامج ما في سبيل انفاذ هذا الحق وهوا ما يعرف بالإعلان عن برنامج حيث يتبنى النص الدستوري برامج خاصة بالتمويل وتوصيل أو تنظيم الرعاية الصحية أو خدمات الصحة العامة وذلك مثل دستور دولة بلغاريا، حيث يفرض النص الدستوري واجبا أو أكثر على الدولة لإنفاذ هذا الحق مثل دستور دولة هايتى و دولة أورجواي. والذي لا شك فيه، إن تجسيد هذا الدور في صورة ( الاعلان عن واجب ) تعكس التزاما دستوريا وطنيا بالحق في الصحة أو الرعاية الصحية أكثر من الأنواع الأخرى من الإعلانات حيث تتميز الإعلانات عن واجب في مواجهة الإعلانات عن البرامج أو الأهداف أو الطموحات بأن الإعلانات عن واجب تفرض بوضوح، واجبًا غير مقيد على الدولة بأن تلبي الاحتياجات الصحية المواطني الأمة. ثالثاً تكريس الحق في الصحة عن طريق الاحالة إلي المواثيق والاتفاقات الدولية تتضمن بعض نصوص الدساتير إحالة إلى أى من اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية أو الإقليمية التي تعترف بحقوق الإنسان في الصحة أو الرعاية الصحية مثل دستور جمهورية التشيك، دستور منظمة الصحة العالمية، حيث نص هذا الدستور الذي تم تبنيه في عام 1946 - على الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، يمكن بيان موقف المشرع الدستوري المصري من تكريس الحق في الصحة من خلال عرض موقفه في دستور 1971 ، ثم موقفه في دستور 2012 ، ثم ننتهي بعرض موقفه في الدستور الحالي 2014 وذلك علي النحو التالي: 1) أنهما لم يكرسا للحق في الصحة عن طريق إقراره كحق في حد ذاته، حيث أناط بالدولة كفالة الخدمات الصحية والتأمين الصحي للمواطنين، ولعل هذا ما يفسر ورود النصين سالفي الذكر ضمن الباب الثاني من الدستور الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، 2) كما يلاحظ علي هذه النصوص أنهما شديدا العمومية والإبهام من حيث عدم اشتمالها على ما يضمن تنفيذ الالتزام بمحتوى الحق في الصحة والحماية الاجتماعية، بل إن هاتين المادتين في حد ذاتهما لا تضمنان الحق في الصحة والذي يظل غير محقق رغم مرور أربعين سنة على وضع هذه المواد. 3) كما أن التأمين الصحي –في ظل هذا الدستور – لم يغطي سوي 50% من المصريين عموما بينما يظل البعض الآخر الأكثر احتياجاً وفقراً مهمشا دون أدنى حماية أو تأمين ضد المخاطر الصحية، ولا يزال الجزء الغالب من الانفاق الكلى على الصحة يخرج من جيوب المواطنين مباشرة بما يعنى أن عبء العلاج يقع فعليا على المواطنين. وكان مبرر القضاء الاداري أن الدستور احتراما لحق الأفراد في الحياة وفى سبيل المحافظة على الصحة العامة للمواطنين دعم التأمين الاجتماعى والصحى، وأناط بالدولة كفالة تقديم الخدمة الصحية للمواطنين وهو ما يمثل الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان، قد كرس دستور 2012 الحق في الصحة في اطار ثلاث مواد أوردها في الفصل الثالث المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات، وهي المواد أرقام (62) و (63) و (68) منه، ويلاحظ علي هذه النصوص التالي: في خصوص تكريسه لحق الإنسان في الصحة، وإشرافها على المنشآت الصحية، ومراقبتها لجميع المواد ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة وإصدارها للتشريعات واتخاذها كافة التدابير التي تحقق هذه الرقابة. • كما الزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطواري أو الخطر على الحياة. • كما كرس في المادة (63) لهذا الحق من خلال إقراره للحق في البيئة الصحية، لما في ذلك من انعكاس على الصحة العامة. 46) ، 79) و ، ويلاحظ علي هذه النصوص التالي: • أن المشرع الدستوري إذا كان في دستور عام 2012 قد أقر الحق في الصحة بمفهومه الضيق المتمثل في الحق في الرعاية الصحية، و إذا ما قورنت هذه الالتزامات الواردة بدستور 2014 بالالتزامات الواردة في دستور 2012 - قد جاءت أكثر تحديداً وواقعية، وهذا يساعد على أن تتحول هذه الالتزامات إلى حقائق على أرض الوقائع، لا أن تظل مجرد طموحات حبيسة النصوص. من خلال إقراره للحق في البيئة الصحية، لما في ذلك من انعكاس على الصحة العامة، فإن دستور2014 لم يختلف عنه كثيرًا في خصوص ذلك، وقد جاء تناوله الأخير في دستور2014 لهذا الحق مرضيا، لما تضمنه من إقرار لهذا الحق بمفهومه الواسع، لجميع المصريين. يقسم الفقه الحقوق الدستورية التي يمتع بها الإنسان بحسب الصفات التي تجمع بينها إلي ثلاث أجيال: لتنفيذها. على أن قائمة الحقوق التي تنتمي إلى "الجيل الثالث" تبدو مركبة فإذا كان بعض هذه الحقوق يمكن ربطها بفكرة التضامن، مثل الحق في التنمية ، أما عن الجيل الذي ينتمي إليه الحق في الصحة، يعتبر الحق في الصحة تقليديًا، لأن هذا الدستور يندرج في عداد الجيل الأول من الدساتير، بصفة عامة من الإشارة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بالنظر إلى انتماء أغلب هذه الدساتير إلى الجيل الثاني من الأنظمة الدستورية . * لذلك فإن الحق الاجتماعي في الصحة يصاغ في الغالب، يتطلب من الدولة أن تتخذ إجراءات بطريقة إيجابية، وفي هذا السياق، وفي أغلب الأحيان يتم هذا التأمين بمجرد تبنى تشريع بسيط، ونظرا لأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مثل الحق في الصحة) تتطلب في الغالب، لذلك لا يعتبرها الفقه أنها من قبيل الحقوق التي تشكل حقوقا عالمية على الإطلاق. لكن الفقه قد انتقد توصيف الحقوق المدنية والسياسية علي كونها حقوق لا تطلب سوي تدخل تشريعي من أجل إنفاذها، حيث أن مسألة محدودة الموارد العامة تثور بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية تماماً كما تثور بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فمن الملاحظ أن تطبيق وإنفاذ الحقوق المدنية والسياسية يكلف أمولاً أيضاً. إن تصنيف الحق في الصحة حقاً اجتماعياً بحتاً لن يكون تصنيفاً دقيقاً، وذلك تأسيساً علي أن الحق في الصحة لا يندرج بسهولة في إطار التقسيم الثاني للحقوق إلي حقوق اجتماعية وحقوق فردية، فعلى الرغم من أن الحق في الصحة يعتبر تقليديا حقا اجتماعيا، فإن ثمة دليلاً على أنه حقا إيجابيا في الصحة، وتأكيدا لذلك، فإن المسائل المتعلقة بالصحة العامة مثل الصحة البيئية وإجراءات الصحة العامة تعتبر منذ فترة طويلة من جانب عدد من الدول، حقوقا إيجابية وسلبية في نفس الوقت، وتبعا لذلك، يقع على عاتق الدولة واجب القيام بنشاط إيجابي الحماية الصحة العامة من التلوث وغير ذلك من أضرار المواد السامة، كما يكون للفرد أن يلجأ إلى القضاء لطلب تعويض عن الأضرار التي تلحق صحته نتيجة تلوث البيئة أو تقصير السلطات العامة المختصة في اتخاذ إجراءات الصحة العامة الواجبة الاتباع. الخلاصة أن الحق في الصحة يمكن النظر إليه كونه حقاً اجتماعياً وذلك بالنظر إلي مجال الرعاية الصحية تصور نشوء حق في الصحة يتطلب من ناحية نشاطاً حكوميا إيجابيا مثل تقديم الدولة مجموعة من خدمات الرعاية الصحية لجميع السكان، ومن ناحية أخري يمكن النظر إلي الحق في الصحة علي كونه حق فردي في اللجوء إلى القضاء من أجل إعمال هذا الحق في الصحة أي تلقى مجموعة الخدمات الصحية التي يكفلها الحق في الصحة، ومؤدى ما تقدم أن تصنيف الحق في الصحة باعتباره حقا اجتماعيًا بحتا لن يكون تصنيفا دقيقا بصورة كاملة، ثالثاً: مضمون الحق في الصحة فهناك تعريف ضيق للصحة باعتبارها تشير إلى الحالة التي يكون فيها الفرد خاليا من المرض أو الألم، وهناك تعريف واسع للصحة الذي تبنته منظمة الصحة العالمية، حيث تعرف هذه الأخيرة الصحة بأنها "حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، ولا تستطيع أجهزة الدولة أن تفرض سيطرة كاملة على هذه الحقيقة، فإن معايير تمتع الشخص بالصحة تختلف من وقت لآخر ومن مجتمع الآخر، يجب أن يفهم الحق في الصحة باعتباره حقا في التمتع بطائفة متنوعة من المرافق والسلع والخدمات والظروف الضرورية لبلوغ أعلى مستوى ممكن من الصحة، يبدو واضحا أن الحق في الصحة لا يقتصر على الحق في الرعاية الصحية. يُعرف الحق في الصحة بأنه حق شامل يتضمن العناصر التالية: وتيسير الوصول إلى الخدمات الصحية والوصول الي المعلومات). • الجودة( الملاءمة العلمية والطبية) الخلاصة: وتأسيسنا على ما تقدم، يمكننا القول أن الحق في الصحة ليس مقصورا على الحق في الرعاية الصحية، والتي من بينها الحق في الرعاية الصحية، والحق في مياه نظيفة أو النظافة الملائمة أو التخلص السليم من المخلفات السامة، والحق في البيئة الصحية، رابعاً: الالتزامات التي يفرضها الحق في الصحة علي الدولة وتتجلي هذه الالتزامات فيما يلي: - الالتزام بالاحترام: يضع واجبًا على الدول بأن تمتنع عن التدخل، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في التمتع بالحق في الصحة. وبمقدور الدولة الطرف في الميثاق ان تثبت التزامها بتطبيق هذا التعهد أو الالتزام العام والواسع (إزالة أسباب المرض من خلال إقامة الدليل على وجود نظام صحي وطبي ملائم يستوفى العناصر الآتية: - وجود إجراءات عامة تستهدف منع تلوث الهواء والماء، وتخفيض الضوضاء، والحماية، وتعزيز الصحة العامة. أن المطالبات أو الدعاوى الفردية الخاصة يتلقى خدمات الرعاية الصحية تكون طبقا لهذه المادة غير مقبولة. ينبغي أن تنفذ التزامها بشكل متدرج طبقا للموارد المتاحة، فإن الدول يقع عليها التزام بأن تستخدم أقصى الموارد المتاحة للتنفيذ المتدرج للحق في الصحة، يشمل التنفيذ المتدرج التزاما واقعا على عاتق الدولة بأن تعمل بأسرع درجة ممكنة، وقد فصلت اللجنة الخاصة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الالتزام الواقع على الدول الأطراف ، ويتحدد مستوى تنفيذ أي حق تبعا للظروف الاقتصادية السائدة في كل دولة. فإن تنفيذ الحق في الصحة 3) يتطلب قياس التنفيذ المتدرج للحق استخدام مؤشرات ملائمة. إلى أن الحق في الصحة احتل أهمية كبرى بين حقوق الإنسان جعلت معظم دساتير العالم تكرسه في نصوصها، ومنها من كرسه باعتبار ما يفرضه في جانب الدولة من دور ومنها من تبنى منهج الاحالة الى الاتفاقات والمواثيق الدولية، من خلال هذا البحث، هو ما جعل البعض يقرر أن تصنيف الحق في الصحة باعتباره حقا اجتماعيا بحتا لن يكون تصنيفا دقيقا بصورة كاملة. كذلك فأنه ثمة فارق بين الحق في الرعاية الصحية، وهي وسيلة من وسائل الحفاظ على الصحة، والتي من بينها الحق في الرعاية الصحية، والتي تعد جميعا عناصر مكونة للحق في الصحة". تتمثل في الالتزام بالاحترام ،