وبات لديّ انطباع بأن القوى السياسية المختلفة تجتر - بعناد على ما يبدو - ذات الأفكار والنقاشات، ومربك قليلا كذلك من وجهة نظر علم الاجتماع. لكن ماذا لو كان بالإمكان أن نتوقع بشكل كامل أن تتبنى هذه الأطراف تلك المواقف السياسية الجامدة؟ وماذا لو لم يكن تبنيها نتيجة لجهلنا ومحدودية أفقنا وأنانيتنا، ناجما عن عيوبنا ولكوننا قابلين لارتكاب الأخطاء؟ بعض الدراسات التي أُجريت مؤخرا تشير إلى أن أحد أسباب الاستقطاب السياسي الذي نشهده حاليا يعود إلى عدد محدود من المجموعات شديدة النفوذ والتأثير بقدر لا يصدق، تاريخيا؛ فسر علماء الاجتماع تبني المرء مواقف سياسية جامدة لا تقبل الحلول الوسط، بأنه أمر ناتج عن تفكيره بشكل غير عقلاني. مهما افتقر للمعلومات السليمة والكافية. قصة مؤسسة ترعى المواهب في تكنولوجيا المعلومات في دول أفريقية وعربية ثماني طرق تساعدك على التخلص من "المماطلة" التعليق على الصورة، لكن دراسة نُشِرَت مؤخرا تتحدى هذه النظرية المنطقية. وذلك إذا وضعت في الاعتبار الحدود والقيود التي يعمل في إطارها المخ البشري. في البداية، كما أنه يصعب توقع متى سيتخذ المرء رد فعل عقلانيا، ومتى سيتصرف على نحو مغاير تماما، ولذا استعانت مجموعة من الباحثين من الولايات المتحدة واليابان وبلجيكا وكوريا الجنوبية بنماذج معدة من جانب الكمبيوتر، تمثل أشخاصا افتراضيين تمت برمجتهم للتصرف إما بشكل عقلاني أو لا عقلاني. وتقول جين جونغ - أحد معدي هذه الورقة العلمية والباحثة في إحدى جامعات ولاية كاليفورنيا الأمريكية - إنه تم "اختيار آراء معينة ليتبناها هؤلاء الأشخاص الافتراضيون، بواقع رأي بعينه لكل منهم. لكنهم (بُرْمِجَوا) على أن يغيروا هذا الرأي بعد التفاعل مع الأشخاص الافتراضيين الآخرين". فبعض منها كان يتمتع بذاكرة حديدية، GETTY IMAGES تخطى البودكاست وواصل القراءة بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه. الحلقات وتقول جونغ إن من "ينعمون بذاكرة غير محدودة يستطيعون تذكر أي حجج من أي زاوية أو وجهة نظر. أما أولئك المعرضين للنسيان فقد تم تقسيمهم لمجموعتين، بينما تشمل الثانية من ينسون الحجج الضعيفة أو القديمة". وتضيف الباحثة أن من يتمتعون "بذاكرة لا محدودة لم يسقطوا في هوة الاستقطاب السياسي وتبني مواقف جامدة متعنتة". وهكذا فإذا كنا عقلانيين ولكن "ذوي مدى ذاكرة محدود" كما تقول جونغ، فإن ذلك يسبب "ازدواجية للآراء داخل المجموعة الواحدة. فإن اتصافنا بالعقلانية الكاملة حتى لن يمنع احتمال سقوط مجتمعنا فريسة للاستقطاب السياسي، وبحسب الباحثة جونغ، يمكن أن تساعدنا هذه الدراسة على التعرف على طريقة الحديث عن المجموعات التي يسودها الاستقطاب السياسي. وبدلا من التفكير في أننا بحاجة إلى "تصحيح" طريقة تفكيره أو إعادة تعليمه وتثقيفه، فأمور مثل ضعف الذاكرة أو الضغوط أو الارتياب أو التعصب؛ إلى المساعدة على مواجهة مشكلة الاستقطابصدر الصورة، من حين لآخر، قد نعاني من الافتقار إلى الطاقة أو الإرادة اللازمة لاختبار صحة ما نُكِنه من معتقدات. من جهة أخرى، الإجابة تتمثل في أن بوسع الأقليات محدودة العدد التي تتبنى وجهات نظر صلبة وقوية في المجتمع الاضطلاع بدور كبير على نحو يثير الدهشة في هذا الخصوص، لكن هذا الدور لا يحدث على الشاكلة التي قد تتوقعها. قائلة: "الكثير من الناس لا يعتبرون أنفسهم متطرفين. وتضيف: "عندما كانت حركة حزب الشاي في الولايات المتحدة تستحوذ على تأثير أوسع، لكن هؤلاء المحافظين المعتدلين اقتربوا فكريا من أنصار هذه الحركة بطرق أخرى". جذب المحافظين المعتدلين بعيدا عن أفكار الوسط السياسيصدر الصورة، GETTY IMAGES من بين تأثيرات الخطاب الذي تعتمده وتستخدمه حركة حزب الشاي، وتقول غافني: "شكّل الديمقراطيون مجموعة خارجية (بالنسبة للمحافظين المعتدلين)، واستخدم الجمهوريون حركة حزب الشاي (بشكل لا شعوري) للابتعاد عنهم". سنجده محافظا على نحو متطرف. وإنما "حينما صوّتنا على إلغاء الصلوات في المدارس، وعن عهود الزواج التي أبرموها جميعا أمام الرب". ومع أن المحافظين المعتدلين قد لا يتفقون مع هذا الموقف، حتى لو لم تكن متفقا مع الرسالة الأصلية من الأساس". راقب كارنو أفكار ومواقف مجموعات من الطلاب كانت تتبنى آراء لا تحظى بقبول الغالبية منهم؛ إذ كانت هذه المجموعات ترفض السماح للمثليين بأداء الخدمة العسكرية. فقد أصبحوا ذوي توجهات أكثر محافظة حيال قضايا أخرى مثل الإصلاحات التي يطالب البعض بإجرائها بشأن ملف تنظيم أنشطة تصنيع وبيع وحيازة واستخدام السلاح. فإنها تضعف معتقداتك الأخرى، يمكن أن يبقى لأفكار تتبناها مجموعة ما تأثيرٌ على الكيفية التي تفكر بها، GETTY IMAGES حتى لو لم تتفق مع هذه الأفكار مؤكدا ضرورة أن يكون لدى من يحملون هذه السكاكين ويتحركون بها تفسير مقنع لذلك، مع منح استثناءات للفئات التي تحتاج للأسلحة البيضاء في عملها، فإن ذلك المقترح يشكل نموذجا جيدا لإلقاء الضوء على ما أشار إليه غافني وكارنو. فمع أن غالبية الأشخاص ربما يقولون إن وضع أداة التتبع هذه لن يوقف الجرائم التي تُستخدم فيها السكاكين، لكن ذلك لا يمنع من التساؤل عما إذا كان من الممكن أن يصبح ما قاله سكوت مان بمثابة "حصان طروادة"، القليل قويٌ وفعّال يمثل الاتساق والثبات، اللذان تتسم بهما الآراء التي تتبناها "مجموعات الأقلية" - وهي تلك التي تتبنى آراء يرفضها غالبية الناس في مجتمع ما، تكون هي الأكثر تأثيرا". فإنك ستجد للوهلة الأولى أن الطبيعة المتطرفة لما يقومون به تصدم كثيرا من ذوي التوجهات المعتدلة. لكن إذا لم تكن صاحب موقف ورأي راسخ بشدة حيال القضية (التي يحرق الرهبان أنفسهم لأجلها) فربما ستفكر بغتة في أنك ربما تكون على خطأ، ثمة أهمية لحجم المجموعة كذلك. كما أنه يمكن أن يكون للمجموعات الصغيرة رسالة واحدة واضحة، بينما تتضمن تلك الأكثر عددا من حيث المنتمين إليها، أصواتا متنوعة تعبر عن رسائل وأفكار مختلفة. يتزايد تأثير ونفوذ "مجموعات الأقلية" هذه، كلما زادت الشكوك وحالة عدم اليقين في المجتمع. وتقول غافني: "يلجأ الناس إلى قيم وأفكار راسخة وقوية لتعريف أنفسهم وهويتهم، عندما يشعرون بعدم اليقين. وحينما يكون هؤلاء غارقين في شكوك عميقة بشأن أنفسهم ودوافعهم، تصبح أنماط مغايرة من القيادة أكثر جاذبية، مثل القيادات الاستبدادية في مجتمعات ديمقراطية". عبر استخدام كلمات رنانة من قبيل "نحن نفقد هويتنا". وتقول يونغ: "إنه لأمر محزن، وتسودها أعراف وقواعد واضحة وحدود واضحة كذلك". وبحسب الباحثة فإن الناس "عندما لا يشعرون بالثقة حيال هويتهم، لذا لا يفكرون بالضرورة في ما إذا كانت تصرفاتهم جيدة أم سيئة". وتقول إن ذلك هو ما يحدث بشكل خاص مع الجماعات المهمشة، لكن يجدر بنا تذكر أنه يمكن اغتنام هذه القواعد والمبادئ نفسها، فبرأي غافني، نتيجة لجهود مجموعات كانت تشكل أقلية في المجتمع، لكنها كانت كذلك متماسكة بشدة وذات هوية واضحة. ندرك أنه نجم عن مجموعة تشكل أقلية في المجتمع. والحركات التي سعت من أجل أن تنال المرأة حق التصويت في الانتخابات، فكلها كانت حركات إيجابية بشكل لا يصدق، كانوا هم الغرباء الخارجيين الذين يعملون ضد الأعراف والقواعد المعمول بها". يمكن القول إننا نشكل جميعا جزءا من مجموعات فرعية صغيرة،