فهوم الوسطية وهذا التفسير منقولٌ عن كثير من الصحابة والتابعين. قال الطبري في تفسيره: (وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار، نجد أن «وسطية الأمة» تٌفسَّر بمعنيين: إن المتأمل في أقوال السلف وكلام أهل العلم واصطلاحاتهم يجد أن مصطلح «الوسطية» بهذا الإطار الذي هو شائعٌ اليوم لم يكن معروفاً بين السلف والعلماء، ووجه الاستدلال بالآية أنه تعالى أخبر أنه جعلهم أمة خياراً عدولاً، ولهذا نوه بهم ورفع ذكرهم و أثنى عليهم لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء، إذ هم الذين أمر الله بالاقتداء بهم واتباعهم. وقال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء115]. فتوعَّد على اتباع غير سبيلهم بعذاب جهنم، فأمر بالتمسك بسنَّة خلفائه كما أمر بالتمسك بسنته، وفي رواية وأمتي ثلاثاً وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة. وإنما المراد به الطريقة العامة للنبي صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل والدعوة، فأوصنا. فإن كل محدثة بدعة، وإما بترك بعض المشروع فيكون جفاءاً وتفريطاً، وهو الأمر الذي صلح عليه أول هذه الأمة، لأنه سلم من الانحراف، ولما ظهر الانحراف عن الوسطية والاعتدال من أهل الغلو والجفاء، وأيٌّ منها خارجٌ عن «الوسطية». ولا ضابط يضبطها، هو وصف عام للشريعة، فالوسطية سمة لكل الشريعة بكافة جوانبها: الاعتقادية منها والعملية. وما خالفها فليس من الوسطية. وعلى هذا فشعار الوسطية الحقَّة ينبغي أن يكون: وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اختارهم الله لصحبة نبيه، [رواه أبو نعيم في الحلية (6/143) واللالكائي (1/154)] والاقتصاد في أمره، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإنهم على علم وقفوا، ورغب بنفسه عنهم، وترك القول فيما لم يخض فيه السلف، ولزوم طريقتهم فيما وقفوا فيه وفيما كشفوه، مما يعني أن السلف لم يسعهم الخلاف في هذا الباب ولا الخوض فيه بغير طريق الصحابة والسلف، فهو مخطئ، ومما يؤكد هذا أنه لما خاض بعض الخلفاء العباسيين في ذلك وألزم الناس به كما حصل من الفتنة بمسألة خلق القرآن، فقد وقع فيها الخلاف بين الصحابة أنفسهم ومن بعدهم من السلف ما بين مثبت لذلك ونافي، فلا يُنكر على من اختار أحد القولين. وإذا نظرنا إلى المسائل الفقهية، قال ابن القيم في «إعلام الموقعين 3/288»: (وقولهم إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، أما الأول فإذا كان القول يخالف سنَّة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً، وأما إذا لم يكن في المسألة سنَّة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً. فلا يمكن أن توجد وسطية مع الجهل بالشرع والأدلة والآثار، لأن الشرع بكل تشريعاته قائم على الاعتدال والتوسط، وإنما تُعرف هذه الأصول بالعلم الراسخ. واجتهاد العلماء الراسخين فيما لم يرد فيه دليل. أو ببقية من علم يوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك، وإذا كانت وسطية الإسلام تعني الاعتدال والتوسط في الأمور بين الغلو والجفاء، أو الاستعجال في الثمرات ونحو ذلك من آثار قلة العلم. وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) الجاثية23. واختلال الموازين فقال في بيان علامات الساعة: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل». متفق عليه] متفق عليه] ولذلك كانت صالحة لكل زمان ومكان. ولذلك كان من قواعد الشريعة: أن المشقة تجلب التيسير. متفق عليه] [رواه أحمد وأبو داود] فإن بعض الناس قد نبذ بعض مسلمات الدين بحجة التيسير، [رواه أحمد والنسائي وغيرهما] وهكذا كلما ظهرت فرقة تغلو في جانب قابلتها أخرى تغلو في الجانب الآخر، [رواه أحمد والبيهقي] والذي يميزون به بين الحق والباطل ويعرفون أن هذه الشريعة حقٌّ من عند الله تعالى. وقال أيضاً (الرد على المنطقيين ص333): (والميزان: قال كثير من المفسرين هو العدل، غايات الوسطية في كل زمان ومكان. فأباح لهم ما يتكسبون به ويقتاتون على وجه الاعتدال والتوسط. وقال: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً) الإسراء29.