وسهلت ممارسة التجارة وشن الحروب منذ آلاف السنين وقد قادت ضرورة إعادة تصليح وترميم طريق معين - سواء أكان هذا الطريق يؤدي إلى أقرب مصدر للماء، وتسهل امكانية زيارة الجيران أو ارتياد أقرب سوق تجارية وقبل كل شيء ساهم وجود الطرق في هجرات الشعوب الكبيرة، وعلى الطرق وشرايين المواصلات الهامة هذه حدث التواصل بين الشعوب منذ 141 وما زال هذا التواصل إلى يومنا هذا ولذلك فإن تاريخ الطرق الرئيسية في حياة الإنسانية، يعتبر في الوقت نفسه تاريخا للحضارة ومن النيل والنيجر عبر السودان، من البحر المتوسط حتى أعماق أفريقيا ، كانت وما تزال عبارة عن شبكة من الطرق والمسالك. وفي أوربا تطورت حضارة منطقة الدانوب منذ عصر ما قبل التاريخ على ضفتي النهر، فكانت طيلة آلاف السنين ملتقى للتجارة والتبادل الثقافي، ويظهر تاريخ تطور طرق الملح الأوربية القديمة التي كان ينقل عليها هذا المعدن من مناجمة إلى الأسواق و «هاله «التجارية، حتى الآن من خلال أسماء المدن الواقعة عليها مثل «رايشنهال اللتين كانتا منطلق الطرق التجارية التي تساير ضفاف الأنهار، كالدانوب والاليه اللوار كما خلدت حكايا الف ليلة وليلة الطريق التجارية ذات الأهمية الفائقة بين بغداد والبصرة. كما حددت طرق الحرير القديمة رحلات ماركو بولو التي قادته من سمر قند إلى هندوكوش، فقد ذكر بطليموس أن الرحلة من العاصمة ١١٤ التجارية حوالي عام الصينية آنذاك لبان اغتشاو حتى هضبة البامير كانت تستغرق في ذلك الوقت سبعة شهر وفي أميركا تحركت قوافل المايا فوق مناطق هائلة. فقد عثر على خرائط الطريق المشهورة الممتدة من خيكالانو عبر الغابة العذراء إلى مناطق الذهب في أثناء حملته ۱۵۲۵ ١٥٣٤ هندوراس والتي اتبعها «كورتس » 142 وبالطبع لا يمكن مقارنة المسالك والطرق التي استخدمتها الشعوب البدائية، إذ كانت تلف حول العوائق الطبيعية ونتجه حسب طبيعة الأرض - نحو الممرات الجبلية، وتساير مجاري الأنهار والمناطق السالكة عبر الغابات والصحاري تدحرجت العربات المغطاة، وما تزال طرق المواصلات الحديثة والضخمة تتبع المسالك القديمة نفسها التي اتبعها السكان الأصليون. فأنهار منطقة الكونغو جعلت شعوبا بمجملها تتحول إلى التجارة، هذه الظاهرة التي تكررت في جميع أنحاء العالم يعتبر ربط هذه الطرق المائية الهامة بعضها ببعض من خلال حفر الأقنية، من أقدم واهم انجازات الإنسانية في مجال البناء والتشييد واصبحت ذكرى القيصر الصيني الذي أمر ببناء قناة القيصر الشهيرة خالدة في التاريخ ٦١٨ - ٦٠٥ يانغ تي» ( إلا أنها من جهة أخرى كانت عقبة يصعب التغلب عليها بالنسبة للرحالة أو المسافر الذي يريد بلوغ الضفة الأخرى وهكذا اخترع الإنسان الجسور حتى يتمكن من عبور الأنهار والشرايين المائية الأخرى. وقد أوجدت الشعوب البدائية منذ أقدم العصور وسائل وطرقا تتغلب بواسطتها على التيارات والوهاد وبدءا من الوسائل المساعدة البسيطة حتى الأبنية الهائلة، ونصبوا أعمدة خيزرانية فوق الوهاد يعبر بواسطتها المسافر فوق الشعاب والوديان، كما ثبتت خيال مجدولة من شعر «الجاك على جانبي العائق في أعلى قمم الشجر ليقوم المسافر الجالس كما كانت والوديان. والتي تشيدها شعوب عديدة في ميلانيزيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والهند واندونيسيا ، وهذه الجسور مثبتة من الطرفين إما على الأشجار أو في قمم الصخور وبوجود الاسوار على جانبي الجسر يمكن للراكب أو المسافر أن يقطع النهر واقفا كما أن جذوع الأشجار الممدودة عرضائيا فوق مجرى مالي تعتبر أبسط أنواع الجسور الخشبية ولكنها لا تكفي لعبور الأنهار العريضة، يوجد منها أنواع متقنة الصنع بشكل خاص في كولومبيا وميلانيزيا والكاميرون وهكذا عرف الإنسان - رغم العقبات التي أقامتها الطبيعة - كيف يتابع طريقه في الاتجاه المرغوب، وغالباً ما كان لهذه العصى أهمية خاصة كرمز على المكانة التي يتمتع بها حاملها ، وكذلك لدى الهنود الحمر في أميركا الشمالية، تحمل الامهات أطفالهن خاصة على الظهر بينما تحمل نساء الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية أطفالها غالبا في شال عريض من النسيج معلق بالكتف. أما عند الرحلات فيثبت الرضيع ضمن اطار له شكل السلم وكانت أواني الماء الكبيرة لدى شعب «انكا » مزودة باذنين في قسمها الأسفل، تمكنان من حمل هذه الأوعية على الظهر بواسطة حيال بدلا من حملها على الرأس، وبينما كان الإنسان في عصر الثقافات القديمة يحمل أعباءه وأحماله بنفسه فقد دأبت الطبقة الحاكمة في عصر الثقافات الراقية على القاء مهمة حمل ونقل الأثقال على كاهل الفنات «الدنيا . يضعون أمشاطا في دائرة شعورهم كدلالة على انهم وأسلافهم لم يحملوا في يوم من الأيام أية احمال على رؤوسهم أما أبسط أنواع الأدوات المساعدة في حمل الاشياء الصغيرة فهي شبكة الحمل التي عرفتها شعوب عديدة وبخاصة في أميركا واستعيض عنها في أفريقيا وآسيا فيما بعد بالأكياس الجلدية وتنتشر حقائب الحمل والسلال المنسوجة والمجدولة في جميع أنحاء العالم، سواء اكانت مخروطية كما في آسيا وأمريكا، وتعتبر ثقافة الحمل من أقدم أدوات الحمل على الإطلاق، ولذلك تعتبر وقد تحدث نورد تسويلد » عن معاناة الهنود الحمر الذين 145 فبواسطة عملة الحمل هذه يمكن نقل كل ما يخطر على الذهن من مواد تقيلة بدءا من الطريدة المقتولة حتى طبول الانذار وجثث الموتى وفي بعض الأحيان كان الأشخاص المميزون يتمتعون بحق تكليف أشخاص آخرين بحملهم، وخاصة الحكام وأصحاب النفوذ الذين يحرم على العامة النظر إليهم. ويعود أصل الهودج إلى تقالات الحمل تلك. إذ يوتى بكرسي أو شبكة نوم معلقة وتثبت على عارضتين خشبيتين أو أربعة، فما يزال الهودج حتى الآن وسيلة انتقال مفضلة عدد الزعماء ورؤساء القبائل وذوي النفوذ القوي من البيض. وفي الصين لم يكن قبلا احد من ذوي النفوذ يسافر دون هودج، وكان عبيد قبيلة تشيبتشاء يحملون أسيادهم كلما أرادوا الانتقال من مكان إلى آخر داخل شباك مثبتة على أعمدة خاصة بالحمل. وفي البيرو كان «الانكا » الحاكم شخصية مقدسة لدرجة أنه لم يكن يسمح لرعيته حتى بالنظر إلى وجهه. ولذلك كان يسافر دائما في هودج مقفل يحيط به المشاة الذين كانت مهمتهم ابعاد كل ما يمكن أن يشكل عائقا أمامه من طريقه. نظرة الحاكم نشأت عادة الستارة أمام العرش التي تعتبر من الطقوس التي يجب التمسك بها بشدة.