القول بأن الحد من التجريم يؤدي إلى إلغاء تجريم السلوك، يعني أن الحد من التجريم إجراء ينصب على السلوك بمعزل عن شخصية مرتكبه، وبالتالي فإن للحد من التجريم طابعا موضوعيا مجردا، وذلك على سبيل الاستثناء على نحو يؤدي إلى نزع الصفة الجرمية عن السلوك، استناد إلى معيار الضرورة والتناسب، ميزت اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم المنبثقة عن المجلس الأوربي بين نوعين للحد من التجريم الأول قانوني والآخر فعلي. فأما الحد من التجريم القانوني فهو الذي يتم بناء على التشريع، بحيث يتم الإعلان عن إلغاء تجريم السلوك، وهذا النوع من التجريم يمكن أن يتخذ أشكالا متعددة حسب ما أوردته اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم ضمن تقريرها: 3 الذي تصدره النيابة العامة إعمالا لسلطتها في الملاءمة، وقد يُعمل بهذا الأسلوب في جرائم الأعمال الشكلية، والنزول بها إلى حدها الأدنى المقرر -4 وأخيرا وحسب ما ذهبت إليه اللجنة الأوربية فإنه يمكن أن يتم إلغاء النصوص الجزائية بواسطة المحاكم أو المجالس الدستورية للدولة، فإنه لا يمكن لهذه المحاكم إلغاء التجريم، ويرفض بعض الفقه هذا التقسيم الذي أخذت به اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم، إذ إن ما تعتبره اللجنة حدا فعليا للتجريم لا يدخل أصلا ضمن مفهوم الحد من التجريم، إضافة إلى أن ما أوردته من أساليب هذا النوع لا تضفي إلى إباحة السلوك جزائيا، أما الصورة الثانية المتعلقة بتقليص نطاق التجريم، فتتم عن طريق تعديل الأركان المكونة للجريمة المادية منها أو المعنوية، ويميز اتجاه آخر بين نوعين للحد من التجريم أحدهما مطلق والثاني نسبي، بحيث يتم الاعتراف القانوني التام بمشروعية السلوك الذي كان مجرما. وهذا النوع يفترض أن السلوك محل الحد من التجريم كان يشكل اعتداء على مصلحة واحدة تختص بحمايتها القاعدة الجزائية فقط، وبالتالي فإن إلغاء تجريمه يجعله مشروعا بالنسبة لباقي الفروع القانونية. لتحقيق التوازن بين المصالح المحمية قانونا على ضوء مبادئ الضرورة والتناسب وتعويضها بالمادة 29 من ق. أو في التشريع المتعلق برؤوس الأموال التجارية للدولة، عندما ترتب الجريمة إضرارا بالمؤسسات العمومية الاقتصادية، التي تملك الدولة كل رأسمالها أو الشركات ذات الرأسمال المختلط 16 فقد كانت الصياغة السابقة لها تسوي بين جميع أنواع مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية التي يمكن للموظف ارتكابها، فأصبحت الصياغة الجديدة تقصر التجريم على المخالفة العمدية فقط. ولعل ذلك راجع إلى عدم رسوخ هذه السياسة بذهن المشرع، فسياسة الحد من التجريم رغم ما تقدمه من مزايا فإن لها ويبين ذلك من خلال تقدير هذه السياسة بالمطلب الموالي. اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم، قد يشكل إغراء وحافزا لأفراد باقي الدول التي لم تسلك نفس النهج للهجرة والنزوح إلى تلك الدولة، وإن أدى إلى الاعتراف القانوني بإباحة السلوك فإنه لا يؤدي في كل الأحوال إلى الاعتراف بمشروعيته اجتماعيا ، وما زاد من قلق أعضاء اللجنة تفاقم ظاهرة الدفاع الذاتي، من الإجراءات التي تستأثر بها الدولة نظرا لكونها تمس بالحريات الفردية 34 35 37 خاصة بالدول الأوربية.