محطات من حياة الإمام ابن باديس هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحول بن الحاج علي النوري بن محمد بن محمد بن عبد الرحمان بن بركات بن عبد الرحمان بن باديس الصنهاجي. والده محمد بن مصطفى بن باديس (متوفى (1951م) الذي شغل منصب مندوبا ماليا وعضوا في المجلس الأعلى وباش آغا شرفيا، ومستشارا بلديا بمدينة قسنطينة وقد احتل مكانة مرموقة بين جماعة الأشراف وكان من ذوي الفضل والخلق الحميد، ويعود إليه الفضل في إنقاذ سكان منطقة مواد الزناتي من الإبادة الجماعية سنة (1945م) على إثر حوادث 8 مايو المشهورة، أما من قبلهم من الأسلاف الذين تنتمي إليهم الأسرة الباديسية فكان منهم العلماء والأمراء والسلاطين ويكفي أن نشير إلى أنهم ينتمون إلى أسرة عريقة في النسب ومن رجالات هذه الأسرة المشهورين في التاريخ الذين كان الشيخ عبد الحميد يفتخر بهم كثيرا المعز لدين الله بن باديس حكم : 1016 - 1062م) الذي أبعد النفوذ العبيدي (الفاطمي) عن المغرب، هي: السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلول من أسرة مشهور بقسنطينة لمدة أربعة قرون على الأقل، ثانيا: الحالة الثقافية والفكرية والدينية أثناء الاحتلال: تجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية الإسلامية، بإعطائه تعليما هزيلاً يجعله أسهل انقياداً لسياسته. - إيجاد قلة متعلمة للاستفادة منها في بعض الوظائف التي تخدم الاحتلال. 1- عودة الطلبة الذين درسوا في الخارج وهم الطلبة الذين درسوا في جامع الزيتونة، ساهم هؤلاء المثقفون بعد عودتهم إلى الوطن بجهود عظيمة في النهوض بالحياة الفكرية والدينية، ونقوا الأفكار من رواسب البدع والخرافات التي علقت بها، وأحيوا الشعلة التي أحمدها الاستعمار في نفوس الأمة. - الشيخ عبد القادر المجاري (1848-1913م) - الشيخ عبد الحليم بن سماية (1866-1933م): وقد كان لمجلة العروة الوثقى ومجلة المنارة تأثيرا كبيرا على المثقفين من أهل الجزائر الذين اعتبروا دروس العقيدة التي كانت تنشرها «المنار» للشيخ محمد عبده، -3 ظهور الصحافة العربية الوطنية في الجزائر تولي شارل جونار الولاية العامة في الجزائر يذكر أن هذا الأخير شجع إحياء فن العمارة الإسلامية، كما أمر بنشر كتابين هامين أحدهما كتاب تعريف الخلف برجال السلف الذي مستقه الشيخ أبو القاسم الحفناوي وطبعه سنة (1907م)، لا ينقصه شيء من متاع الحياة الدنياء وكان أبوه حريصا على أن يربيه تربية إسلامية خاصة؛ بل أرسل به للكتاب القرآني ككل الأطفال بالطريقة المألوفة المعروفة وهو في الخامسة من عمره، ونشأ منذ صباه في رحاب القرآن فشب على حبه والتخلق بأخلاقه، قدمه ليصلي بالناس التراويح في رمضان بالجامع الكبير وعمره إحدى عشر سنة ليتعود على تحمل المسئولية، تلقى مبادئ العلوم العربية والإسلامية بجامع سيدي محمد النجار على مشايخ من أشهرهم العالم الجليل الشيخ أحمد أبو حمدان الونيسي ابتداء من عام (1903م) الذي حبب إليه العلم، تزوج الشيخ عبد الحميد بن باديس في سن مبكرة وهو لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بإحدى قريباته ابنة عمه اليامنة بنت ابن باديس توفي في حادث مفاجئ ببندقية صيد في ضيعة جده وذلك في 19 من رمضان عام (1337هـ - 1919م) . وهناك بالمدينة الكبيرة كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يقدم دروسه لتلامذته داخل المسجد عندما تقدم منه أحد أصدقائه وأسر له الخبر المحزن، وبعد ثلاث سنوات من الجد والاجتهاد تحصل على شهادة التطويع إكما كانت تدعى حين ذاك عام (1911م) وقد نجح في امتحان التخرج نجاحا باهرا، والعلامة الخضر بن الحسين الطولقي الجزائري التونسي الذي تلقى عليه المنطق وقرأ عليه كتاب التهذيب فيه، والشيخ محمد الصادق النيفر قاضي الجماعة الذي أخذ على يده الفقه، المؤرخين والمصلحين التونسيين في القرن العشرين، جوانب شخصية ابن باديس. فاستقبله أبوه في محطة القطار كما يستقبل العلماء والأعيان كان مغتبطا أشد الاغتباط بنجاحه وبعودته، فأطلقتها الأم زغرودة عالية دوت أستازها في أرجاء البيت الفسيح، وفرحة أمه والزغرودة التي عبرت بها عن هذه الفرحة والتي كانت تعبيرا صادقا عن فرحة العائلة، بعد ذلك بدأ «عبد الحميد نشاطه بالتقرع للتعليم المسجدي في الجامع الكبير بقسنطينة، حلقات دراسية مثل التي شهدها في تونس وإلقاء دروس لبعض الطلبة من كتاب الشفاء» للقاضي عياض، تأثر الفتى عبد الحميد لمعاملة مفتي المدينة وحامي حمى الإسلام فيها، رحلته إلى الحجاز وبعض العواصم العربية وألقى بحضورهم درسا في الحرم النبوي الشريف، فأعجبوا به إعجابا شديدا مما لفت الأنظار إليه. بل نصحه بضرورة العودة إلى وطنه لخدمة بلاده ومحاولة إنقاذها مما هي فيه بما توسم فيه من حزم وعزم وصلاح فاقتنع الشاب عبد الحميد بوجهة نظر هذا الشيخ، وقد حرص «عبد الحميدة في هذه الرحلة على الاتصال بالمفكرين والعلماء للتحاور معهم والاطلاع على أقام معه مدة تعارفا فيها وتحاورا معا في شأن الخطة الإصلاحية التي يجب أن تضبط لعلاج الأوضاع المتردية في الجزائر، ولم يكن أي منهما يدري أن هذا اللقاء الذي تم خارج الوطن ستكون له ثمار طيبة وسيصبح هذا العالم الشاب المهاجر إلى المدينة رفيق دربه في الكفاح والنضال بعد الرجوع إلى الوطن في العشرينات. وفي طريق عودته من الحجاز عرج على الشام (دمشق وبيروت وزار المسجد الأقصى، وتوقف بمصر ولقي في الإسكندرية كبير علماتها الشيخ أبا الفضل الجيزاوي» الذي أصبح من بعد شيخا للأزهر،