قول الله سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١﴾ [الإسراء:1]. أي: تنزه الله في قولـه عن كل قول، أي: الذي أكرم رسوله بالمسير والانتقال ليلا. 3] «بعبده» أي: بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى، وفي هذا ملحظ هام هو أن الرسول ﷺ حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه، «ليلا» وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل ولم يستغـرق الليل كله، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله ﷺ، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها، وأما قوله تعالى: «من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى» فتفسيره: أن انتقال الرسول في رحلته الأرضية كان بين مسجدين، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، وقد كان القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأتيهم الأمر بالتحول شطر المسجد الحرام الذي هو قبلتهم منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمـان. والمسجد الأقصى من أفضل مساجد الأرض جميعا، والصلاة فيه تعدل خمسمـائة صلاة في غيره من المساجد. «لنريه من آياتنا» أي: بعض الآيات الدالة على قدرة الله وعظمته، انقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاث، فمنهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح، وهذا ما ذهب عليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة. أما الإسراء فقد نص عليه القرآن في سورة الإسراء، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسد النبي محمد يقظة ليلة الإسراء وعرج به إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثير من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد ﷺ إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله ﷺ، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل، ولا معنى لقول من قال: أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، إذ لم يكن منكراً عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل. وبعد فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده، وليس جائزاً لأحد أن يتعدى ما قاله الله إلى غيره. والأخبار المتتابعة عن رسول الله ﷺ أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد. قيل أن الحكمة في المعراج أن الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد ﷺ السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج، وسئل أبو العباس الدينوري: لم أسري بالنبي ﷺ إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال: لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها وعلموا أن النبي ﷺ لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدقوا أخبار الأرض.