في مداواة النفوس وإصلاح الأخلاق الذميمة )لذة العاقل بتمييزه ، ولذة العالم بعامه ، ولذة الحكيم بحكمته ،وبرهان ذلك . أن الحكيم والعاقل والعالم والعامل ، واجدون لسائر اللذات التي سمينا كما يجدها المنهمك فيها . ويحسونها كما يحسها المقبل عليها . وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما .لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر .إذا تعقبت (1) الأمور كلها فسدت عليك وانتهت في أ أخذفكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا - إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة قط، لأن كل أمل ظهرت (۱) به فعقباه حزن. إما بذها به عنك وإما بذهابك عنه ؛ ولا بد من أحد هذين السبيلين ، إلا العمل الله عز وجل ، فعقباه على كل حال رور في عاجل وآجل .أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس ، وأنك معظم من الصديق والعدو . إلا واحداً . فلما تديرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في إستحسانه فقط ، ولا في طلبه فقط .ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم ومراداتهم ، لا يتحركون حركة حرا أصلا ، إلا فيما يرجون به طرد الهم . . ولا ينطقون بكلمة أصلا، ومن مصيب ، وهو الأقل .فطرد الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها من خلق الله تعالى العالم ، إلى أن يتناهى عالم الابتداء ، على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئاً سواه .وكل غرض غيره ، ففي الناس من لا يستحسنه إذ في الناس من لادين له فلا يعمل للآخرة ، ومن الناس من يؤثر المحمول بهواه وإرادته على بعد الصيت ، ويؤثر عدمه على وجوده .وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه ، ويستنقص طالبها ، وهذه هي أغراض الناس ،4 وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم ، ولا يريد إلا طرحه عن نفسه .فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفيع ، وانكشف لي هذا السر العجيب ، والصالح والطالح ، على السعى له . فلم أجد إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة .وإلا فإنما طلب المال طلابه ، ليطردوا به هم الفقر عنأنفسهم .من طلبه ليطرد به عن نفسههم الاستعلاء عليها . وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها عن نفسه هم قوتها (1) ، وإنما طلب العلم من طلبه ؛ وكنز من كنز ، وركب من ركب ، ومشى من مشى ، لا بد لها من عوارض تعرض في خلالها ، وتعذر ما يتعدر منها ، وأيضاً سوشح (1) بالحصول على ما حصل عليه من ذلك ، أو طعن حاسد ، واختلاس راغب أو اقتناء عدو ، مع الذم والإثم وغير ذلك .من ووجدت العمل للآخرة سالما من كل عيب ، موصلا إلى طرد الهم على الحقيقة . ووجدت العامل الاخرة إن امتحين بمكروه في تلك السبيل ، لم يهتم بل يسر .اذ رجاؤه في عاقبة ما ينال ، وزايد في العرض الذي يقصد . ووجدته إن عاقه عما هر بسبيله عائق . لم يهتم ، إذ ليس مؤاخذاً بذلك ، فهو غير مؤثر في ما يطلبورأيته : إن قصد بالأذى سُر ، وإن نكبته نكبة سر . وإن تعب فيما سلك فيه سر . وليس إليه إلا طريق واحد ، وهو العمل الله تعالى . فما عدا هذا فضلال وسخف. وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل . وفي حماية الحريم . وفي دفع هوان ، وفي نصر مظلوم .و بادل نفسه في غرض دنيا ، كبائع الياقوت بالحصا .