الأسباب التي تعود إلى العاقدين أو أحدهما قد يتعرض العقد للانحلال بسبب يعود إلى العاقدين أو أحدهما، كأن يحصل عارض لأحد العاقدين من سفه أو جنون أو فلس أو موت أو ردّة، أو يتصرف العاقدان فيما بينهما، كاختلاف بينهما أو عزل أو مقاصة، حصول عارض لأحد العاقدين إذا وجدت مع انتفاء الموانع انعقد العقد صحيحاً، إلا أن هذا العقد المنعقد قد يطرأ عليه عارض يسبب انحلاله من جهة العاقد، ومن خلال كلمة (عارض) يتبين أن ما أصابه حدث بعد أن لم يكن موجوداً ؛ لا سيما وقد ذُكر أن العقد منعقد . وبعد أن وجد هذا العارض سبّب انحلال العقد عند من يرى ذلك كما سيأتي إن شاء الله مفصلاً في أثناء المباحث الداخلة تحت هذا الفصل. فالشأن في العاقد أن يكون مكلفاً رشيداً، إلا أنه قد يفقد جزءاً من قوة إدراكه، فإذا أصبح كذلك فإن عقوده قد تتعرض للانحلال، فالموت طارء على العاقد بعد أن عقد العقد ؛ وقد يفقد العاقد - إن كان مسلما . فهل فعله هذا يسوغ انحلال العقود التي عقدها وما زالت على انعقادها ؟. لكي أجيب على هذا أتكلم عن الردة في مبحث خاص. يمكن أن يُكوّن كل واحد منها سبباً لانحلال العقد، فنظمتها على شكل مباحث لهذا الفصل الذي هو بعنوان: (حصول عارض لأحد العاقدين). الشأن في الإنسان أن يتصرف بما يوافق العقل السليم، ولا شك أنه إذا فعل ذلك كان موافقاً لقواعد الشرع الحكيم ؛ إذ أن العقل السليم لا يخالف الشرع الحكيم. وحينئذ بسمى سفيهاً . المطلب الأول انحلال العقد بالسفه(١): ثم إن هذا العاقد قد يطرأ عليه السفه بعد رشده، وفي هذا المطلب أبيُن مدى انحلال عقوده بالسفه. اختلف العلماء في انحلال العقد بالحجر على السفيه سفهاً طارئا، القول الأول: انحلال عقود السفيه بالحجر عليه لسفهه، وهذا قول أبي يوسف(٢) ومحمد بن الحسن(٣) من الحنفية، وهو: قول المالكية والشافعية والحنابلة(١). ١- قوله تعالى: (. وجه الاستدلال: وأنه مولى عليه، ولا يكون ذلك إلا بعد الحجر عليه، أو طرأ عليه السفه بعد رشده، وإذا حجر عليه انحلّ عقده(٣). وقد اعترض على الاستدلال بالاية من وجهين: والمجنون معدوم العقل، والخفيف هو السفيه لغة(٤). وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن المراد بالسفيه يحتمل أنه هو الكبير ؛ ومن لا بستطيع أن يمل، فيحمل السفيه على ضعيف الرأي ناقص العقل من البالغين، الوجه الثاني: أن الذي عليه الحق إنما لزمه الحق بمداينته، فما دام أن مداينته نفذت، أو لقلة ممارسته الإملاء(٢). بدليلين: لأنه كيف يقبل قول المدعي ؟ (، وإنما يقال صاحب الحق(٤). أن الله نهى عن إيتاء السفهاء أموالهم، وأن على الأولياء أن بمسكوها لأجل هؤلاء السفهاء إلى أن يزول عنهم السفه). وهذا يعني الحجر عليه، وإذا حجر عليه انحل عقده(٢). واعترض على هذا الاستدلال من وجهين: الوجه الأول: أن السفه لفظ مشترك ينطوي تحته معان مختلفة، وهذا لا يستحق به الحجر، وقد يكون من يتصف بهذه الصفة صلحاً لماله، سقط به الاستدلال(٣). فتسقط الاحتمالات الأخرى، الوجه الثاني: أن الخطاب في قوله تعالى: (أَمَوَالَكُمْ) للأولياء، ولا نسلمه إليهم. وإنما أضاف اللّه سبحانه - الأموال إلى الأولياء لأنهم ملكوا التصرف فيها ؛ وأما قولهم: إن المراد بالسفهاءالصغار والمجانين، فدل على تغايرهما، ويحمل السفيه على ضعيف الرأي ناقص العقل من البالغين. وجه الاستدلال: البلوغ والرشد ؛ لم يجز دفع الأموال إليهم، فلو فقد الرشد لم يجز دفع الأموال إليهم ؛ وهذا يعني الحجر عليه، وإذا حجر عليه انحل عقده (٤). ومانع من الحجر عليه(٥). ثانيا : من السنة: ١- (أن رجلاً(١) على عهد رسول اللّٰه للفِ كان يبتاع وفي عقدته() فقالوا يا نبي الله: احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع، وجه الاستدلال: وهذا هو الحجر، وإذا حجر على السفيه انحل عقده. واعترض على هذا الاستدلال: بأن الرسول وَلِيهِ لم يحجر على الرجل، وإنما قال له: قل لا خلابة، ولو كان الحجر مشروعاً لما كان قول الرجل: إني لا أصبر على البيع مزيلاً للحجر عنه ؛ لأن من ستحق الحجر عليه لم يرفع عنه لعدم صبره على البيع(١). وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن الحديث يدل على صحة الحجر على السفيه الذي طرأ عليه السفه ؛ لأنكر عليهم، وأما تركه صلى اللّه عليه وسلم الحجر عليه: فهذا خاص بهذا الرجل ؛ بدليل أن الرجل عاش إلى زمن عثمان(٢)، فكان يبايع الناس ثم يخاصمهم، فيمر بهم بعض الصحابة فيقول لمن يخاصمه: ويحك إن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثاً). فقال الزبير: أنا شريكك في البيع، وأتى علي عثمان فذكر ذلك له، فقال عثمان رضي اللّٰه عنه : كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير !). ولما أقرّه عثمان، ولاحتج الزبير بأن الحجر غير مشروع(١)، وإذا ثبت مشروعية الحجر على السفيه انحل عقده. واعترض على هذا الاستدلال: بأن طلب علي الحجر على عبد الله بن جعفر، بدليل أن عثمان لم يحقق طلب علي (٢) لبيّن لعلي أن الحجر غير مشروع، يافَتَهُ . حُدِّثت: أن عبدالله بن الزبير (٤) قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة :((والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها» وجه الاستدلال: مشروعية الحجر، وإذا ثبت مشروعية الحجر على السفيه انحل عقده. واعترض على هذا الاستدلال: بأن عائشة لا ترى جواز الحجر بدليل إنكارها، ولو كان الحجر مشروعاً لما استجازت لنفسها الحلف على ألا تكلم ابن الزبير (٢). ١ من طرأ عليه السفه سفيه، فيحجر عليه كما لو بلغ سفيها ؛ فإن العلة التي اقتضت الحجر عليه إذا بلغ سفيها سفهه وهو موجود، وإذا حجر عليه انحلّ عقده(٣). فإذا حدث أوجب انتزاعه كالجنون، وإذا حجر عليه انحل عقده(٤). ٣ القياس على الصبي بطريق الأولى ؛ وهذا قد تحقق منه التبذير، ٤ النظر له واجب، فيحجر عليه نظراً له، وإذا حجر عليه انحل عقده(٢). لكان رفع التكليف أنظر له، فحيث كلفه الشارع علمنا أنه لم ينظر له(٣). القول الثاني: عدم انحلال عقود السفيه بالحجر عليه لسفهه ؛ أولا من القرآن الكريم: قول الله تعالى: (. وجه الاستدلال: فلا يبقى له عليه ولاية، والتنصيص على زوال ولايته عنه بعد الكبر، وإنما تنعدم الحاجة إذا صار هو مطلق التصرف بنفسه(٢)، وإذا لم بحجر عليه لم ينحل عقده. ثانيا : من السنة: وجه الاستدلال: بل أباح له البيع وأرشده أن يقول: لا خلابة، وفي إباحة الرسول وَلِاليِ له البيع دليل على أنه لا يحجر على من سفه بعد رشده، وإذا لم يحجر عليه لم ينحل عقده. تكليفهما (٢). وإهداراً لآدميته، ولا يتحمل الضرر الأعلى لدفع الأدنى(٤). الترجيح: وكذلك من خلال ما سبق من المناقشات، يتبين أن الراجح - والله أعلم - هو: القول الأول، وذلك لما يلى: وحديث عائشة. 3. ضعف أدلة القول الثاني، 4. حفظ المال متعين، والحجر على من طرأ عليه السفه لحفظ
ماله.