تطبيق شعار الإصلاح الحياة الاقتصادية ) كان شعار الدعوة إلى الإصلاح أحد الشعارات التي رفعتها الدعوة العباسية لاستقطاب الأنصار، وكان لزاما علي الخلفاء العباسيين الأوائل أن يؤكدوا فاعلية هذا الشعار وأن يقدموا برنامجا إصلاحيا لتحسين أحوال الرعية . الزراعة: ولعل هذا الأمر قد بدأ مبكرا خلال تفجر الثورة العباسية في خراسان، ولم يستطيع الخليفة السفاح الاستمرار فيما قام به ابن برمك بسبب انشغاله بالقضاء على أعداء الدولة خلال الفترة القصيرة التي ظل فيها في الخلافة 132-136هـ/ 749-753م. أما الخليفة المنصور فعلي الرغم من انشغاله بالمشاكل الداخلية والخارجية فقد اهتم بالنواحي الاقتصادية غاية الاهتمام من خلال برنامج إصلاحي تمثل في الشده والحزم في مراقبة عمال الخراج والسيطرة عليهم وعزلهم إذا كان هناك شبهه أو انحراف، كذلك إتاحة الفرصة للمتظلمين في رفع شكواهم، ومنع تحويل الأراضي الخراجية إلى أراضي عشرية حتى يحافظ على موارد الدولة. يضاف إلى ذلك أنه عمل على تنظيم ديوان الخراج حتى أصبح من أهم دواوين الدولة والاحتفاظ بسجلات الخراج فيه بعد أن خصص مكانا لهذا الديوان في بغداد ليكون خاضعا لإشرافه واختيار الموظفين الذين يتسمون بالنزاهة وطهارة اليد وملمين بقواعد الخراج كما استحدث كيلا جديدا لجباية الخراج عرف بالقفيز الهاشمي . لكن الإصلاح الجذري لم يتم إلا في عهد الخليفة المهدي عندما قرر العدول عن نظام المساحة إلى نظام المقاسمة، ونظام المساحة الذي كان معمولا به من الفتوحات، كان يقضي بدافع الخراج المقرر على الأرض من قبل الدولة كل عام بغض النظر عن إنتاج الأرض وأسلوب الري والزراعة، أما نظام المقاسمة الذي عمم في البلاد الإسلامية وقتذاك أصبحت الدولة بمقتضاه تقاسم المزارعين وفق نسبة معينة دون النظر إلى مساحة الأرض وكانت على النحو التالي : ا- نصف المحصول على الأراضي التي تسقى سيحا. - ثلث المحصول على الأراضي التي تسقي بالدوالي لشدة ارتفاعها. ربع المحصول على الأراضي التي تسقى بالسواقي، وفي بعض المناطق كانت الدولة تحصل على خمس المحصول تقديرا لظروف الأرض . أما النخيل والأشجار فظلت على نظام المساحة، لكن خراجها عدل بحسب قربها أو بعدها من الأسواق . ولما كان نظام المقاسمة قد وضع المراعاة ظروف الأرض وأسلوب السقيا والزراعة فقد أسفر عن نتائج باهرة منها توحيد النظام وضمان دخل ثابت للدولة، كما استفاد الزراع وتجنبوا الأزمات التي كانت تحدث عندما ينخفض المحصول فضلا عن زيادة الإنتاج وارتفاع مستوي الدخل والحيلولة بين الفلاحين وجور عمال الخراج الذين قد أمرهم المهدي بالكف عن إلحاق الأذى بالناس أثناء الجباية، كما نهى عن تحصيل المتأخرات، فقام خالد البرمكي بتقسيط الخراج في فارس وأعفي الناس من خراج الأشجار . وعندما آلت الخلافة الرشيد، سار على نفس المنهاج في تخفيف الأعباء عن الرعية من خلال سياسة إصلاحية رصينة، فألغى ضريبة العشر التي كانت تجبي من أهل العراق بالإضافة إلى النسبة المقررة في نظام المقاسمة، وبلغ حرص الرشيد في تنفيذ هذه الإصلاحات بأنه كلف القاضي أبا يوسف بوضع حلول لمشكلات الخراج، فأخذت تغييرا في نسبة المقاسمة وخفضت على النحو التالي : ١ ٥/٢ على الأراضي التي تسقى سيحا. ١٠/١٢ على الأراضي التي تروى بالدوالي . ٣/١٣ على النخل والكروم حيث عدلت إلى نظام المقاسمة في عهده ٤/١٤ على على الصيف لأنها كانت تسقى بالدوالي واستمر البرامكة في عهد الرشيد يقومون باتباع نفس السياسة الإصلاحية تجاه الرعية فعملوا على إلغاء المتأخرات على المزارعين، التي عرفت بالبقايا كما خفض خراج ثغر قزوین نظرا لقيامه بالدفاع عن الدولة الإسلامية، وتعدى دور الدولة إلى القيام بنفقات الأنهار التي تروي أراضي الرعية دافعي الخراج، كما أن الدولة أشرفت علي الماء، فكان من واجباتها أن تقوم بصيانة السدود وبتر البثوق وتخصص مجموعة من المهندسين تشرف عليها، كذلك حفر الترع والمصارف وإقامة الجسور والقناطر، فعمل أبو جعفر على تنظيم الري في العراق بشق الترع والقنوات كما أنفق الخليفة المهدي أموالا طائلة لإنشاء الطريق بين بلاد العراق وبلاد العرب، فحفر نهر الصلة قرب البصرة أما الرشيد فحفر عدة أنها بالعراق وأنفق ملايين الدراهم على هذه المشروعات . ومع اضطراب أحوال الخلافة في عصر المأمون بسبب الصراع بينه وبين الأمين فقد اهتم الأمانة بسياسة الإصلاح الزراعي، وأمر المأمون بتخفيض خراج الري وخراسان ومحاسبة عمال الخراج محاسبة دقيقة واستمرت هذه السياسة في عهد الخليفة المعتصم، رغم كثرة نفقاته علي الحروب وإغداقه الأموال فعاون أهل الشاش في حفر أحد الأنهار الهامه بها ولم يخرج عن هذه المبادئ السمحة الخليفة الواثق أيضا . وكل هذه الإصلاحات السابقة قد أتاحت نهضة زراعية تقوم على أكتاف فلاح حر وأسقطت القيود الاقتصادية، وأباحت الهجرة لمن شاء من الموالي واستغلال الخبرات وجلبت محاصيل جديدة كنا ذاد الإنتاج في أسواق العراق وإيران مع رخص الأسعار فكان الرجل من عامة الناس في تلك الفترة يكفيه هو وعائلته ثلاثمائة درهم في السنة كما كان الكبش يباع بدرهم والحمل بأربعة دوائق والزيت ستة عشر رطلا بدرهم والسمن ثمانية أرطال بدرهم وينادي على لحم البقر تسعين رطلا بدرهم ولحم الغنم ستين رطل بدرهم . ويؤكد هذا أن شعار الدعوة إلى وليس أول علي ذلك ن أن كثير من الأراضي آلت ملكيتها إلى أصحابها الحقيقين حيث قاموا بزراعتها مقابل دفع الخراج، ومع ذلك فيذكر المؤرخين إلى انتقال الضياع الأموية إلى البيت العباسي برجاله وجهازه الإداري . الصناعة : ولم يقتصر دور الدولة العباسية على إصلاح أحوال المزارعين بل تعداه إلى القطاع الصناعي أيضا بعمالة، فأسقطت الخلافة العباسية كل القيود التي وضعها الأمويون فأباحت الخلافة العباسية الهجرة من الريف إلى المدن فهاجر كثير من الصناع والحرفيين، كما أسقطت الحواجز بين العرب والموالي، وساعد كل ذلك علي امتزاج العرب بأهل البلاد المفتوحة، فتتلمذ الصناع العرب علي أرباب الصناعات المختلفة، كما تأثرت الصناعات بارتفاع مستوى الدخل للمزارعين والعمال. وبرز دور الدولة في الإصلاح في القطاع الصناعي بأنها توسعت في استخراج الثروة المعدنية التي حفل بها العالم الإسلامي وتحملت أعباء نقلها إلى مراكز الصناعة مما ساعد علي انطلاق الصناعة في العصر العباسي الأول فقامت باستخراج الذهب من مصر، في المنطقة الواقعة بين أسوان وعيذاب، وخاصة مدينة العلاقي، كما قامت بتأمين استخراجه شن حملات لتأديب البجة ثم يتم نقله عن طريق النيل شمالا أو من عيذاب عبر البحر الأحمر كما استخراج الذهب من غرب أفريقية عند الطرف الجنوبي للصحراء الكبرى ونقل عن طريق تونس إلى مواطن التصنيع أما الفضة فكانت تستخرج بتطهير وأصبهان وفرغانة، والنحاس من أصبهان وبخاري والحديد من فارس وكرمان وكابل والمغرب وصقلية، أما الخشب فكان يجلب من مدينة البندقية ومن صعيد مصر. ومن العوامل التي ساعدت أيضا على نهضة الصناعة التسويق الذي كان يتم بسهولة ويسر بسبب السبل الآمنة والأمن المستتب في أرجاء الدولة العباسية، كما حرص العباسيون على القضاء علي الثورات، وازدهرت كثير من الصناعات، واختص كل إقليم بصناعة معينة، خاصة المصنوع من الكتان كما اختصت مدينة كازورن بفارس بصناعة الكتان حتي أطلق عليها دمياط الأعاجم، وازدهرت صناعة الروائح العطرية في نيسابور والبصرة بصناعة الصابون والزجاج. أما بغداد فكثر فيها الدور الخاصة وبدأت صناعته أولا في إقليم ما وراء النهر، حينما أنشأ المعتصم مصانع الورق في كثير من المدن. فانه لم يقم على الاستفادة الكاملة من الموارد الطبيعية، فبقدر الاعتماد على استيراد مواد مصنعة وكان الاعتماد على الموارد الطبيعية مكرسا للمواد الكمالية كالذهب والفضة والأحجار الكريمة أو الصناعات التحويلية التي تتعلق بالجانب الاستهلاكي اليومي بسبب تأثير الصناعات بارتفاع مستوي الدخل للمزارعين والعمال والإقبال علي صناعة المترفين من النسيج الرفيع والخزف والأثاث والمجوهرات أي أن النشاط الصناعي كان موجها لخدمة للطبقات الأرستقراطية وكذلك الفئات التي أثرت بسبب الإصلاح الاقتصادي التجارة وعلى الصعيد الداخلي استطاعت الخلافة أن تؤكد سلطانها في كل مكان ترابط الجند في الأمصار والثغور وانتشرت القواعد البحرية في البحرين الأحمر والمتوسط والمحيط الهندي، كما وجدت النظم المالية بإصدار عملة موثوق بعيارها نالت التقدير في الأسواق في الداخل والخارج. وكان للسياسة الخارجية أثر هام على توجيه النشاط التجاري في العصر العباسي الأول فعلي الجهة البيزنطية، فمن المعلوم أن الأمويين قد أضافوا شوكتهم خاصة وأنهم تطلعوا للاستيلاء على عاصمتهم نفسها وكان جل اهتمام الأمويين تحقيق هذا الأمر، ولما منيت الجيوش الأموية بالهزيمة توقفت هذه الحملات، ولان الخلافة كانت مشغولة أيضا بمشاكلها الداخلية فضلا من الاتجاه الشرقي للخلافة آنذاك، كل ذلك وغيره جعل الموقف العباسي تجاه البيزنطيين موقفا دفاعيا، تمثل في إيجاد دولة الأغالبة في افرقيه لتقوم بالدفاع عن غربي البحر المتوسط ووسطه، كذلك انتشار المناطق الأثرية على طول الحدود العباسية البيزنطية وكان هذا الشريط الثغرى عباره عطني أربطة أو قلاع حصينة يقيم فيها المرابطون من المقاتلة والنساك بشكل دائم، أولئك الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن دولة الإسلام لذا كانت هناك حروب مستمرة على منطقة الحدود بين البيزنطيين والمسلمين، ومع بداية الخلافة العباسية، أثبت العباسيون قدرتهم الدفاعية في الجبهة البيزنطية ففي عام 137هـ/754م أغار البيزنطيون على أعالي بلاد الشام، واستولوا علي ملطية وخربوا حصونها، لكن الخليفة المنصور استطاع أن يستردها في العام التالي وتبودلت الأسرى بين الجانبين، ويبدو أن الضغط قد ازداد على الجبهة البيزنطية بعد ذلك، حتى اضطر الإمبراطور البيزنطي في عام 771/155م إلى طلب الصلح على أن يؤدي الجزية للخلافة سنويا كما عمل المهدي على تحصين الثغور مستعينا بأبنه هارون الذي استطاع أن يتوغل داخل بلادهم 165هـ/ 781م، لكن ما لبثت أن تغيرت الأمور لصالح البيزنطيين، فوجدنا حرص شديد أثناء توليه الخلافة عام 181هـ/797م على المسير إلى آسيا الصغرى حتى يحقق الهدوء والأمن على الحدود البيزنطية، مما جعله يرغم ايرين أرملة الإمبراطور ليو الرابع والوصية على ابنها الصغير قسطنطين السادس على أن تدفع جزية سنوية مقدراها تسعين الف دينار سنويا وان يغتنم الأسواق والأدلاء في الطريق عند عودة المسلمين إلى بلادهم وان تسلم أسرى المسلمين . وفي عهد المأمون عاد الصراع مره ثانيه وتبودلت الإغارات، حتى قاد المأمون حملة بنفسه عام 218هـ/833م توجه بها إلى عمورية لكن وفاته المفاجأة أخرت هذه الحملة إلى عهد المعتصم، الذي ازداد الصراع في عصره أثناء انشغال المعتصم بثورة بابك الخرعى فأغار البيزنطيون علي مدينة زبطرة وأحرقها فثار المعتصم وسار حتى وصل إلى عمورية وضرب حولها الحصار وتغنى الشعراء بهذا الانتصار، ومع الواثق تم تبادل الأسري إيذانا بعهد جديد من السلام فضلا عن دور الأغالبة في صقلية وجنوب ايطاليا وسيادتهم البحرية في وسط البحر المتوسط، حتى انتهى الأمر بطرد البيزنطيين نهائيا من صقليه بعد ما يقرب من سبعين عاما وبذلك فقدوا أعظم معاقلهم في البحر المتوسط، كما استولى الأغالبة على مالطة وسردينا وانسابوا نحو جنوب إيطاليا ودانت للأغالبة مدنا كثيرة في الجنوب الإيطالي منها نابلي وسالرن ومونت كاسينو، هذا فضلا عن دور أهل الأندلس في غرب البحر المتوسط والربطات المنتشرة على ساحل البحر لتطهيره من الوجود البيزنطي، والعلاقات الدبلوماسية بين الخلافة العباسية وإمبراطورية شارلمان، مما ساعد على تحول البحر المتوسط إلى بحيرة إسلامية بعد إبعاد السيطرة البيزنطية . أما من ناحية الصين، فمن المعلوم أن الخطر الصيني لم يكن يتطلع إلى مكاسب سياسية بقدر ما كان يطمع في السيطرة على الطرق التجارية في آسيا الوسطى التي كانت تسلكها القوافل إلى الشرق الأدنى وأوروبا، ومعلوما أن فتح بلاد ما وراء النهر قد تم فتحها خلال خلافة الوليد بن عبد الملك عام 93هـ/ 711م عندما تمكن القائد قتيبة بن مسلم اللاعبين من فتح بخارى و سائر مدن خورازم وسمرقند، وبعدها توجه قتيبة في عام 714/096م إلى حدود الصين، لكنه انسحب بعد ذلك ولم يتمكن من التوغل داخل الحدود الصينية، فان وقوفه على أبواب الصين جعل أباطرة الصين يعملون على تأمين حدودهم الغربية واستولوا على مواطن الأتراك الشرقيين ضد المسلمين في بلاد ما وراء النهر وكثيرا ما تحالف هؤلاء مع أمراء الأتراك الغربيين للثورة على الحكم الإسلامي في محاولات لطرد المسلمين من البلاد، وبذل المسلمون في سبيل تأكيد وجودهم الكثير وأنقذوا جيوشا متوالية حتى استردوا مدينة بخاري . بدأ الصينيون يستفيدون من انشغال الدولة الإسلامية لكن سرعان ما انحسر الخطر الصيني عن بلاد التركستان الشرقية، مما ساعد على ظهور عدة ظهور عدة إمارات للأتراك الشرقيين في الصعد، وفرغانة ويرجع السبب في ذلك إلى الهزيمة التي منى بها إمبراطور الصين على يد القائد العربي زياد بن صالح الخزاعي عام 133هـ/ 750م وأدى هذا النصر إلى التقليل من حدة المطامع الصينية مما دفع الأسرة الحاكمة في الصين إلى مسالمة العباسيين . كما أن جيش الخلافة العباسية أسهم بدور فعال في تثبيت مكانة البيت الحاكم في الصين ضد المحاولات التي جرت لاغتصاب الحكم من الإمبراطور القائم، ووجدت جالية عربيه في بلاد الصين تتمتع بحماية البيت الحاكم، وبدأت الخلافة العباسية بعد ذلك تقيم الثغور في حدود إقليم التركستان كما أخمدت الجيوش العباسية الثورات التي قامت بها وأرغمتها على الخضوع . كما استمر العباسيون في إرسال الحملات لاستكمال فتح الهند التي تم فتحها مع الأمويين في عهد الأمويين خلال خلافة الوليد حيث تم فتح الأراضي الواقعة بين كابل والملتان والتوغل في حوض السند وتمكن محمد بن القاسم من تثبيت النفوذ الإسلامي في تلك الأنحاء، وعرف ملاحو العرب أمور الملاحة. فظلت في عهد المامون . نمو التجارة الدولية في ظل الاسلام : أما الطرق البحرية يبدأ من غرب أوربا إلى المشرق مارا بمصر وقام بهذا الدور التجار اليهود الذين يطلق عليهم الرهدانية، يعملون بدور الوسطاء لنقل التجارة من الغرب إلى الشرق وبالعكس، فيحملون من الغرب الخدم والجواري والجلود، والديباج، ثم يأتون من الهند بالمسك والعود كما وصلت التجارة الإسلامية إلى ابعد من ذلك فوصلت إلى اسكنديناوة والسويد وتم العثور على نقود إسلامية، كما اهتموا بتجارة شرق أفريقية والبحر الأحمر وموانيه لطلب الذهب .