المعاير الحضارة اإلسالمية إلى أوروبا: وهنا يبرز البعد "الهيوماني" للحضارة من حيث كونها حصاد إسهاما سائر الشعوب واألمم على مدار األجيال واألزمان. وقد أوردنا سلفا كيف أن حضارة "دار اإلسالم" انفتحت على التراث الكالسيكي تنهل منه وتتمثل لتضيف وتبدع. الرغم من العداء السياسي التقليدي بين "دار الحرب" و "دار اإلسالم" وعلى الرغم من ~ ب من أعلى إلى أسفل بحيث تتسرب الحضارة المزدهرة إلى سائر األقاليم المتخلفة حضاريًا. وقد أثبتنا كيف أحرز حضارة العرب والمسلمين قصب السبق في العصور الوسطى؛ في وقت كانت فيه أوروبا تعيش عصور الجهالة والتخلف بعد تنكرها للتراث الكالسيكي ناحية أخرى. وحسبنا أن النزعا الغيبية والالهوتية أفضت إلى الجهالة حتى أن المؤرخين األوروبيين يطلقون على العصور الوسطى "عصور الظالم". لك أن أوروبا لم تعرف من العلم إال ما حددته الكنيسة فيما عرف "بالفنون السبعة الحرة" التي اقتصر على دراسة الكتاب المقدس وبعض أوليا الحساب والفلك والموسيقى. كما تخلت عن ميراث اليونان واقتصر التعليم على الجوانب الدينية بالدرجة األولى هذا في الوقت الذي حافظ فيه المسلمون على التراث األوروبي الكالسيكي واستوعبوه وأضافوا إليه كما كرنا آنفا. أما واألمر كذلك فال مناص من تسرب هذه الحضارة اإلسالمية إلى أوروبا لتقيم على أساسها أسباب نهضتها التي نقلتها من العصور المظلمة إلى العصور الحديثة. فما هي الجسور التي عبر عليها حضارة العرب إلى الغرب؟ وقد بهر أهل األندلس من النصارى بهذه الحضارة إلى حد تعلمهم اللغة العربية وأداء صلواتهم وطقوسهم كما تمتع اليهود في األندلس بمزيد من وفي لك صدق "إرنست رينان" حين قال: "أن كل الثقافة اليهودية في العصور الوسطى كانت انعكا ًسا للثقافة اإلسالمية التي كانت أقرب إلى طبيعتهم من الحضارة المسيحية". ما يعنينا هو أن نثبت أن مراكز الحضارة اإلسالمية في األندلس مثل قرطبة وطليطلة وبلد الوليد وغيرها صار قبلة لألوروبيين ينزحون إليها وينهلون من معينها الحضاري كما درس العديد من األساقفة والمطارنة األوروبيين في معاهد األندلس. لذلك نشطت في أوروبا أواخر العصور الوسطى حركة ترجمة التراث الحضاري إ أسس "الفونس السابع" مدرسة للترجمة سنة 1130م عكفت على عن تلك التي كتبها أحبارهم باللغة العبرية من أمثال ابن ميمون وابن حبرول وباهيبن باكودا وعلى نفس النهج سار نصارى األندلس الذين عرفوا باسم "المستعربين" وخاصة في مدينة طليطلة، فقاموا بترجمة التراث العربي اإلسالمي إلى اللغا األوروبية. وقد أدى حصاد هذه الترجما إلى تسرب حضارة العرب المسلمين إلى الغرب المسيحي. 2- صقلية وجنوبي إيطاليا: وورث الفاطميون حكم حرص ملوك النورمان على النهل من الحضارة العربية اإلسالمية إلى حد تأثرهم بالنظم المسلمين على التأليف والتصنيف فيه. المشتاق في اختراق اآلفاق" وأهداه إلى "روجر" الثاني ملك النورمان. كما احتفظ النورمان في بالطهم بالنقوش المكتوبة باللغة العربية رغم دالالتها اإلسالمية. ونفس الشيء يقال عن حتى ليذكر "مونتجومري وا " أن "الطابع اإلسالمي كان أقرب إلى اإليطاليين آنذاك من الطابع المسيحي". وهذا يعني أن الوجود اإلسالمي السياسي في هذه النواحي رغم اندحاره وفي لك دليل ال يرقى إليه الشك على الطابع فتوالت الحمال الصليبية على الشرق اإلسالمي ونجحت في تأسيس ممالك لذلك كان من الطبيعي أن يسفر إ بعد طرد الصليبيين كانوا همزة الوصل التي عبرها وصلت الحضارة اإلسالمية إلى معظم أجزاء أوروبا نظ ًرا ألن لقد نجم عن الحروب الصليبية أن وقف األوروبيون على خطأ الرؤية الكنسية لإلسالم حتى أن كلمة Moors وتعني كما أن فترا المهادنة بين المعسكرين أتاحت لألوروبيين الوقوف على الطابع العصور الوسطى. وقد اعترف بعض المستشرقين بتأثير المسلمين في مجال آداب السلوك والمعايير األخالقية على خصومهم المجبولين على البداوة والخشونة. وحسبنا أن "البر تشميدر" عرف صالح ولسوف نعدد مدى إفادته أوروبا من العبقرية العربية اإلسالمية في مجال الصناعا والحرف وأساليب وتقنيا الزراعة وتقاليد وفنون 4- التجارة: وجنوبي إيطاليا واألندلس فضالً عن الصراع البحري بين الطرفين، لم تنقطع أواصر االتصال وقد والفرنجة الكارولنجيين. دليلنا على لك الهدايا التي أرسلها هارون الرشيد إلى اإلمبراطور شارلمان – وال يخالجنا شك في أن النهضة الكارولنجية في القرن التاسع الميالدي كانت نتيجة االتصال بالحضارة العربية المتفوقة. ومعلوم أي ًضا أن األندلس لم تنقطع عالقاتها التجارية بأوروبا خاصة أن تجارة الرقيق كما أن المدن المطل على البحر المتوسط. فلم تنقطع أساطيلهم عن التواجد بالسواحل والموانئ اإلسالمية. وقد أسفر هذا االتصال عن مزيد من التأثر الحضاري بالمسلمين. وقد لعب التجار اليهود دو ًرا مه ًما في هذا السبيل لك أنهم كانوا يشكلون همزة وصل بين "دار اإلسالم" و لذلك يعزى إليهم الفضل – كما كرنا – في ترجمة الكثير من أمها الكتب العربية إلى اللغا األوروبية. ب- أثر اآلداب والفنون والعلوم اإلسالمية في أوروبا: عن طريق الجسور السابقة تسربت الحضارة اإلسالمية إلى أوروبا فاعتمد عليها للكالسيكيا اقترنت بنزعة إنسانية سامية. وفي فرنسا اتخذ طابع حركة قانونية نشطة، وفي ألمانيا، واألراضي الواطئة تمثلت النهضة في العصور الوسطى وإ كاء العقالنية وروح البحث العلمي لتسفر عن ثورة فكرية وسياسية ظهر التأثير اإلسالمي في مجالين: األول اتباع المنهج وفي هذا الصدد أثر منهج "الجرح والتعديل" فحدث في مجال مراجعة نظرة أوروبا المسيحية لإلسالم تأسي ًسا على رفض الرؤية الكنسية التي كانت تصور المسلمين برابرة واإلسالم كفًرا وانتحاالً ومحمد لقد تغير رؤية األوروبيين بفضل االتصال عبر األفضل وفي نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم باعتباره مصل ًحا اجتماعيًا وقائ ًدا سياسيًا من طراز فريد. إ ترجم األوروبيون الكثير من المصنفا العربية "كمقاما " الهمداني وكتاب "كليلة ودمنة" وحسبنا ما أثبته الدارسون من تأثير "رسالة الغفران" التأثير إلى كتابا بوكاتشيو اإليطالي وسرفانتيز األسباني وشكسبير وتشوسر اإلنجليزيين. الفونتين الشاعر الفرنسي من أدب "ألف ليلة وليلة". وإعجاب "جوتة" الشاعر األلماني كما أثر قصة "حي بني يقظان" البن طفيل وقصة "أهل الكهف" كما ورد بالقرآن الكريم في اآلداب األوروبية التي اتسمت بالطابع الرمزي؛ كرواية األندلسية في شعراء "التروبادور" الفرنسيين والشعراء الجوالين اإلنجليز. وفي هذا الصدد كر جوستاف كوهن "أنه من المستحيل المبالغة في تقدير القيمة الخالقة والملهمة لشعر فهو األم للشعر الحديث ولعله يفوق في لك فبغير هذا ال يمكن تعليل ظهور الشعر اإليطالي واألسباني واأللماني والفرنسي". بالموسيقى. وأثر األشعار الصوفية وخاصة الفارسية في الرقي بالمشاعر واألحاسيس وغيرهم ممن أثروا في شعراء الغرب حتى العصور الحديثة. فكنائس العصور الوسطى نهلت في مجال الزخرفة من زخرفة