إن عملية دمج العالم في منظومة واحدة قديم قدم الحركات والتوسعات الإمبراطورية والمرحلة الاستعمارية حصل من دون شك توحيد فعلي للعالم عبر إلحاق البلاد الزراعية الضعيفة من حيث النمو الرأسمالي والتكنولوجي بالبلدان الصناعية كفرنسا وبريطانيا ومن بعد بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد حصل هذا الدمج والتوحيد بفصل السيطرة العسكرية والسياسية واستخدام القوة، اكتشاف أمريكا واستيطانها من قبل الشعوب الأوربية، وتحولها إلى المركز الأهم للإنتاج الصناعي والثقفي، كما كان من نتائجه تعميم أنماط العلاقات الرأسمالي وإيجاد العالم الذي تعرفه اليوم على أساس الاستقطاب المتزايد داخل النظام الرأسمالي الواحد، بين شمال صناعي وتقني متقدم وجنوب يعاني من أزمة تنمية مستمرة. أما النتائج السياسية والثقافية فليست أقل أهمية من النتائج الاقتصادية، فلهذا الدمج والتوحيد يرجع تعميم أنماط التنظيم السياسي السائد اليوم في العالم، وتوزيع الجماعات البشرية بالإجمال بحسب انقساماتها اللغوية والثقافية، بعد أن كانت موزعة بحسب موازين القوة الإقليمية ومن وراء ذلك إقامة النظام الدولي العالمي الراهن الضامن لإعادة إنتاج الدولة القومية من خلال الالتزام بمبادئ السيادة الوطنية، وتحريم الفتح وضم أراضي الآخرين بالقوة. هذا هو مبدأ النظام على الرغم من الاختراقات العديدة التي تطوله، والتي تقف وراءها القوة المتفوقة للدول والصناعية، ولهذا الدمج يرجع أيضا انتشار العقائد السياسية والاجتماعية التي تسيطر على الحياة الفكرية والسياسية للمجتمعات الكرة الأرضية كافة فالصراعات الفكرية وان بالدرجة الأولى حول القيم المرتبطة بالاشتراكية أو القومية أو الليبرالية، وكلها عقائد جديدة نشات وعم أثرها نتيجة إدخال جميع المجتمعات في دورة الرأسمال الفكري والثقافي المعمم للنظام الرأسمالي العالمي وقد انعكست هذه الديناميكية التوحيدية في المجال العلمي وبالأخص علم التاريخ ونجم ع ها نظريات يدافع عنها بعض المؤرخين الكبار لا نرى التاريخ إلا كتاريخ عالمي منذ البداية. (فرناند بروديل) ينظر إلى كل مرحلة من المراحل التاريخية على إنها متمحورة حول مركز يسميه الاقتصاد العالمي.