ممثل الحاكم: واقعية زايد وسياساته جاء تعيين الشيخ زايد بن سلطان ممثلاً للحاكم في العين في أعقاب الحرب العالمية الثانية استجابة للظروف السياسية المحلية والدولية المتغيرة. وفيما يتعلق بتاريخ أبوظبي فقد جاء التعيين ليمثل تطوراً على قدر كبير من الأهمية، ومنذ عهد الشيخ شخبوط بن ذياب في عشرينيات القرن التاسع عشر لم يسبق لأحد أعيان عائلة آل نهيان أن حكم منطقة العين . في أواخر عام 1945 توفي في العين الشيخ خليفة بن زايد الكبير عميد أسرة آل نهيان ، ولم يباشر الشيخ زايد مهام منصبه لأنه كان يرافق ابن عمه الشيخ محمد بن خليفة في رحلة إلى الهند . ثم شد الرحال إلى العين بعد ذلك بمدة وجيزة . كان الشيخ زايد موجوداً في العين واستقبله هناك . وسرعان ما واجه ممثل الحاكم المعين حديثاً في العين بعض المشكلات الملحة، كانت واحة العين المنطقة الوحيدة من إمارة أبوظبي القابلة للزراعة بشكل مستمر وبالتالي فإن رخاءها كان مرتبطاً بتوافر الماء ، القرون الماضية من خلال شبكة من الأفلاج قنوات مائية ) كانت مياه جبل حفيت تنتقل واحتبس في مناطق أخرى بسبب عدم إزالة العوالق والترسبات بشكل منتظم، وفضلاً عن ذلك أدى ضعف نفوذ حاكم أبوظبي في الواحة إلى عجز العرفاء عن القيام بمهامهم بالنزاهة المطلوبة، وعلى الأثرياء القادرين على الدفع مقابل الحصول على هذا الامتياز . لذا كانت أول مهمة اقتصادية وإنسانية واجهت الشيخ زايد عند تعيينه ممثلاً للحاكم في العين عام 1946 هي ضمان حسن إدارة موارد المياه وإعادة انسيابها وتوزيعها، وقد منح الشيخ شخبوط أخاه الشيخ زايد سلطة كاملة لمعالجة هذا الأمر بالنيابة عنه، وعرف الشيخ زايد قبل تعيينه ممثلاً للحاكم في العين أنه على مدى أكثر من عشرين عاماً كانت قلة قليلة تمتلك أولوية الحصول على الماء، وكان تغيير الوضع الذي أضحى بعد فترة طويلة ممارسة راسخة يستفيد منها أفراد الأسرة الحاكمة بقدر كبير إلى جانب الأثرياء وأصحاب النفوذ أمراً يتطلب الحنكة والدبلوماسية . كانت قوة الشخصية أعظم سمات الشيخ زايد عندما عين ممثلاً للحاكم في العين، كما كان معروفاً وموثوقاً به عند أهل الواحة، على الرغم من أنه لم يكن قادراً حينها علىمكافأتهم بغير القليل من الدعم المادي. وبطبيعة الحال كان الشيخ زايد يحظى أيضاً بثقة أخيه حاكم أبوظبي، ولم يكن هناك ما يسبب خلافاً بينهما في تلك المرحلة على النحو الذي ظهر في سنوات لاحقة. ومما لا شك فيه أنه رأى أن نجاح الشيخ زايد في تعزيز نفوذ أبوظبي في العين سيكون في مصلحته كحاكم ومصلحة أسرته عموماً، بفائدة كبرى على الإمارة كلها . وسرعان ما ظهرت النتائج الإيجابية لتعيين الشيخ زايد ممثلاً للحاكم في العين؛ وكانت المهمة التي كلف بها الشيخ زايد المختصين هي تنظيف القنوات الحالية وإصلاح كل المواضع التي انهارت فيها الجدران الصخرية، وصار الشيخ زايد يتابع بنفسه سير هذا العمل ويقوم بتفقد تنفيذ الصيانة وأعمال الترميم بشكل منتظم، واتضحت الرسالة المعنية من خلال هذا الجهد الحثيث والمتواصل لأهل العين جميعاً، فللمرة الأولى حسبما يذكر أهل المنطقة وأن ما تبقى منها لا يكفي لسد احتياجات العدد المتزايد من سكان الواحة من المياه، وكان الحل المنطقي والحتمي هو محاولة إيجاد مصدر جديد لتزويد الواحة بموارد مائية أخرى، وهي عملية تتطلب مهارة هندسية، ولكنها في نهاية الأمر عمل بسيط . أما في أواخر الأربعينيات فلم تكن هناك أنابيب ممدودة في العين، وكان الخيار الوحيد المتاح حينها هو حشد طاقات أهل العين لحفر الأفلاج على الطريقة التقليدية . ولم يكن ذلك العمل ليتم بمجرد أن يأمر الشيخ زايد بشق قناة جديدة، لذا قام الشيخ زايد بزيارات متكررة إلى شيوخ وأبناء القبائل استمرت أشهراً عديدة. وقد استطاع بما يتمتع به من أناة وحصافة أن يزيل اعتراضاتهم إلى أن ضمن موافقتهم على تزويده بالرجال للبدء في حفر القنوات الجديدة. بل يقال إن قلة قليلة من عرب المنطقة كانت لديهم المهارة الكافية لبناء مثل هذه الشبكة، ومن ثم ينقل الماء في ممر يشبه السرداب تحت الأرض المسافة تصل إلى 1500 متر قبل أن يصل إلى السطح، ويتطلب نظام الري هذا معدلات ثابتة ومستمرة من الأمطار لكي ينساب الماء بمقدار ثابت، وقد بدأت الشبكة عملها بشكل متكامل بعد نحو عقدين . كما قام الشيخ زايد أثناء تنفيذ مشروع فلج " الصاروج " بإدخال إصلاحات شاملة على نظام توزيع المياه نفسه ؛ فوفقاً للترتيبات المعمول بها يتدفق الماء من القناة الرئيسية عبر القنوات الجانبية في توقيتات معينة تفصل بينها فترات محددة، لقد كان ذلك الوضع متعارضاً تماماً مع مفهوم الشيخ زايد للعدالة، ففي رأيه أن مياه الفلج التي تأتي من باطن الأرض حق مشترك وعام لكل الذين يعيشون على الأرض ، وكان تصميمه على توفير المياه للجميع نابعاً من إيمانه العميق والتزامه 42 43 بالتعاليم الإسلامية بالإضافة إلى إحساسه بالمسؤولية والتزامه بالتقاليد . وما إن ظهرت احتمالات توافر المياه بتكلفة منخفضة حتى بدأت تختفي سوق بيع مياه الأفلاج التي كانت تدر أرباحاً طائلة على المحتكرين الذين باتوا يرون أن من مصلحتهم أن يتبعوا خطط الشيخ زايد وأوامره في هذا الصدد، وتبعاً لذلك صارت المياه متاحة للجميع مجاناً مع انتهاء فترة حكم الشيخ زايد للعين . ولكن الطريقة التي حقق بها الشيخ زايد هذا الإنجاز العظيم لا تقل أهمية من حيث ما انطوت عليه من دلالات . إذ أظهر الشيخ زايد التزامه الشخصي بإنجاز المشروع عندما شارك بنفسه في أعمال الحفر، فها هو زعيم لا يكتفي بالحديث عن أهمية العمل، ولم يكن أسلوب الشيخ زايد في إدارة الأمور باعتباره ممثلاً للحاكم في العين قائماً على إصدار الأوامر والتعليمات الصارمة للآخرين، وقد تعززت مهارته في الإقناع وازداد نفوذه مع ذيوع القصص وتعدد الروايات حول قوة شخصيته ونجاح جهوده في كافة أنحاء إمارة أبوظبي ؛ حيث يتبادلان الحوار بكل ود وترحاب فإذا لم يستجب هذا الزعيم فإن الشيخ زايد يعاود الكرة معه حتى يقتنع ويستجيب لرأيه وفيما يتعلق بمهمة إعادة توزيع المياه بصورة عادلة في العين فقد استغرق الأمر من الشيخ زايد نحو عقدين لتحقيق كل ما يطمح إليه من أجل شعبه ؛ وقد بدأ بتقديم القدوة الحسنة حين تنازل عن مطالبته بحقه في الماء، ولم يشكك أحد من المقربين منه في العين في قدرته على اتخاذ قرارات حازمة، بدليل أنه عندما كان يحكم في المنازعات لم يتوان في إصدار الأحكام الصارمة عند الضرورة، غير أنه كان يسعى قبل ذلك إلى كسب ود الآخرين وضمهم إلى صفه. حيث كان يتجول بينهم على صهوة فرس أو على ظهر جمل، وفي مرحلة لاحقة في سيارة تنتقل بين أنحاء العين . وكما أشار جوليان ووكر عندما كان يعمل في مطلع شبابه ضابطاً سياسياً بريطانياً في الإمارات المتصالحة : وكانوا يتحدثون إلى الشيخ زايد وينادونه باسمه، وكان الشيخ زايد يصغي إلى كل حالة ويناقش بعض الحالات أحياناً مع الشيوخ الموجودين حوله، ونحن جلوس حول النار التي توقد في المساء نحتسي الشاي، بينما الرجال من حولنا يتجاذبون أطراف الحديث بدأت حينها أتفهم الأسباب التي جعلت الشيخ زايد يحظى بهذا القدر من الاحترام والتقدير، ليس بين أتباعه فقط ولكن أيضاً في أوساط القبائل التي تعيش في المنطقة الواسعة حول واحة البريمي [العين]. ونتيجة لذلك فإنه حتى القبائل المخالفة لبني ياس أضحت تكن تقديراً خاصاً للشيخ زايد، مما مكنه حينها من زيارة هذه القبائل التي رحبت به ترحيباً لا يلقاه أي من أفراد أسرته الحاكمة. وإذا كانت سياسة التنمية والتطوير التي تبناها الشيخ زايد لمصلحة شعبه قد بدأت بالإصلاحات في مجال الري ، فمع نهاية الفترة التي قضاها في منصب ممثل الحاكم في العين كان الشيخ زايد قد أتاح لأهالي العين الحصول على خدمات تعليمية وصحية، ويروى عن الشيخ زايد أنه كان . وعندما أصبح حاكماً لإمارة أبوظبي عام 1966 تحولت أحلامه إلى حقيقة واقعة بفضل عزيمته وإصراره على تحسين مستوى معيشة شعبه . لقد أصبح أسلوب الشيخ زايد في الحكم نهجاً جديداً لم تعرفه إمارة أبوظبي من قبل، وأثناء وجود الشيخ زايد في العين كان إخوته يترددون عليه، بل إن صيته وشهرته قد وصلا إلى قبائل الربع الخالي قرب الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية. ويحدثنا الرحالة البريطاني ويلفرد ثيسيجر عن أنه قد سمع عن الشيخ زايد قبل أن يلقاه في واحترموا فيه قوة شخصيته وحكمته وقوته الجسمانية. ويعرف كيف يقاتل » : 47 ورأى بعينيه يوماً بعد يوم ليس بوصفه بدوياً فحسب " كواحد ولكن بوصفه زعيماً كسب ولاءهم واحترامهم المنقطع النظير . التطورات الإقليمية وتعاظم دور الشيخ زايد ويعتبر النزاع الذي وقع بين أبوظبي ودبي خلال الفترة 1945 - 1948 واحداً من الأمثلة التي تجسد ما يمكن أن يحدث في حالة غياب مثل هذه السيطرة، وتعود جذور هذا النزاع إلى خلاف حدودي بسيط بدأ قبل أن يتولى الشيخ زايد منصبه في العين، وما لبث أن تحول إلى نزاع موسع بين القبائل البدوية المتحالفة في الإمارتين، وسرعان ما تبين بعد ذلك أن أياً من حاكمي الإمارتين لم يكن قادراً على احتوائه أو السيطرة عليه . وفي نهاية المطاف تمكن شيخان شابان من الإمارتين؛ هما الشيخ زايد من أبوظبي والشيخ راشد من دبي من الدخول في الحوار الذي أفضى في نهاية الأمر إلى بسط الأمن والسلام . فالمنطقة التي طالبت بها دبي لم تكن ذات أهمية خاصة، ولم يعترف ونجح في أن يظفر بتعهد من قبيلتي المناصير وآل بوشامس باحترام هدنة لمدة شهرين. غير أن السلام الهش الذي تم التوصل إليه قد انهار بسبب عدم قيام الشيخ شخبوط بتعويض بعض القبائل التي أيدته في نزاعه مع دبي عما خسرته في ذلك النزاع، مسموعاً لدى القبائل المتحالفة مع أبوظبي، قبائل دبي. ولم تتوقف تماماً إلا في عام 1949 . كان الدرس المستفاد من هذه الأحداث أن احتواء النزاعات بعد اندلاعها يصبح أمراً صعباً؛ وتحديداً في صيف عام 1950 ، العقوبة قاسية من قبله . الإمارتين لم يكن قادراً على احتوائه أو السيطرة عليه . وفي نهاية المطاف تمكن شيخان شابان من الإمارتين؛ هما الشيخ زايد من أبوظبي والشيخ راشد من دبي من الدخول في الحوار الذي أفضى في نهاية الأمر إلى بسط الأمن والسلام . فالمنطقة التي طالبت بها دبي لم تكن ذات أهمية خاصة، ولم يعترف ونجح في أن يظفر بتعهد من قبيلتي المناصير وآل بوشامس باحترام هدنة لمدة شهرين. غير أن السلام الهش الذي تم التوصل إليه قد انهار بسبب عدم قيام الشيخ شخبوط بتعويض بعض القبائل التي أيدته في نزاعه مع دبي عما خسرته في ذلك النزاع، مسموعاً لدى القبائل المتحالفة مع أبوظبي، قبائل دبي. ولم تتوقف تماماً إلا في عام 1949 . كان الدرس المستفاد من هذه الأحداث أن احتواء النزاعات بعد اندلاعها يصبح أمراً صعباً؛ وتحديداً في صيف عام 1950 ، العقوبة قاسية من قبله . الإمارتين لم يكن قادراً على احتوائه أو السيطرة عليه . وفي نهاية المطاف تمكن شيخان شابان من الإمارتين؛ هما الشيخ زايد من أبوظبي والشيخ راشد من دبي من الدخول في الحوار الذي أفضى في نهاية الأمر إلى بسط الأمن والسلام . فالمنطقة التي طالبت بها دبي لم تكن ذات أهمية خاصة، ولم يعترف ونجح في أن يظفر بتعهد من قبيلتي المناصير وآل بوشامس باحترام هدنة لمدة شهرين. غير أن السلام الهش الذي تم التوصل إليه قد انهار بسبب عدم قيام الشيخ شخبوط بتعويض بعض القبائل التي أيدته في نزاعه مع دبي عما خسرته في ذلك النزاع، مسموعاً لدى القبائل المتحالفة مع أبوظبي، قبائل دبي. ولم تتوقف تماماً إلا في عام 1949 . كان الدرس المستفاد من هذه الأحداث أن احتواء النزاعات بعد اندلاعها يصبح أمراً صعباً؛ وتحديداً في صيف عام 1950 ، العقوبة قاسية من قبله . الإمارتين لم يكن قادراً على احتوائه أو السيطرة عليه . وفي نهاية المطاف تمكن شيخان شابان من الإمارتين؛ هما الشيخ زايد من أبوظبي والشيخ راشد من دبي من الدخول في الحوار الذي أفضى في نهاية الأمر إلى بسط الأمن والسلام . فالمنطقة التي طالبت بها دبي لم تكن ذات أهمية خاصة، ولم يعترف ونجح في أن يظفر بتعهد من قبيلتي المناصير وآل بوشامس باحترام هدنة لمدة شهرين. غير أن السلام الهش الذي تم التوصل إليه قد انهار بسبب عدم قيام الشيخ شخبوط بتعويض بعض القبائل التي أيدته في نزاعه مع دبي عما خسرته في ذلك النزاع، مسموعاً لدى القبائل المتحالفة مع أبوظبي، قبائل دبي. ولم تتوقف تماماً إلا في عام 1949 . كان الدرس المستفاد من هذه الأحداث أن احتواء النزاعات بعد اندلاعها يصبح أمراً صعباً؛ وتحديداً في صيف عام 1950 ،