إن الاعتدال والوسطية في المنهج الإسلامي من المسلمات المهمة للتعايش وبناء السلام، وعلى هذا المنوال نجد الفكر الإسلامي على أصوله المتنوعة يدعوا إلى الاعتدال والوسطية وفي كل مطالب الحياة، وهنا نجد الدعوة إلى الأخذ بالوسطية لأنها أساس لبناء الحياة وإشاعة التعاون والتسامح. ومن نافلة القول أن تطور الاتصالات وطرق المواصلات جعل الكرة الأرضية أشبه بقرية صغيرة يلتقي فيها الناس على اختلاف أديانهم بسهولة ويسر مما فرض على المسلمين أساليب جديدة للتعامل لم تكن موجودة في المدة المبكرة من تاريخ الإسلام، القدوة والمثل الأعلى للمسلمين، أو ما يسمى بالتعايش السلمي. وفي المنهج الإسلامي ما يبين الاعتدال والوسطية، فقد أكرم الرسول محمد ﷺ وفد نجران النصراني وقام بنفسه بالتجهيزات الضرورية لإكرام هذا الوفد، حتى إنه فرش عباءته ليجلسوا عليها. لقد رسم القرآن الكريم والحديث النبوي الأسلوب الواضح والصحيح للوسطية والتعايش السلمي مع غير المسلمين من أهل الكتاب إذ كانوا بررة وعدولاً معهم، قال تعالى: لَّا يَنهَنكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقتلوكم في الذين ولا يخرجوكم من يتركو أن تبروهُمْ وَتُقْسِطُوا إِليهم إن الله يحب الْمُقْسِطِينَ ، وفي الفكر الإسلامي الدعوة واضحة إلى التعامل بروح من الأخوة الإنسانية مع غير المسلمين، وتاريخ المسلمين فيه مواقف على التعامل بالحسنى مع غيرهم، فقد نعموا أهل الكتاب في ظل الإسلام بالرضاء والأمن والسلامة، وسار السلف الصالح على هذا الطريق. إن الاعتدال والوسطية مع الآخر يفضي بلا شك إلى التعايش السلمي، وعلى هذا فالدعوة قائمة إلى المسلمين أن يأكلوا طعام أهل الكتاب وأن يصاهروهم، قال تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَةُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءَ اتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ ) ؛ وهذا يزيد من الألفة والمحبة، وكذلك الطعام معهم، ومما يدل على سماحة الإسلام هو رفضه التعصب والانغلاق، وأنه دين يهدف إلى بناء حياة أساسها الاعتدال والوسطية وفي ذلك خير لجميع الناس. ومن الدلائل على دعوة الإسلام للاعتدال والوسطية من أجل التعايش السلمي أن القرآن الكريم بوجه أتباعه بضرورة التعامل بحسن الكلام وأدب الحوار، قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَبِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَالَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) . ويشيع جنائزهم ويعود مرضاهم، ويزورهم ويكرمهم، وكان ديدنه السماحة مع الناس، ومن أخلاق المسلمين حرصهم على الوفاء لأهل الذمة، حتى روي أن واصل بن عطاء ) وهو زعيم المعتزلة، بعصابة من الخوارج، ومن أجل نجاته هو وأصحابه من القتل ادعى أنهم من أهل الكتاب، فنجا من هذه المحنة . والإسلام دين الوسطية يقارب بين القلوب والعقول، وهو الذي يوجه الجميع في صلواتهم وعباداتهم إلى جلال الخالق الحق ، ولا ريب أن من ينظر إلى من نافذة الوحي يتسع عقله لتقبل الآخر، والتواصل والتألف معه. والاعتدال والوسطية منهج إسلامي، فالقرآن الكريم عندما يخاطب البشرية يقول: يأيها الناس، ولم يكن النداء يا أيها المسلمون فقط، وليس أدل على هذا أننا نجد في القرآن الكريم مفردات تؤكد على الأخوة الإنسانية بين الناس، ومنها البشر والناس والعباد وهذه لا تخص المسلمين وحدهم بل الإنسانية جمعاء. إن هذه النظرة لحقيقة الإسلام تولد شعوراً تتبعه قناعة في أن الإسلام هو دين وهو دين الألفة والتواصل والمحبة مع جميع البشر، وعلى هذا فإن الإسلام يهذب طباع أتباعه، فيحس الفرد المسلم قيمته في هذه الحياة، والتعايش السلمي،