احتسى الشيخ قهوته على مهل، فمنذ وقت طويل أصبح الأكل يضايقه، وقد كانت لديه قنينة ماء في مقدم المركب، الآن عاد الصبي بالسردين والطعمين الملفوفين في جريدة، فهبطا في الممر إلى المركب، ورفعا المركب لينزلق في الماء. أحكم الشيخ ربطتي المجدافين وثبتهما في وتديهما، وبانحناءة إلى الأمام ضغط على طرفي المجدافين المنغمسين في الماء، وراح يجدف خارجا من المرفأ في الظلام، وكانت ثمة قوارب أخرى منطلقة من شواطئ أُخرى إلى عرض البحر، وأخذ الشيخ يسمع ولوج مجاديفها في الماء ودفعها له، على الرغم من أنه لم يستطع رؤيتها بعد أن غاب القمر خلف أحيانًا، يتكلم شخص ما في قارب، وكان الشيخ يعلم أنه سيذهب بعيدًا، فترك أريج البر خلفه، وراح يجدف بعيدًا في اتجاه رائحة المحيط النقية في الصباح الباكر، ولاح لعينيه الوميض الفوسفوري لطحالب الخليج في الماء، فيما كان يجدف في ذلك الجزء من المحيط الذي كان الصيادون يدعونه بالبئر العظيم بسبب وجود انخفاض مفاجئ يبلغ عمقه سبعمائة قامة حيث تتجمع كل أنواع السمك؛ بسبب الدوامة التي يُحدثها المجرى عند ارتطامه بالجدران المنحدرة لقاع المحيط، فهنا يوجد تمركز للروبيان وأسماك الطعم، كان مولعا بالسمك الطائر؛ وتبحث، ولا تجد شيئًا على الإطلاق تقريبا. وفكر في نفسه: للطيور حياة أصعب من حياتنا، ماعدا الطيور الشراقة والطيور القوية الضخمة. أو تبخل بها في أحيان أخرى، وإذا ما فعلت أشياء شريرة أو غريبة فلأنها لم يكن في وسعها أن تفعل غير ذلك، مادام أنه بقي في نطاق سرعته، وما دام سطح البحر مستويًا باستثناء بعض دوامات التيار بين آونة وأخرى. ولم أحصل على شيء، واندفع مع التيار، كانت إحدى قطع الطعم على عمق أربعين قامة، ليمنحهما رائحة وجاذبية، طول كل واحدة منهما أربعون قامة، الآن، وعندما ارتفعت تماما، بعث البحر المنبسط بأشعتها إلى عينيه لدرجة أنها آلمته بحدة، فراح يجدف دون أن ينظر إليها، راح ينظر إلى الأسفل حيث الماء، ويراقب الخيوط التي نفذت بعيدا في ظلمة الماء، وقد حافظ عليها مستقيمةً أكثر مما يستطيعه أي صياد آخر، ولكنها في الصباح مؤلمة». رأى طائر فرقاط يحوم، إنه لا ينظر فحسب». دلافين كبيرة». رفع المجدافين إلى المركب، ومن تحت مؤخر المركب تناول صنارة صغيرة، في رأسها سلك وخطاف متوسط الحجم، اتجه الطير مرة أخرى، وهو يميل جناحيه إلى الأسفل مطاردًا السمكات الطائرة، ولكنه عاد يصفق جناحيه بشدة تصفيقا غير مجد، وتمكن الشيخ من رؤية البروز الخفيف على سطح الماء الذي سببته الدلافين وهي تلاحق الأسماك الهاربة. وهي منتشرة في مساحة شاسعة، وهي تتحرك بسرعة فائقة». وراقب الشيخ الأسماك الطائرة وهي تنط من الماء مرةً تلو الأخرى، لا بد أن تكون وخلفه تلال زرقاء داكنة، وكان لون الماء أزرق قائما، وكانت زرقته قائمة جدا لدرجة أنها بدت أرجوانية تقريبا. وبينما كان الشيخ ينظر إلى الماء، رأى بقايا الكائنات البحرية طافية على المياه الداكنة، والضوء الغريب الذي خلفته الشمس الآن، وشعر بالسرور الرؤية هذه الكثرة من بقايا الكائنات البحرية؛ لأن ذلك يعني وجود الأسماك هناك، ومن مكانه، مال قليلا على مجدافيه، كانت الفقاقيع القزحية اللون جميلة، ولكنها أكثر الأشياء زيفًا في البحر؛ كانت السلاحف - إذا ما رأت تلك الفقاقيع اقتربت منها من الأمام، عليها بباطن قدمه المتصلب مثل قرن. السامة وعيونها مغمضة. وتحرر. ولكن الشيخ فكر قائلا في نفسه: «وأنا لدي مثل هذا القلب كذلك، وأكتوبر/ تشرين وكان يشرب كذلك، كوبًا من زيت كبد سمك القرش كل يوم من البرميل في الكوخ الذي يحفظ فيه العديد من الصيادين عدتهم. بيد أن معظم الصيادين كانوا يكرهون مذاقه، سميكات الطعم، وتطاردها. وفكر الشيخ: «إذا لم تبحر بعيدًا، وراح يراقب مجموعة الأسماك وهي تحيل لون الماء أبيض، وأخذ الطير الآن في الهبوط والغطس وراء سميكات الطعم التي اضطرت إلى التوجه إلى سطح الماء مذعورة». قال الشيخ: - «إن الطير عون عظيم». أخذ خيط الصنارة التي في مؤخر المركب بالتوتر تحت قدمه، وأحس بضغط ارتعاش سمكة التونة الصغيرة وهي تسحب الخيط الذي كان ممسكا به بشدة، وبدافع الشفقة، ضربها الشيخ على رأسها، يرتجف في الظل بمؤخر القارب. تزن عشرة أرطال». ربما شرع في التحدث بصوت عالي وهو وحيد بعد أن غادر الصبي، كانا يتكلمان في الليل، ويأتيهم