قدمـــــــــة تمثل فتوى محكمة العدل الدولية المرة الأولى التي يتطلب فيها إلى قضاة هذه المحكمة أن يحللوا قواعد القانون الدولي الإنساني بقدر من التفصيل. من هنا فإن الفتوى تكتسب أهمية خاصة من حيث أنها تتضمن نتائج هامة عن الطابع العرفي لعدد من قواعد القانون الدولي الإنساني كما تتضمن إعلانات مهمة عن تفسير هذه القواعد وعلاقتها بالقواعد الأخرى. معتبرين أن الحق في الدفاع عن النفس هو أهم قيمة أساسية أو أن بقاء الحضارة والكوكب ككل له الأهمية القصوى. لسوء الحظ أن المجال هنا لا يسمح بالتعليق على هذه التحاليل البالغة الأهمية لأسس القانون الإنساني والغرض منه في النظام الدولي (1). لذلك فإنه بدلا من التركيز بالدرجة الأولى على استنتاج المحكمة بشأن شرعية استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية, سنتناول في هذا التعليق النتائج التي توصلت إليها المحكمة بشأن شرعية استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية إلا من وجهة نظر كيف أسهمت هذه النتائج في تفسير تلك القواعد. تعريف القانون الدولي الإنساني يؤمل أن ينتهي الجدل حول المعني الدقيق لهذا المصطلح, بأن القانون المتصل بتسيير الأعمال العدائية (المسمى " قانون لاهاي " ) بدأ نشأته في مجموعة من المعاهدات, بينما القانون الذي يحمي الضحايا (المسمى " قانون جنيف " ) قد تطور بصورة منفصلة في اتفاقيات جنيف, وان هذين الفرعين قد ترابطا معا في وقت لاحق في البرتوكولين الإضافيين لعام 1977 لكونا مجموعة قانونية واحدة. والواقع أنه لم يكن هناك مطلقا تمييز بين " قانون لاهاي " و " قانون جنيف " . إذ يتضح من القراءة الدقيقة لقانون ليبر لعام 1862 ومؤتمر بروكسل لعام 1874 والكتب القانونية الأولى أن " قوانين وأعراف الحرب " في تلك الفترة لم تتضمن أي قواعد لحماية الأشخاص الخاضعين لسلطة العدو, تضمنت اتفاقيات جنيف جوانب القانون المتعلق بتيسير الأعمال العدائية, فالقانون الدولي الإنساني إنما هو مجرد مصطلح حديث يعبر عن " قانون الحرب " . الطابع العرفي لمعاهدات القانون الإنساني أعادت المحكمة تأكيد الطابع العرفي لاتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 ولائحتها, إلى بيان بهذا المعنى تضمنه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة قدم بناء على قرار مجلس الأمن رقم 808 (1993) (3) , إلى حقيقة أن شروط نقضها لم تستخدم مطلقاً وخلصت المحكمة إلى أن " هذه القواعد تبين ما يتوقع من الدول من تصرف وسلوك " (4) . وفيما يتعلق بالبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977, ذكرت المحكمة أن " جميع الدول ملتزمة بهذه القواعد. التي كانت عند اعتمادها مجرد تعبير عن القانون العرفي الذي كان قائما قبلها " (5) . ولا يعطي هذا البيان سوى دليل بسيط على الطابع العرفي للقواعد الواردة في هذا البروتوكول بخلاف القواعد التي علقت عليها المحكمة على وجهة التحديد في أجزاء أخرى من الفتوى. بيد أنه تجدر الإشارة إلى أن قواعد المعاهدات يمكن أن تُصبح عرفية بعد اعتماد المعاهدة, ويفترض أن المحكمة لم تكن تقصد استبعاد إمكانية حدوث ذلك بالنسبة لبعض أحكام البروتوكول. القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني ذكرت الفتوى عدداً من " المبادئ الأساسية " . التي تشكل نسيج القانون الإنساني " , وحظر تسبيب معاناة المقاتلين بلا ضرورة, مبدأ التمييز ذكرت المحكمة أن هذا المبدأ " يستهدف حماية السكان المدنيين والأعيان المدنية ويقيم التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين " (7). بيد أنه من المهم أن المحكمة أكدت من جديد أن هذا " مبدأ أساسي " من مبادئ القانون الإنساني نظراً لأن هذا الحكم لم يرد في شكل تعاهدي إلا في المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول. وتنشأ قواعد كثيرة من هذا المبدأ تتراوح بين قواعد تحدد مركز المقاتل وغير المقاتل وحظر تجويع السكان المدنيين. حظر استعمال الأسلحة العشوائية الأثر لاشك أن هذه هي أهم قاعدة ذات صلة بالقضية موضع البحث وقاعدة لم تحلل بالتفصيل في دعوى أمام المحكمة حتى الآن (8). ويمكن أن تسبب علاقة هذه القاعدة بمبدأ التناسب اللبس بسهولة, ولذلك لابد من توخي الاهتمام عند محاولة تقييم الأسلوب الذي فسرت به أغلبية القضاة هذه القاعدة. ولم يقتص الأمر على أن المحكمة ككل تعتبر هذه القاعدة قاعدة عرفية, وقد أدرجت المحكمة هذه القاعدة في الفتوى على النحو التالي: " يجب على الدول ألا تجعل المدنيين هدفاً للهجوم مطلقاً ولابد بالتالي ألا تستخدم الأسلحة التي لا تستطيع التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية (11). وهكذا ساوت المحكمة بين استخدام الأسلحة العشوائية الأثر والهجوم المتعمد على المدنيين. وأهمية هذا البيان ليست بحاجة إلى تأكيد. وفي تلك المعاهدة فقط يوجد بيان عام لأنواع الأسلحة التي تحظرها هذه القاعدة. ثانياً فإنه بناء على منطق المحكمة يعني الحظر المفروض على مهاجمة المدنين عن قصد, ثالثاً فإن هذا البيان يعني أن أي سلاح يمكن إخضاعه للتحليل على أساس هذه المعايير وإذا اتضح أنه يعتبر انتهاكا لها, فإنه يحظر استخدامه دون أن تكون هناك حاجة لي معاهدة خاصة أو ممارسة أو حتى ممارسة لإحدى الدول تحظر استخدام ذلك السلاح المعين. ولم تذكر المحكمة أن الشرعية في أي حالة بعينها تعتمد على تقدير الدول لما إذا كان السلاح المعني يتفق مع القاعدة, ولكنها أوضحت أن المحكمة لديها الحق في أن تصدر الحكم نفسها. والحكم ذو الصلة هو المادة 51, ومن ثم فإن من شأنها أن تصيب في كل حالة كهذه, ويمكن أن تنطبق على أي من الإمكانيتين أو على كليهما العبارة المستخدمة في الفتوى وهي أن السلاح " غير قادر على التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية " . وقد يقال أن الأسلحة النووية لا تنتهك المعيار الأول, ومن بين هؤلاء القضاة حاولت القاضية هيغنز فقط في رأيها المعارض أن تقدم تعريفا للأسلحة العشوائية على النحو التالي: " يمكن استنتاج أن السلاح يكون غير مشروع بذاته إذا كان من غير الممكن توجيهه إلى هدف عسكري فقط " , وبتطبيق ذلك على الأسلحة النووية قالت: " على الرغم من الخصائص الفريدة والفائقة التدمير التي تتسم بها جميع الأسلحة النووية, وبالقدر الذي يكون فيه سلاح نووي محدد غير قادر على هذا التمييز, ولم يضف القاضي غيوم كثيراً إلى التعريف الذي قدمته المحكمة ولم يقدم أي أسباب لاستنتاجه فيما يتعلق بالأسلحة النووية في رأيه المستقل على النحو التالي: . " لا يتضمن القانون العرفي إلا حظراً مطلقاً واحداً: هو التعريف المتعلق باستخدام ما يسمى الأسلحة " العمياء " التي لا يمكنها التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية. وهو نائب رئيس المحكمة شفيبل فقد سلم بوجود صعوبة ما: " بينما لا يصعب استنتاج أن مبادئ القانون الإنساني – التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية – تحكم استخدام الأسلحة النووية, وكلاهما من قواعد القانون العرفي المسلم بها. يتعين أن نقرر مقدما أن أي استخدام للسلاح المعني سوف يؤدي إلى إصابات في المدنين أو أضرار مدنية ستكون مفرطة بالنسبة لأي هدف عسكري يمكن مهاجمته باستخدام ذلك السلاح. ولا يمكن افتراض ذلك عند البت في طبيعة أي سلاح بعينه, ويفترض هذا المبدأ مسبقا اختيار الأهداف والأسلحة من أجل تحقيق غرض معين يعتبر مشروعاً بموجب القانون الإنساني ويراعي الاختلاف بين الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية من جانب, والواقع أن مبدأ التناسب نفسه يتطلب تقييم الآثار قبل الهجوم. ولا يمكن تحقيق أي شئ من ذلك إذا كان السلاح المعني له آثار لا يمكن التنبؤ بها بالمرة, ونعود الآن إلى التقييم الذي نصت عليه الفتوى والتقييم الذي قدمه القضاة الآخرون, وعلى أساس الأدلة العلمية الغزيرة التي قدمت إلى المحكمة, قررت المحكمة في الفتوى ما يلي: " لدى تطبيق هذا القانون على الحالة المعروضة, لا يمكن للمحكمة أن تغفل خصائص فريدة معينة تتسم بها الأسلحة النووية. ولكن أيضا إشعاعات قوية وطويلة الأمد. ولا يمكن احتواء القوة التدميرية التي للأسلحة النووية لا من حيث الحيز ولا من حيث الزمن. إن لها القدرة على تدمير الحضارة كلها والنظام البيئي بأكمله على الكوكب. كما أن استخدام الأسلحة النووية سيشكل خطراً شديداً على الأجيال القادمة. وقد قيمت المحكمة في فتواها مشروعية الأسلحة النووية على النحو التالي: " بالنظر إلى الخصائص الفريدة للأسلحة النووية, فإنه يبدو أنه لايمكن إلا بصعوبة بالغة التوفيق بين استخدام مثل هذه الأسلحة واحترام هذه المتطلبات. فإن المحكمة تعتبر أنه لا يتوافر لديها عناصر كافية تمكنها من أن تستنتج بشكل مؤكد أن استخدام الأسلحة النووية يخالف بالضرورة مبادئ وقواعد القانون المنطبق في النزاع المسلح في أي حال " (18) . ونظراً لأن المحكمة وجدت أنه " لايمكن احتواء قوة الأسلحة النووية سواء من حيث الحيز أو الزمان " , وذكر ثمانية قضاة (ثلاثة منهم انشقوا على الفتوى) أن استخدام أي نوع من الأسلحة النووية من شأنه أن ينتهك قواعد القانون الإنساني, ولاسيما الإشعاع الذي يؤثر في المدنيين والمقاتلين على السواء على نحو لايمكن السيطرة عليه. فالسلاح النووي لا يمكنه التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية " (19) . ووجد الرئيس البجاوي أنه " يبدو أن الأسلحة النووية – على الأقل في الوقت الحاضر – ذات طباع يجعلها تصيب الضحايا بطريقة عشوائية, وتخلط بين المقاتلين وغير المقاتلين. وهو القانون المعني بالتمييز في استخدام الأسلحة " (20) . التي تشمل الأسلحة النووية " (21). وإذا نحينا جانباً الأساليب التي تكمن وراء الطريقة التي صيغت بها الفتوى واعتمدنا على بيانات القضاة أنفسهم, وسيكون التفسير على هذا النحو مفيدا لتقييم الأسلحة الأخرى (22) . مبدأ التناســــــب هذه القاعدة تتصل بادئ ذي بدء بالسلاح المشروع, ومن الغريب أن الفتوى لم تشر بشكل مب اشر إلى هذا القاعدة, واستند القضاة هيغنز وشفيبل وغيوم إلى هذا المبدأ في قولهم أن الآثار الجانبية للأسلحة النووية قد تكون غير مفرطة في حالات معينة. وإن كانت القاضية هيغنز قد تحدثت عن الأحوال الضرورية على النحو التالي: " أن تكون " الميزة العسكرية " متصل ببقاء الدولة نفسه أو تجنب وقوع معاناة واسعة النطاق وشديدة (سواء بسلاح نووي أو بأسلحة أخرى من أسلحة التدمير الشامل) بين سكانها, اعترف بأنه على الرغم من أنه قد تكون هناك حالات محددة لا تنتهك فيها قاعدة التناسب فإن استخدام الأسلحة النووية لن يكون متفقا في معظم الحالات مع القانون (25). حظر استخدام الأسلحة التي تسبب معاناة غير ضرورية أو أذى مفرطاً مما يبعث على الرضا أن المحكمة وصفت القاعدة العرفية التي تقضي بحماية المقاتلين من أسلحة معينة بأنها مبدأ أساسي, ويؤمل أن تؤدي هذه المعاهدة الجديدة إلى جانب الرأي الذي أعلنته المحكمة إلى إعادة التأكيد على وجود هذه القاعدة. وفيما يتعلق بالتفسير الفعلي للقاعدة, وكما هو الحال في مبدأ التناسب, يتطلب ذلك إجراء تقييم في ضوء الأحوال المختلفة. أشار القاضي غيوم والقاضية هيغنز إلى نفس الأحوال القصوى التي ذكراها فيما يتعلق بالتناسب في الإصابات والأضرار المدنية الجانبية. غير أن هناك مشكلة مع هذا النهج تتمثل في أنه على خلاف حالة التناسب, تفترض قاعدة المعاناة غير الضرورية مسبقا تقييما عاما بشأن مشروعية السلاح المعني. يمكن إجراء تقييم لأي استخدام, ولم يتم الاتفاق من ناحية المبدأ بعد على ما إذا كان ينبغي أن يجرى التقييم على أساس الغرض المزمع " العادي " من السلاح, لكنها لم تستطرد لتقييم الأسلحة النووية على أساس هذا الاختبار وقدمت الفتوى التقييم نفسه تماماً الذي أجرته لمبدأ التمييز, أي أن استخدام الأسلحة النووية " لا يمكن إلا بصعوبة " توفيقه مع المبدأ, لكن المحكمة لا تستطيع أن تقرر ذلك بصورة محددة بالنسبة لجميع الأحوال (31). إن معظم القضاة لم يتحفظوا كثيراً وقدموا تقييماً عاماً. فالقاضي فليشهاور قال إن مثل هذه " المعاناة غير المحدودة " تعد " إنكاراً للاعتبارات الإنسانية التي تكمن وراء القانون المنطبق في النزاع المسلح " (23). وقال القاضي هيرزغ إن المبادئ الإنسانية للقانون الدولي الإنساني تحظر استخدام الأسلحة النووية (34). أما القاضي شهاب الدين فقد اعترف في رأيه المعارض بأن هذه القاعدة تقتضي إيجاد توازن بين الضرورة العسكرية ومعاناة ال مقاتلين, وأنه كلما زادت الميزة العسكرية كلما زاد الاستعداد لقبول مستويات أعلى من المعاناة. غير أن الوعي العام استطاع في بعض الحالات أن يعتبر أنه لا توجد ميزة عسكرية متصورة يمكن أن تبرر المعاناة, كما كان الحال مثلاً بالنسبة للغازات السامة, التي كان يمكن أن يقال إن لها قدراً من الفائدة العسكرية. فإنه كان بوسع المحكمة أن تقرر أن استخدام الأسلحة النووية ينتهك هذه القاعدة (35). " إن النتائج المذكورة التي توصلت إليها المحكمة كان ينبغي أن تدفعها إلى أن تستنتج بلا تردد أن أي استخدام للأسلحة النووية غير مشروع بموجب القانون الدولي (36). حظـر السـم أشارت فتوى المحكمة إلى إعلان لاهاي لعام 1899, لكنها ذهبت إلى القول بأن هذه الصكوك لا تغطي الأسلحة النووية لأن ممارسة الدول أظهرت أن هذه المعاهدات غطت أسلحة تأثيرها الأساسي أو الوحيد هو التسميم أو إحداث الاختناق. ومن المؤسف أن المحكمة تعاملت مع حظر السم في سياق القانون التعاهدي وحده. شرط مارتنز هذا حكم وارد في معاهدات القانون الإنساني على جانب كبير من الأهمية, وينص شرط مارتنز على أنه في حالة عدم وجود قاعدة معينة في القانون التعاهدي, يظل المحاربون " في حمى وتحت سلطة " القانون العرفي, وهناك جدل حول ما إذا كانت " مبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام " مقاييس مستقلة وملزمة قانوناً يمكن بها في القانون قياس سلاح أو نوع معين من السلوك, وعلى هذا الأساس أكدت المحكمة أن المبادئ الأساسية للقانون الإنساني تظل منطبقة على جميع الأسلحة الجديدة, وإنما سمح بمعالجة مبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام باعتبارها مبادئ للقانون الدولي ينبغي التأكيد عليها في ضوء الأحوال المتغيرة. وقوانين الإنسانية وما يمليه الضمير العام جزءاً من المقاييس القانونية التي يجب تطبيقها إذا لم وعندما لا تغطي أحكام الاتفاقية المحددة حالات معينة. " وأشار القاضي شهاب الدين إلى أن المحكمة استخدمت " الاعتبارات الأولية للإنسانية " كأساس لحكمها في قضية قناة كورفو. واستنتج أنه فيما يتعلق بالأسلحة النووية, فإن المخاطر المرتبطة بها تعني أن استخدامها غير مقبول في جميع الأ حوال (44). ولا سيما تطور قانون حقوق الإنسان والحساسية فيما يتعلق بضرورة المحافظة على البيئة. وهذه المبادئ " أصبحت الآن متعمقة في البشرية بحيث أصبحت قواعد أساسية بوجه خاص في القانون الإنساني العام " (45). ومن رأي المؤلف الخاص أن تقييم القاضيين شهاب الدين وويرمانتري صحيح تماماً, ولا يمكن أن نقول في القانون الإنساني إن ما لم يحظر صراحة في المعاهدات أو العرف يكون مباحاً, لأن مبدأ الإنسانية وما يمليه الضمير العام يمثلان عوامل تقييدية قانونية. ولاشك أن هذه العوامل هي التي منعت الدول في الواقع من استخدام الأسلحة النووية منذ عام 1945, التهديد بانتهاك قواعد القانون الإنساني كانت فتوى المحكمة صريحة ومباشرة في سياق التهديد باستخدام أسلحة غير مشروعة: " إذا كان من شأن استخدام مزمع للأسلحة ألا يفي بمتطلبات القانون الإنساني, فإن التهديد بهذا الاستخدام يكون مناقضاً للقانون " (47). أي عدم استخدام فعلي للأسلحة النووية مع أن سياسة الردع تقوم على هذا التهديد. ولا توجد أي إشارة إلى الأساس الذي يقوم عليه هذا البيان. هل هو مبدأ قانوني عام ينطبق على معظم النظم القانونية الوطنية؟ أم أن البيان يقوم على المنطق أو ما يشجع على احترام القانون؟ هل هذا يعني أن التهديد بانتهاك أي قاعدة من قواعد القانون الإنساني غير مشروع أيضاً في حد ذاته؟ وهل هذا التهديد يعتبر انتهاكاً جسيماً إذا كان ارتكاب الفعل نفسه انتهاكاً جسيماً؟ إن القانون الإنساني لا يحظر صراحة بعض التهديدات, أو التهديد بعدم الإبقاء على أحياء (49). العلاقة بين القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي الأخرى استعرضت المحكمة عدداً من قواعد القانون الدولي, ولكننا سنقتصر لأغراض هذا التعليق على ثلاث قواعد: قانون حقوق الإنسان, قانون حقوق الإنسان أشارت المحكمة إلى أن المدافعين عن عدم مشروعية الأسلحة النووية يقولون إن هذه الأسلحة تنتهك الحق في الحياة الذي تضمنه المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, بينما يقول آخرون إن استخدام الأسلحة النووية لم يشر إليه مطلقا في ذلك الصك, وقد أكدت المحكمة أن قانون حقوق الإنسان يظل واجب التطبيق في وقت الحرب لكنها ذهبت لتبين أهمية القانون الإنساني: " من حيث المبدأ, وهي القانون المنطبق في النزاع المسلح, لأنه يعني أنه يجب استخدام القانون الإنساني لتفسير أي قاعدة لحقوق الإنسان. على الأقل في سياق تسيير الأعمال العدائية, أنه لايمكن تفسير قانون حقوق الإنسان على نحو يخالف القانون الإنساني. وعلى الرغم من أن ذلك مفهوم تماماً في سياق الحرمان التعسفي من الحياة (وهي صياغة مبهمة في قانون حقوق الإنسان, بينما يزخر القانون الإنساني بقواعد هادفة لحماية الحياة بقدر الإمكان في النزاع المسلح (51)), فإن اقل وضوحاً ما إذا كان مناسباً أيضاً لقواعد حقوق الإنسان التي تحمي الأشخاص الواقعين تحت سيطرة سلطة ما, وهذا هو الحال بصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بمجموعة قواعد تعاهدية ل حقوق الإنسان تطبق نص معاهدة ما. يشكل الآن جزءا من القانون الدولي المتصل بالبيئة " (53). وفيما يتصل بعلاقة ذلك بالقانون الدولي الإنساني مضت المحكمة لتقول إن معاهدات القانون البيئي لا يمكن أن يقصد بها حرمان الدول من ممارسة حقها في الدفاع عن النفس, وليس من الواضح تماماً إذا كانت هذه الإشارة إلى " الضرورة والتناسب " تشير إلى القيود الأكثر عمومية الكامنة في سياق قانون الدفاع عن النفس, أو إلى مبدأ تناسب الضرر الجانبي في إطار القانون الإنساني. وأنه يتعين التخلي عن الهجوم على هدف عسكري إذا كان تأثيره في البيئة يتجاوز قيمة الهدف العسكري. وهذا يعني أنه ليس من السهل القول بأن قاعدة التناسب لا تنتهك على أساس واحد هو أن الهجمات وقعت في أماكن قليلة السكان أو غير مأهولة. وقد أشارت المحكمة مع الموافقة أيضاً إلى قرار الجمعية العامة 47/37 المؤرخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1992 بشأن حماية البيئة في أوقات النزاع المسلح, ذكرت المحكمة أن هاتين القاعدتين توفران حماية إضافية وتشكلان " قيوداً قوية بالنسبة لجميع الدول التي التزمت بهذه الأحكام " (75). ويبدو أن ذلك يبين أن هذه الأحكام لا تزال تشكل قانونا تعاهديا وليس قانونا عرفيا. غير أن مؤلف هذه المقالة يرى على خلاف رأي المحكمة أن هذه الأحكام المحددة, قانون الدفاع عن النفس على مدى قرنين من الزمن على الأقل كان من المسلمات المطلقة أن القانون الدولي الإنساني ينطبق بالتساوي على جميع أطراف النزاع, وقد تأكد ذلك من خلال ممارسات الدول على مدى زمن طويل واعترفت به الكتابات القانونية على النطاق العالمي. وكانت نقطة الخلاق الوحيدة هي ما إذا كانت القيود التي ينطوي عليها قانون الدفاع عن النفس – أي الضرورة والتناسب بالمعنى العام, بالإضافة إلى القيود المحددة للقانون الإنساني. وقد أثيره هذه النقطة أثناء وضع دليل سان ريمو بشأن القانون الدولي المنطبق على المنازعات المسلحة في البحار, الذي يتضمن قسماً عن تأثير قانون الدفاع عن النفس في قانون الحرب البحرية (58). وقد احتج معظم الخبراء بأن قيود قانون الدفاع عن النفس تنطبق بالإضافة إلى قيود القانون الإنساني, وقد ذكرت المحكمة في تحليلها العام للقانون, أنها ترى أيضاً أن قيود هذين المجالين من القانون تنطبق على حد سواء: " إن إخضاع ممارسة حق الدفاع عن النفس لشرطي الضرورة والتناسب هو إحدى قواعد القانون الدولي العرفي. فإنه لا بد لاستخدام القوة بصورة متناسبة طبقا لقانون الدفاع عن النفس, متطلبات القانون المنطبق في النزاع المسلح, الذي يتضمن بصفة خاصة بمبادئ وقواعد القانون الإنساني " (60). والتي بعد أن ذكرت في الجزء الأول منها أن من شأن استخدام الأسلحة النووية أن يكون مخالفا بصفة عامة للقانون الإنساني, مضت لتقول في الجزء الثاني منها إن " المحكمة لا تستطيع أن تستنتج بصورة قاطعة ما إذا كان استعمال أو التهديد باستعمال الأسلحة النووية مشروعا أو غير مشروع في الحالة القصوى للدفاع عن النفس, عندما يكون بقاء الدول نفسه مهدداً " (61). وكما ذكر من قبل, (62) لكن مؤلف هذه المقالة لن يعلق على سبب صياغة هذه الفقرة على هذا النحو. وأن استخدامها في ظروف قصوى معينة لا يتعارض مع قاعدة التناسب أو قاعدة حظر المعاناة غير الضرورية للمقاتلين. وهو أن القانون الإنساني لا يعد يطبق في حالات معينة للدفاع عن النفس, وهذا المذهب الذي يقضي بأنه يمكن في الظروف القصوى للخطر إغفال تطبيق قواعد القانون الإنساني من أجل مواجهة الخطر, ويفترض أنه لتقييم العلاقة بين قانون الدفاع عن النفس والقانون الإنساني يكون من المنطقي بدرجة أكبر الاستناد إلى البيان الوارد في الفقرتين 41 و 42 من الفتوى, غنية بالتصريحات والتفسيرات المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني والعلاقة بين هذه المجموعة من القانوني ومجالات القانون الدولي الأخرى. وعلى الرغم من أن مؤلف هذه المقالة, فإن الفتوى ستظل ذات أهمية بسبب إسهاماتها الأخرى في تعزيز القانون الدولي الإنساني.