وعبر محطات تاريخية عديدة، محاولات ومساعي كثيرة كانت تغلب التفاهم بين الأفراد والجماعات والتنسيق بينهم على أي أمر آخر في ممارسة الحق في الوجود والدفاع عنه. وظهر واضحاً لكثيرين ان حق الإنسان في العيش، بإيجابية بناءة تشع عطاءاتها الخيرة على الناس قاطبة، عبر الحروب ووسائل الاقتتال والتدمير وإلغاء الآخر. لدى بعض النخب الإنسانية الرائدة تأكيد قيم ومفاهيم معينة تنتظم الوجود الإنساني على الصعيدين الفردي والجماعي، جهود متعددة ومتنوعة، قام بها أفراد وجماعات غير مؤسسات وتنظيمات محلية وعالمية وضعت نصب أعينها هاجس المحافظة على هذه القيم والمفاهيم، والسعي الى الدفاع عن حق كل إنسان في التمتع بها والإفادة منها. بالذات وخاصة إثر انقضاء الحرب العالمية الأولى، كانت من بين أبرز الأسباب التي دفعت بصفوة الناس الى صياغة عدد من الشرائع والعهود والمواثيق، التي شكلت فيما بينها عقوداً اجتماعية تضمن للإنسان الوجود، كذلك على احترام حقوق الآخرين في هذا المجال، وتشهد للإنسانية بمستوى عال من الرقي والسمو الحضاريين. وكان من أبرز هذه الشرائع والعهود الشرعة العالمية الحقوق الإنسان، التي صدرت عن منظمة عصبة الأمم، وكان من نتائج هذه المحاولات في المرحلة الزمنية الراهنة، بروز وعي عميق بين كثير من الأفراد والمؤسسات والهيئات الإنسانية، بضرورة انتشار السلام في العالم، وازدياد الرقي في التعامل الحضاري بين الناس. فالسلام المبني على احترام قيمة الإنسان من قبل المجتمع خير ما يجمع بين الناس، وافضل ما يوسع من آفاق رؤاهم لوجودهم الفردي كما الجماعي. ولقد أدرك من خاض غمار هذه المحاولات، في التفاهم والتنسيق الممارسة الوجود الإنساني والدفاع عنه، أن بالإمكان تحقيق نجاحات كبرى في هذا المجال، ليس على مستوى حق الأفراد والجماعات وحسب، بل على مستوى النهوض بالمجتمعات عبر تعزيز قيمة الإنسان فيها. في العقود القليلة المنصرمة من الزمن، عدد كبير من الاتفاقات العالمية التي تجمع بين الناس قاطبة في الدفاع عن حقوقهم الإنسانية في العيش وصونها وتطويرها فلئن صدر من التشريعات ما يؤكد على وجود حقوق عامة للإنسان، فثمة عهود ومواثيق وتنظيمات كثيرة أخرى صدرت تباعاً لتضمن حقوقاً إنسانية محددة، مثل تلك الخاصة بالأطفال والعجزة والمعاقين والمستين والأسرى والمساجين، ويتبين مما يرد في هذه العهود والمواثيق من موضوعات ونقاط وإشارات ما ينتظم فيما بينه حقوقاً للإنسان في مراحل عيشه المختلفة، وتنوع محطات هذا العيش في الحاضر والمستقبل، فضلاً عن تعدد علاقاته بسواه من الناس، وليس بخاف ما في هذا الاهتمام بقيمة الإنسان في المجتمع المعاصر من دلالة على ملامح رقي الوجود الذي بات هذا الإنسان يتمتع به على الصعد الجمعية كما الفردية، وعلى الغنى الحضاري والعمق الإنساني اللذين ينعم بهما مجتمعه.