حديثنا عن السماحة الأديان وآداب الحوار مع الآخر" يستوجب التعريف بمفردات هذا العنوان، وما يتعلق بها من ضروريات المسائل، المطلب الأول: التعريف بالسماحة وأهميتها الدينية والاعتراف العالمي بقيمتها : (1) السماحة - في لغة العرب - هي السهولة واللين والمسامحة المساهلة، وتسامحو تساهلوا. وسماحة الأديان أي يسرها أو سهولتها أو أربحيتها على النفس، (1) السماحة - في تعامل الناس - في حسن المعاملة باتباع معالي الأخلاق، وترك المشاحة، مانيا: أهمية السماحة الدينية ندل النصوص الدينية على أهمية السفاحة في النحاة يوم القيامة، وتحصيل حب الناس في الدنيا، وفتح أبواب الرزق فيها، والتنزه عن الشيخ والبخل الهادمين للمكارم، والتحلي بأفضل الأعمال، (۱) رجاء النجاة في الآخرة: (1) القرآن الكريم: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سلما ) (سورة الفرقان: الآية (٦٣) (ب) الحديث النبوي الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء" (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو) أيضا: حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس" (رواه أحمد والترمذي وابن حبان عن عبد الله بن مسعود). (ج) الإنجيل المقدس "طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون " (الجيل على الأصحاح ٥: الآية (٧). (۲) كسب حب الناس وتقتهم: (1) القرآن الكريم: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَا تَقْضُوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرُهُمْ فِي الأَمر فَإِذَا عَمتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّنِينَ } (سورة آل عمران : (ب) الحديث النبوي : أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم" (أخرجه مسلم عن أبي هريرة) أيضا رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس" (أخرجه الطبراني والطيالسي عن علي بن أبي طالب). (ج) الإنجيل المقدس: وصية جديدة انا اعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا، بعضكم بعضا إنجيل يوحنا الأصحاح ١٣: الآية (٣٤). (۳) فتح أبواب الرزق (1) القرآن الكريم: { وَمَن يَتَّقِ الله يجعل له مخرجًا وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يحتيب } (سورة الطلاق: (ب) الحديث النبوي: "رحم الله رجلا سمحا إذا باغ، وإذا اشترى، وإذا اقتضى (أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله). (ج) الإنجيل المقدس: أيضا كنت فنى وقد شحت، ولم أن صديقا تخلي عنه، ولا ذرية له تلتمس خيرا. (سفر المزامير ٣٧: ٢٥). (1) التنزه عن الشح والبخل الهدمين للمكارم الشح أبلغ في المنع من البخل، وقيل: البخل أن يضن بماله، والشح أن يبخل بماله ومعروفه (معالم السنن الخطابي). (1) القرآن الكريم: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَيْكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (سورة الحشر : الآية (٩). (ب) الحديث النبوي: "خصلتان لا تجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق" (أخرجه الترمذي والبيهقي عن أبو سعيد ابن الأعرابي في معجمه، والحاكم في مستدركه عن أبي أمامة)، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فيخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا" (أخرجه أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمرو). (ج) الإنجيل المقدس: "لا أحد أصبح جرما من البخيل، الأصحاح ١٠: الآية (9) (5) التحلي بأفضل الأعمال لكسب النفس واحترامها (1) القرآن الكريم: { فأصفح الصفحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلق العليم } (سورة الحجر: الآيتان ٨٥- (٨٦). أيضا: ( فأصْفَح عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (سورة الزخرف: الآية ٨٩). (ب) الحديث النبوي: قال رجل: يا نبي الله، أي العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله، وتصديق به، وجهاد في سبك، قال: أريد أهون من هذا يا رسول الله قال السماحة والصبر، الله، قال: لا تتهم الله تبارك وتعالى في شيء قضى لك به أخرجه أحمد عن عبادة بن الصامت). أهل أفسس الأصحاح ٤ : الآية (٣٢). ال الاعتراف العالمي بقيمة السماحة: اتفق العالم على أن تكون له كلمة سواء باسم الأمم المتحدة التي أنشأها سنة ١٩٤٥م، وكان من ثمارها الطبيبة اتخاذ يوم ١٦ نوفمبر في كل عام باسم اليوم الدولي للتسامح بعد أن دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة ١٩٩٦م بهدف ترسيخ قيم وثقافات التسامح والاحترام والتاخي، مظاهر التعصب والكراهية، والتمييز. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن سنة ١٩٩٥م السنة الأمم المتحدة التسامح بمبادرة من المؤتمر العام لليونسكو، حيث اعتمدت الدول الأعضاء إعلان السادي المتعلقة بالتسامح، (1) التسامح لا يعني التساهل في المبادئ، أو عدم الاكترات، (۲) التسامح يعترف بكافة حقوق الإنسان العالمية والحريات الأساسية للآخرين. (۳) الشامح ليس فقط واجبا أخلاقيا، ولكنه أيضا شرط سياسي وقانوني للأفراد، والجماعات، والدول. (٤) إنشاء جائزة لتعزيز روح التسامح واللاعنف في الأنشطة الهامة في المجالات العلمية، والثقافية، والتواصلية، وتكافئ الجائزة الأشخاص أو المؤسسات أو المنظمات التي تميزت بقيامها بمبادرات جديرة بالتقدير، وهدفت إلى تعزيز التفاهم، من التسامح واللاعنف على مدار عدة سنوات، رسمي بمناسبة اليوم الدولي للتسامح في ١٦ نوفمبر. وقد تقرر حمل تلك الجائزة اسم المانح من دولة الهند، وهو السيد "لماذا تحيت سنغ" الذي كان سفير اليونسكو للنوايا الحسنة، وفنانا وكاتبا ودبلوماسيا. المطلب الثاني: التعريف بالدين وأهميته ومصادر عقيدته المعرفية: (1) الدين - في لغة العرب - هو اسم لجميع ما تكدين به أي يخضع له ويسلم به من قولك: دان علم يدين دينا، أي خضع وسلم. كما يطلق الدين - في اللغة - على عادة الإنسان وسيرته، والدين مصدر يطلق على المفرد والجمع، فإذا جمع على أديان فالمقصود بيان تعدد أنواعه، والبيوع. (۲) الدين في استعمال أهل الكتب السماوية أو غيرها - هو الخضوع الشعائرها المعروفة، كتبها المقدسة، وفق مقتضياتها الفقهية. (۳) الدين - في العرف الإنساني، يخضع له ويسلم به؛ تعيدا وتقربا إلى المعبود في قلبه. (٤) الدين - في لفظ القرآن الكريم - هو الإسلام { إن الذين عند الله الإسلام } (سورة آل عمران: الآية (١٩)، وسلامة قلبه { عَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ، تحزنون ) (سورة البقرة: الآية (۱۱۲). ملة إبراهيم حنيفاً } (سورة النساء : ١٢٥) {وَمَن يُسلم وجههُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْكَ بالعروة الوثقى وَإِلَى اللَّهِ عَقَةُ الأمور ) (سورة لقمان: الآية (٢٢). ويلاحظ أن تعريف الدين بالخضوع والتسليم في لغة العرب أو عند أهل الكتب المقدسة أو عند الإنسان يجعله متعددا بتعدد أهل الكتب أو أهل التدين { لكوديكر ولى دين} (سورة الكافرون: الآية (1) أما تعريف الدين بأنه تسليم الوجه الله وهو محسن فيجعله وحدا عند الله، وعند الناس أجمعين. وبيان ذلك عند الله هو قوله سبحانه : { ومن يبتع غير الإسلام دينا على يقلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } (سورة آل عمران الآية (٨٥) بالتعريف المذكور، وهو الذي يتدق في معناه مع الحديث النبوي الشريف: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" (أخرجه أحمد والنسائي عن أبي هريرة وعن فضالة بن عبيد). وأما بيانه عند الناس فإنهم سيجتمعون في التحكم إلى معيار واحد يتساوون فيه جميعا، وهو إسلام كن أحد من المكلفين وجهه الله فيما يعتقد، وهو محسن". وهذا هو الإسلام الجامع للإنسانية فيما يمكن تسميته بالعدالة الدينية لكل مكلف يحتكم في معتقده الديني إلى اختياره وعلى مسئوليته الذاتية بمعيار مكفول لكل أحد وهو الطمأنينة النفس وسلامة القلب فيما بين المخلوق وخالفه، وإن ترك على تلك العدالة الدينية اختلاف الناس في معتقداتهم في ربهم؛ إذ ان مردها جميعا إلى الله المعبود، كما قال مسحانه : { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جميعاً) (سورة البقرة: الآية (١٤٨)، وأيضاء { لكل جَعَلْنَا مِنكُم بالسرعة ومنهاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمة وحدة ولكن ليسلُوكُمْ في ما اشتكمْ فَاسْتَقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تخْتَلِفُونَ } (سورة المائدة: الآية (٤٨)، وأيضا: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّبِينَ وَالصَرَبَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَى وشهيد) (سورة الحج: الآية (١٧). وبهذا يتحقق تقويض أمر الدين علم كما أمر في قوله: { وَقَتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الذين كله يلو) (سورة الأنفال: (۳۹)، وتتجدد وظيفة علماء الدين في البلاغ والبيان والنصح والتذكير مع ترك الناس وشأنهم في ربهم؛ كما هي مهمة الرسل الكرام دون أكذوبة حماة الدين وحراس العقيدة ومعبدي الناس لرب العالمين"، التي يتضحها قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وما أنت عليهم بوكيل } (سورة الأنعام: الآية (۱۰۷)، وقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْتَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيطًا إِن عَلَيْكَ إِلَّا البلع ) (سورة الشورى: الآية (٤٨)، (سورة الغاشية الأبنان (۲۱، ۲۲). ويدل على تحقق إسلام الوجه الله بالمعيار المكفول لكل أحد، وهو سلامة القلب وطمأنينة النفس - فيما يعتقد في الله - قوله تعالى عن دعاء أبينا إبراهيم الخليل صاحب تسمية المسلمين من قبل: { ولا تخربي يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليمٍ } (سورة الشعراء: الابتان ۸۷-۸۹)، وبهذا التوجيه يمكن استيعاب وصف جميع الأديان السماوية بالإسلام، كما أخبرنا القرآن الكريم عن نوح - عليه السلام - { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (سورة يونس الآية (٧٢)، وعن إسلام ملة إبراهيم التي أمر الله رسوله الخاتم أن يتبعها: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَي أَتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } (سورة النحل: (۱۲۳)، فقال عن ذرية إبراهيم: { وَمَن يُرْغَبُ عَن مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفَة نَفْسَهُ وَلَقَدْ أَصْطَفَيْتُهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّلِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَنبَى إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الذِينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ اللَّهَكَ وَإِلَهَ بَابَكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَق إِلَهَا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة البقرة الايتان ۱۳۰-۱۳۳)، الصديق : توفي مسلِمًا وَالْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } (سورة يوسف الآية (١٠١). ترجع أهمية الدين إلى حاجة الإنسان إلى إشباع روحه وعلى فراغ قلبه، بعد الموت، وملاحقتهم الإقامة العمل عليهم إذ فيهم الصالح والطالح، والمظلوم والقائم. وكل ذلك لا يعرف من علوم الطبيعة، وإنما يروى - فقط - عن طريق الوحي المنزل على الرسل والأنبياء الكرام، وبحسب ثقة الإنسان في الروايات التي تأتيه عنهم، تؤذي أحدا، فإنه يتخذها دينا فيشبع روحه، ويملأ فراغ قلبه. ثالثا: المصادر المعرفية للعقيدة الدينية العقيدة اسم مصدر من عقد يعقد عقدا، فهي عقيدة، والعقد هو الربط والإبرام والإحكام والشد بقوة والعقيدة في الاستعمال الشائع في ما اعتقده صاحبها، وهذا الاعتقاد ينتج عن مصادر معرفية، (1) الكتب السماوية المقدسة. (۲) المرويات لسن الأنبياء والمرسلين ومأثوراتهم. (۳) الشروح والتفسيرات والاجتهادات في الكتب المقدسة والمرويات والمأثورات (٤) العلم اللدني أو الباطني الذي لا يقوم على الحواس الظاهرة، الله تعالى، أو إلى الفراسة، أو إلى الرؤية المنامية. المطلب الثالث: التعريف بالآداب وأهميتها ومصادرها ومكانتها الدينية: أولا: تعريف الآداب : (1) الآداب - في لغة العرب - جمع الأدب، وهو حسن الأخلاق، وفعل المكارم، الدعاء، ومنه فين الطعام يدعى إليه الناس مادية - بضم الدال وفتحها - ومدعاة. (۲) الأدب - في الاصطلاح الاجتماعي له إطلاقات عام و خاص: أما الإطلاق العام للأدب الذي يراد عند الذكر - فهو اتحاد حسن الأخلاق، وأما الإطلاق الخاص للأدب فهو العلم المعروف باسمه، وهذا العلم - كما يقول ابن خلدون - لا موضوع له. وقد تطور هذا العلم حتى صار علما على كل ما ينتجه العقل الإنساني، (۱) احترام الإنسان لنفسه وتكريمها بحسن خلقه. (۲) تقليل الخلافات والنزاعات برياضة ضبط النفس. (۳) التعايش السلمي والقبول العام. (4) تنويب التعصب الطائفي والمذهبي (٥) الارتقاء بالأخلاق العامة إلى محاسنها ومكارمها ثالثا: مصادر الاداب : (1) الفطرة الكونية التي جبل الإنسان عليها بأصل تكريمه الخلفي حبا للرفق وكراهية للعنف. (۲) العرف الاجتماعي الذي ينشأ بالتراكم المعيشي بحكم التدافع الإنساني. (۳) الدين برسالاته التي تقوم على التقوى باتباع الأصول المرعبة في حقوق الله، والنفس، رابعا: المكانة الدينية للآداب: إذا كان الأدب هو حسن الخلق وفعل المكارم فإن الدين أدب كله. قال ابن القيم (۱۲۹۲ ١٣٥٠م): الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدير. وإذا كان الدين كله أدنا، فإن الأنبياء والرسل مثل عليا للأدب يقتدى بهم كما يقتدي اللاحق منهم سابقهم { أَوْلَيْكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فيهدتهم أقنية ) (سورة الأنعام: الآية (۹۰)، وقد قدموا للإنسانية بأخلاقهم العليا ما يهتدي به دووا الهمم من محبي الكمال البشري. وتوضح بعضا من كريم صفاتهم الأخلاقية في حق إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد (عليهم الصلاة والسلام). (1) أخلاق إبراهيم الخليل منها ما ورد في القرآن الكريم: (إن الرهيم العليم أو حبيب ) (سورة هود: الآية ٧٥)، وأيضا: ( إن الرحيم كان أنه قاينا الله صفا ) (سورة النحل الآية (۱۲۰)، وأيضا: { ولقد عانينا إبْرَاهِيمَ رَشَدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّابِي علمين ) (سورة الأنبياء: الآية (٥١). ومنها ما ورد في الكتاب المقدس: إبراهيم كان أبا عظيما الأمم كثيرة، ولم يوجد نظيره في المحد. يشوع بن سيراخ الأصحاح ٤٤: الآية ٢٠). (۲) اخلاق موسى الكليم منها ما ورد في القرآن الكريم: {واذكرى الكتب موسى الشر كان مخلصا وكان رسولا بنا (سورة مريم (۵۱)، وأيضا : ( والقيت عليك محبة منى واصنع على علي } (سورة طه: الآية (٣٩)، وأيضا: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة } (الأحقاف (۱۲) ومنها ما ورد في الكتاب المقدس: "وأما الرجل موسى فكان حليما جد أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (سفر العدد الأصحاح ١٢: الآية (٣). (۳) اخلاق عيسى كلمة الله وروح منه منها ما ورد في القرآن الكريم : وجهها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) (سورة آل عمران الآية (٤٥)، وأيضا ويُعلمه الكتب والحاكمة والتورية والايميل ) (سورة ال عمران الآية (٤٨)، وأيضا وير بوادي ولم يجعلني جبارا شقتا ) (سورة مريم الآية (٣٢)، ومنها ما ورد في الكتاب المقدس: عن السيد المسيح: "لا يخاصم ولا يصبح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، قصة مرضوضة لا يقصف، وقتيلة مدخنة لا يطفى، (4) أخلاق محمد خاتم النبيين منها ما ورد في القرآن الكريم: { وإنك لعلى خلق عظيم ) (سورة القلم: الآية )، وأيضا: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُون من الحكم عزيرُ عَلَيْهِ مَا عَتُمْ حَرِيض عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رمون رحيم } (سورة التوبة (۱۲۸)، وأيضا: ( وما أرسلت الأرحمة للعالمين) (سورة الأنبياء الآية (۱۰۷). ومنها ما ورد في الأحاديث النبوية: "إنما بعثت لأنتم مكارم الأخلاق" ( أخرجه البزار والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة، وأيضا أنتي ربي فأحسن تأديبي" (أخرجه العسكري في الأمثال، السمعاني في أدب الإملاء عن عبد الله بن مسعود). المطلب الرابع: التعريف بالحوار والجدال، والفرق بينهما، أولا: التعريف بالحوار : الحوار - بكسر الحاء - في لغة العرب اسم من المحاورة والمحاورة هي المجاوبة، ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة وتحاوروا أي تراجعوا الكلام بينهم. ومحارة، أي رجع إلى الشيء أو عنه، وكل شيء تغير من حال إلى حال فقد حار. أما الحوار - بضم الحاء وقد تكسر - فهو ولد الناقة ساعة تصنعه أمه، يعظم، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، والجمع أحورة وحيران. ثانيا : التعريف بالجدال : الجدال في لغة العرب اسم من المجادلة والمجادلة هي المخاصمة، وأصله من جدلت الحبل إذا أحكمت قتله، ثالثا: الفرق بين الحوار وبين الجدال الحوار هو المراجعة في الكلام لبيان الحجة والوصول إلى نتيجة تظهرها الحجج المتبادلة. أما الجدال فهو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالية، فالمجادل متمسك بمنطقة، رابعا: فوائد الحوار : (1) تبادل الأفكار وتفاعل الخبرات. (۲) تنمية التفكير وتنشيط الذهن. (۳) توليد أفكار جديدة. (1) التخلص من الأفكار الخاطئة أو المعلوطة. (5) المساعدة للوصول إلى الحقيقة. المطلب الخامس: التعريف بالآخر وحتمية بقائه: أولا: التعريف بالآخر : (1) الآخر - في لغة العرب هو الغير، كقولك رجل آخر وثوب آخر، وأصل الآخر آخر على وزن أفعل من التأخر، فلما اجتمعت همزتان في حرف واحد استتقلنا فأبدلت الثانية ألفا لسكونها، الأولى قبلها، وتصغير آخر أو بخر. بين "الأنا" و"الأنت بوصفها جزء تأسيسيا للوعي الذاتي. (۳) الآخر - في الثقافة العنصرية التي تستخدم الدين المصالحها السياسية - هو الإنسان غير المنتمي للجماعة المحتكرة للفرقة الناجية في الآخرة داخل اسم الدين العام في الإسلام أو الصيحية أو اليهودية أو غيرها. ويتخذ هذا الفكر العنصري لنفسه اسما خاصا - سواء في تنظيمة الممنهج، أو في تياره المرتب، أو في مذهبه المصنوع، أو في طائفته المدعومة - ليكون رأس حربة في مواجهة الآخر، وتحقيق مصالحه ومكاسبة السياسية. ولا يخفى ما في هذا الفكر المتطرف باحتكاره الحقيقة العيبية المطلقة من افتئات على الله واستعلاء على الآخر، وإثارة للعنصرية أو العصبية المقيئة التي لا تنتج عبر الكراهية والصراعات الدائمة التي لا تليق باسم دين الله، والمشغلة للإنسان عن تمنعه الروحي في مناجاة ربه، وقد بدأ هذا الفكر العنصري يعزو بعض أهل الأديان السماوية عندما أخفى المغرضون حقيقة كتبها المقدسة التي نزلت يصدق اللاحق منها السابق، وتوصفها جميعا هدى ونور ذات دلالات متعددة بجوامع كلمها ليتنافس الناس في تدينهم أفرادا مع الله - وليس في منظومة سياسية مع أنفسهم إلا من خلال توافقهم الإنساني بالقانون الذي يتوافقون عليه - مشاغبوا الوصف الكتب المقدسة علما بالدستور والقانون، واستعاروا إحدى دلالات الفاظها لصناعة المنظومة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية تقوم على تجديد أتباعها ضد الآخر، الهادية للتي هي أقوم، وهذا هو ما يعرف بتسييس الدين. ولا أمان للإنسانية إلا بعودة الجميع إلى تعويض الدين الله، اقتصادية أو سياسية منعزلة غير مندمجة شعبيا ليبقى الدين على براءته في علاقة شديدة الخصوصية بين الإنسان وبين ربه، ويسترد المؤمنون رشدهم الديني المختطف بعد تصحيح مسيرة الخطاب الديني من الوصاية أو الإدارة إلى التقفيه أو التعليم، والتراحم والمحبة دون تمييز بجنس أو دين. ثانيا: حتمية بقاء الآخر: كل شيء في الحياة يؤكد التنوع والاختلاف بين البشر مع انتمائهم جميعا الأصل واحد وقطرة إنسانية واحدة، فلا ترى إنسانا يشبه الآخر، غيره التابعين، أو من غيره المتبوعين، خاصة في الدين. و هيهات هذا التمني المخالف للاموس الخلق الحاكم بأن لكل إنسان بصمته الدينية الخاصة، في منافسة أئمته على أعلى درجات إخلاص النية وسلامة القلب وبراءة الذمة وطهارة اللسان وأداء الأمانات التي يلقى بها ربه. فلا يسع أحد منصف عاقل إلا أن يعترف بوجود الآخر وبقائه، القرآن الكريم قوله تعالى: { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة وحدة ولا يزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وبذلك خَلَقَهُمْ ) (سورة هود الآيتان (۱۱۸-۱۱۹)، واختلاف الديكم والونكم إن في ذلك لانت العالمين } (سورة الروم: الآية (٢٢)، المقدس: "إذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء وصنع من دم واحد كل أمة مِنَ النَّاسِ يَسكنُونَ عَلَى كُلِّ وجه الأرض، وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم، لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسوله فيجدوه، واحد منا ليس بعيدا" (سفر أعمال الرسل الأصحاح ١٧: الآيات (٢٥-٢٧).