السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، كلمة السنة في اللغة تطلق على السيرة والطريقة. 1 وفي الاصطلاح الشرعي: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. من خلال تعريف السنة يتبين لنا أنها تنقسم إلى عدة أقسام، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات . ".3 ب – السنة الفعلية : وهي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال، أو ظهر منه ما يدل على استحسانه والرضا به، إقراره صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه حينما أكل الضب أمامه ولم ينكر عليه، لقد اكتسبت السنة النبوية حجيتها من القرآن الكريم ذاته الذي هو حجة الله على عباده، وإليك بيان شيء منها: الوجه الأول: إخبار القرآن بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق في أمور التشريع إلا بالوحي. قالاللهعزوجل:{َوَماَيْنطق َعناْلَهَوىإْنهَوإالاَوْحٌييوَحى َعلاَمه َشديداْلقَوى ذو م ارة فَا ْستَ َوى َوه َو با ْلأفق ا ْلأَ ْعلَى} [النجم: 3- 4] فالله سبحانه وتعالى يخبر أن كلمانطقبهنبيهصلىاللهعليهوسلم–فيأمورالتشريع–هووح ٌيمنه سبحانه إليه، قال ابن حزم رحمه الله:" لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع؛ الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} "5 وهناك أمو ٌر نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهادا منه، وهذا الاجتهاد قد أذن الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ح ٌق أيضا إذا أق اره الله سبحانه على هذا الاجتهاد، قال ابن عثيمين رحمه الله:" {وما ينطق عن الهوى} أي: لا يتكلم بشيء صادر عن الهوى بأي حال من الأحوال، وما اجتهد به صلى الله عليه وسلم اجتهاداً يريد به المصلحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتكلم عن هوى، قال تعالى: {لَقَ ْد َم ان االلَّ َعلَى ا ْلم ْؤمني َن إ ْذ َب َع َث فيه ْم َرسو ًلا م ْن أَ ْنفسه ْم َيتْلو َعلَ ْيه ْم آ َياته َوي َزكيه ْم َوي َعلمهم ا ْلكتَا َب َوا ْلح ْك َمةَ َوإ ْن َكانوا م ْن قَ ْبل لَفي َض َلال مبين} [آل عمران: 164] قال ابن كثير رحمه الله:" َوقَ ْوله تَ َعالَى: { َوي َعلمهم ا ْلكتَا َب} َي ْعني: ا ْلق ْرآ َن { َوا ْلح ْك َمةَ} َي ْعني: السناةَ، قَالَه الحسن َوقَتَا َدة، َومقَاتل ْبن َح ايا َن، َوأَبو َمالك َو َغ ْيره ْم. 7 يقصد رحمه الله: أنه لا منافاة بين القولين، لأنه بالسنة يكون الفهم الصحيح والتطبيق السليم للدين. َو َي ْعني با ْلح ْك َمة: َما أوح َي إلَى َرسول االلَّ َصلاى الله َعلَْيهَوَسلاَممْنأَْحَكامَدْين االلَّ، لأن الق َرآن ذكر وأتْب َعتْه الحكمة، وذك َر الله َمناه على َخ ْلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، وحتام على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول وذلك أ ان الله َج َع َل الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم مقروناً بالإيمان به سبحانه وتعالى". الوجه الثالث: الآيات الكثيرة في كتاب الله عز وج َل والتي فيها الأمر بطاعته صلى والتحذير من مخالفة أمره. أولا: قوله تعالى: { َيا أَي َها الاذي َن آ َمنوا أَطيعوا االلَّ َوأَطيعوا ال ارسو َل َوأولي ا ْلأَ ْمر م ْنك ْم َ فَإْنتَنَاَزْعتْمفي َشْيءفَردوهإلَى االلََّوالارسولإْنكْنتْمتْؤمنوَنبااللََّواْلَيْوماْلآخر ذَل َك َخ ْي ٌر َوأَ ْح َسن تَأْوي ًلا} [النساء: 59] أ / ففي هذه الآية يأمر الله تعالى جميع المؤمنين - سواء من كان منهم في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من يأتي بعد زمانه - بطاعة الله عز وجل وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد نقل ابن جرير الطبري في تفسيره عن عطاء بن أبي رباح تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قوله تعالى:{أَطيعوا االلَّ وأَطيعوا ال ارسو َل} النساء:59]قَاَل:" َطاَعةالارسول:اتَباعاْلكتَابَوالسناة"10 10 انظر: جامع البيان للطبري ( 7 / 175 ) 11 انظر: تفسير ابن كثير ( 2 / 345 ) َسَواٌءَكاَنَماأََمَربهفياْلكتَابأَْو فَإناه أوت َي ا ْلكتَا َب َومثْلَه َم َعه ". 12 والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته صلى الله عليه وسلم، قال ميمون بن مهران رحمه الله:" " ال ارد إلَى االلَّ: ال ارد إلَى كتَابه, فَإ ْن قَ َب َضه االلَّ إلَ ْيه فَال ارد إلَى السناة "13 قالابنالقيمرحمهالله:"َوأَْجَمَعاْلمْسلموَن َعلَىأَانالارادإلَى االلَّ-سْبَحانَه-هَوالارد إلَىكتَابه، 14 ج / وتدل هذه الآية الكريمة أيضا على ضرورة أن تكون السنة محفوظة، إذ كيف يأمرنا الله عز وجل بالرجوع إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وسنته غير محفوظة ؟! 13 انظر: جامع البيان للطبري ( 7 / 186 ) 14 انظر: إعلام الموقعين لابن القيم ( 1 / 174 ) فهي التي جاء نَص الآية بالرد إليها ". 15 ثانيا:ومنهذهالآياتأيضاقولهتعالى:} َوَماآتَاكمالارسولفَخذوه َوَمانََهاكْم َعْنه فَا ْنتَهوا واتاقوا االلَّ إ ان االلَّ َشديد ا ْلعقَاب} [الحشر: 7] 16 وقالابنحجر:"أَْي:َوَماأََمَركْمبهفَاْفَعلوه، لأَناهقَاَبلَهبقوله}َوَمانهاكم َعنه فَا ْنتَهوا{17 وهذه الأوامر والنواهي هي ما جاء في السنة النبوية، قال الشوكاني رحمه الله:" َوا ْل َحق أَ ان َهذه ا ْلآ َيةَ َعا امةٌ في كل َش ْيء َيأْتي به َرسول االلَّ َصلاى االلَّ َعلَْيه َو َسلاَممْنأَْمرأَْونَْهيأَْوقَْولأَْوفْعل، طبعة: دار الكتب المصرية – القاهرة وانظر أيضا: التحرير والتنوير لابن عاشور ( 28 / 87 ) 17 انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر ( 8 / 630 ) طبعة: دار المعرفة – بيروت. فَقَالَ ْت:أَ َش ْي ٌءتَجدهفيكتَابالله، قَا َل: فَ َه ْل َو َج ْدت فيه: { َما آتَاكم ال ارسول فَخذوه َو َما نَ َهاك ْم َع ْنه فَا ْنتَهوا} [الحشر: 7] ، قَالَ ْت: نَ َع ْم. قَا َل: فَإني َسم ْعت َرسوَلالله َصلاىالله َعلَْيه َو َسلاَم"نََهى َعْنالناام َصة َواْلَواشَرة َواْلَواصلَة َواْلَواشَمة إ الا م ْن َداء ". 20 لقَد نزل هذا القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث وعشرين سنة، وكان هذا العمر الطويل من البعثة حتى الوفاة هو الظرف الزماني لتنزل هدايات هذا القرآن الكريم، ولا شك أن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وأحواله هي البيان الأمثل للقرآن الكريم، َوَبَيان 19 " دفتي المصحف " أي: الغلافين اللذين يكونان من جانبيه. 21 وقال القرطبي رحمه الله:" (لت َبي َن للنااس َما نز َل إلَ ْيه ْم) في َهذَا ا ْلكتَاب م َن ا ْلأَ ْح َكام َوا ْل َو ْعد َوا ْل َوعيد بقَ ْول َك َوف ْعل َك، 22 ولولا رجوعنا إلى السنة لما استطعنا فهم هذه الآيات وتطبيقها على الوجه السليم ! ألا وهي عبادة الصلاة التي أمرنا الله عز وجل في كتابه بإقامتها، ولنطرح بعض الأسئلة: كم عدد الصلوات المفروضة في اليوم والليلة؟ وكم عدد ركعات كل صلاة؟ وما هي صفة الصلاة؟ وما الذي يقوله المصلي في قيامه وركوعه ورفعه من الركوع وسجوده وجلوسه وتشهده؟ وما ذا يفعل المصلي إذا سها في صلاته؟ وما هي الصلوات الجهرية والسرية؟ وما هو وقت دخول وخروج كل صلاة؟ وقبل هذا ما هي صفة الأذان والإقامة؟ وما ذا عن الصلوات الأخرى غير المفروضة مثل السنن الرواتب والصلوات التي يشرع لها الجماعة كصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ؟ كل هذا لا نجده إلا في السنة، وإذا نظرنا أيضا في كثير من أبواب الدين الأخرى كأبواب المعاملات المالية وأبواب أحكام الأسرة وأبواب الحدود والجنايات وغير ذلك؛ نجد أن هناك كثيرا من 21 انظر: تفسير البغوي ( 3 / 80 ) تحقيق: عبدالرزاق مهدي، تَْقَرأفياثْنَتَْين؟أََرأَْي َتلَْووكل َتأَْن َت َوأَ ْصَحابَكإلَىاْلقْرآنأَكْنَتتَجدالاطَواَفباْلَبْيت َسْبًعا، ثام قَا َل:أَ ْيقَْوم، َو االلَّإالاتَْف َعلوالَتَضل ان"وفيروايةأنهقال:"أََرأَْي َت لَْوأَتَْيَتأَْنَتَوأَْصَحابَكاْلقْرآَن، َوالَيدمْنأَْيَنتْق َطعأَمْن َهاهنَاأَْممن َهاهنَاأَْممْن َهاهنَا, - َ و َ و َض َ ع ي َ َ د ه َ ع ل َ ى َ م ْ ف ص ل ا ْ ل َ ك ف َ و َ و َض َ ع َ ي َ د ه ع ْ ن َ د ا ْ ل م ْ ر ف َ ق َ و َ و َض َ ع َ ي َ د ه ع ْ ن َ د ا ْ ل َ م ْ ن ك ب - اتابعوا َحديثَنَا َما َحادثْنَاكْم, فيه تعطي ٌل لأكثر الأحكام الشرعية، وهو ضلا ٌل مبي ٌن وخرو ٌج عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دلائل كون السنة وحيا من الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن أناس يأتون من بعده، 24 أخرجه الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية ص ( 16 ) وأخبر أنهم يشغبون على السنة، ويثيرون الشبهات حول حجيتها، وقد حصل ما حذر منه الصادق المصدوق، المؤ ايد بالوحي صلى الله عليه وسلم، 26 أي: لا أجدن. حديث رقم (4605 ) 29 ويشكل معناها على بعض الصحابة، 29 أخرجه الترمذي في سننه، ثالثا: سنة مؤسسة لأحكا ٍم لم تذكر في القرآن الكريم. بما أنه صلى الله عليه وسلم مؤ ايد بالوحي من ربه، وبما أنه لا ينطق عن الهوى، الأخذ بالسنة التي تأتي بأحكام لم تذكر في القرآن، ومن ذلك: توريث الجدة للسدس من المال، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي عليها عمل المسلمين عبر القرون. المبحث الرابع: معايير وشروط الحديث الصحيح. وتبين لنا ضرورة الرجوع إليها؛ برقم ( 4776 ) 31 أخرجه البخاري في صحيحه، 110 ) ومسلم في مقدمة صحيحه، ولقد كان هذا التوجيه النبوي ونحوه من التوجيهات هو الداف َع لهم على تدوين السنة النبوية وكتابتها وجمعها ومعرفة أحوال رواتها ووضع قواعد هذا العلم الشريف، علم مصطلح الحديث. فقد روى الإمام مسلم رحمه في مقدمة صحيحه عن م َجاهد بنجبررحمهاللهأنهقال:" َجاَءبَشْيٌراْلَعَدويإلَىاْبن َعاباس، فَ َج َع َلاْبن َعاباس َلا َيأْذَنل َحديثه–أيلايصغيلحديثه- َوَلا َيْنظرإلَْيه، فَلَ اما َرك َب النااس ال اص ْع َب، وعدم قبول الخبر إلا بعد معرفة ناقله. وروى مسلم أيضا في مقدمة صحيحه أخبارا أخرى تدل على هذا المعنى الذي ذكرناه، ومن ذلك: - َعْنمَحامدْبنسيريَنرحمهاللهأنهقَاَل:"إان َهذَااْلعْلَمديٌن، فَيْن َظر إلَى أَ ْهل السناة فَي ْؤ َخذ َحديثه ْم، وهو مع هذا يقول هذا الكلام وينقل لنا أنهم كانوا لا يقبلون الرواية إلا بعد معرفة إسنادها والتأكد من عدالة ناقليها. والحديث عن اهتمام العلماء بجمع السنة وكتابتها، ولكن نذكر في هذا السياق – على سبيل الاختصار - الشروط والمعايير التي من خلالها نحكم على الحديث بالصحة والقبول، والمراد بالعدالة: استقامة سلوك الإنسان في الظاهر، وتقواه لله عز وجل، واشترط الله في الشهود أن يكونوا عدولا، 32 انظر: مقدمة صحيح مسلم ( 1 / 12 – 15 ) 33 يوصى الطالب بالرجوع إلى كتاب تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره، ويمكن للطالب مراجعة كتاب نزهة النظر في شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر رحمه الله. لا يكفي أن يكون الراوي عدلا مستقيما في دينه، بل لا بد أن يكون الراوي من أهل الضبط والحفظ والإتقان، متمكنا من استحضاره متى شاء. ب- ضبط كتاب: بأن يصون الراوي الكتاب الذي دون فيه الرواية، ويحفظه عنده إلى أن يؤد َي الرواية على وجهها الصحيح. وإذا وصف الراوي بعدم الضبط، فإن حديثه في حكم المردود. أَ ْو م َوافقَةً لَ َها في ا ْلأَ ْغلَب َوا ْلم َخالَفَة نَاد َرة؛ َع َر ْفنَا حينَئذ َك ْونَه َضاب ًطا ثَ ْبتًا، والمراد بذلك أن نتأكد أن كل راو قد سمع الرواية من الراوي الذي فوقه، وهكذا حتى يصل إسناد الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى من دونه من الصحابة والتابعين. سواء كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أي: 36 ولا يمكن أن تقبل رواية ليس لها إسناد، وقد تقدم معنا قول عبدالله بن المبارك:" اْلإْسنَادمَنالدين، َولَْوَلااْلإْسنَادلَقَاَلَمْن َشاَءَما َشاَء". 37 وإذا كان هناك انقطاع في السند – وهذا الانقطاع له صو ٌر كثيرة – فإن الأصل في أو مخالفة الثقة لرواية الثقات. ومع هذا فإن روايته إذا كانت مخالفةً لرواية من هو أحفظ وأضبط منه، ومن هؤلاء الباحثين ( أسد رستم ) وهو باحث لبناني نصراني توفي في عام ( 1965 م ) حيث يقول في كتابه مصطلح التاريخ:" وأول من نظم نقد على الرغم من مرور سبعة قرون عليها، صفحة ( 39 ) طبعة: مركز تراث للبحوث والدراسات – مصر. مثل كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري وكتاب شرح النووي على صحيح مسلم وكتاب تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي وغير ذلك من الكتب. ما الذي يترتب على صحة الحديث؟ يجب قبوله والعمل به، ومما تستدعي الضرورة التنبي َه إليه؛ أ ان القول بالتفريق بين العقائد والأحكام، قو ٌل مبتدع لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، بل الحديث الصحيح حجةٌ بنفسه،