تتشكل هذه القصيدة للشاعر المهجري الشهير إيليا أبو ماضي من خلال صوتين متجادلين: الصوت الأول ينتمي للذات الشاعرة والصوت الثاني ينتمي للإبريق. ومن المعروف أن الإبريق له شكل يوحي بالاعتزاز الشديد بالذات من خلال شموخ أنفه. فرغم الشبه بينهما من الناحية الشكلية حيث تستدعى صورة الإبريق صورة الديك في ذهن الذات الشاعرة فإن الفروق بينهما شديدة الوضوح. والشاعر يثبت اعتزازا كبيرا للإبريق يفوق اعتزاز الديك بنفسه على الرغم من أن الإبريق لايملك ريش الديك الذى تضاعف كالزغف في شكل فنى شديد الروعة. كما أن هذا الإبريق الذي يحمل اعتزازا بنفسه يفوق اعتزاز الديك بنفسه لا يملك صوت الديك الذى يصدع الدجى ويكون مؤذنا برحيل الظلام ومجئ النور مكانه. ولكن الذات الشاعرة لا تسلم بهذه الحجة أيضا، ويستخدم أسلوب الاستفهام لكي تقر الذات الشاعرة بهذه الحقيقة. أما بالنسبة للماء فلولا الإبريق لما وقف هذا الماء، وهنا تنتهي القصيدة بهذه الصيغة الحاسمة من الذات الشاعرة، وينتهي صوتها عند هذا الحد بعد أن نكون قد دخلنا مع هذه البنية الحوارية إلى عالم أكثر حكمة واعتدالا وبعدا عن التكبر والصلف. وقد بدت الصور متراوحة بين عالم الإبريق وما يحمله بداخله من ماء ومنظره الشديد الاعتزاز بنفسه وعالم الإنسان وما فيه من تكبر وصلف وغرور. وقد وقع عالم الديك وهو ينتمى إلى عالم الطيور بين العالمين، أي بين عالم الجماد من ناحية وعالم الإنسان من ناحية أخرى. وقد كانت البنية الموسيقية ذات وضوح بارز فى الأبيات السابقة، وبنية الاستثناء على نحو ما نجد في قوله وما أنت إلا كالأباريق كلها، فقد تحركت الدلالة عبر ثلاث مراحل فى هذه القصيدة بدت المرحلة الأولى من خلال تعجب الذات الشاعرة الكبير من غرور وصلف هذا الإبريق الذى شمخ بأنفه عاليا ولم يأنف في الوقت نفسه من أن تمسه أيدي الأدنياء، وتتحرك الدلالة إلى عملية مقارنة لافتة بين الإبريق من ناحية والديك من ناحية أخرى، ويبدو فقرعالم الإبريق واضحا ليس فيه ما يلفت الانتباه، بعد أن جرده الشاعر من كل حججه التي يثبتها لنفسه.