شقت الرواية العربية طريقها بصعوبة لأنها تمردت على الصيغ المباشرة وبها استبدلت صيغا مجازية لم تكن معروفة ، ولطالما تباينت المواقف الاجتماعية من التمثيل المباشر للعالم ومن التمثيل المجازي له ، بتقديرها وعلا شأنه ، وقد ورثت ذلك عن المرويات السردية التي قوبلت بازدراء من قبل الثقافة الدينية ، لخفض قيمة هذه الكتابة الجديدة ، فإلى جواره ظهرت مواقف نقدية نظرت إلى وتعسفت في تقديم تـفـسـيـر أدبي ، حاول «العقاد» (18۸۹-1964) الانتقاص من قيمة الرواية ، فلا تستحق إلا أن تدرج في منطقة الأدب الرخيص ، فقال : «لا أقرأ قصة حيث يسعني أن أقرأ كتابا أو ديوان شعر ، الـبـيـان المنثور» . ويعود ذلك إلى الأداة الفنية والمحصول الذي يخرج به المتلقي والطبقة التي تشيع فيها الآداب ، الآداب الأخرى ، إلى ذلك فالذوق القصصي شائع ، فيما الذوق الشعري نادر ، «فليس أشيع من ذوق القصة ، وليس أسهل من تحصيل ذوق القصة ، ولا أصعب من تحصيل الذوق الشعري الرفيع حتى بين النخبة من المثقفين»(١) . ثم قرر بصرامة لا تقبل المراجعة «أن الغاية ولم يصدق هذا القول على الغاية القصوى من القصيد»(۲) وترك آراء في هذا المجال ، وهي أسباب جرى التلاعب فيها دونما إقناع لتجعل الرواية عملاً مبتذلاً ، ليخرج من الحكم الـفـردي إلى الحكم العام ، لأنها لا تعد ، بأي شكل من الأشكال ، الـتـقـدير ، إذ هي في الدرك الأسفل من عالم الأدب ، فلا يجوز الاعتراف بها شكلاً أصيلاً من أشكال الأدب ، الاستغناء عنها ، اصطنع الرواية ، ويثير هذا مجال الأدب ، نخبة من المجددين شـاعـرا وناقدا ، الرواية ، يتوخاها القارئ من الرواية ، ومن وتعد هذه النظرة القاصرة دليـلاً على ضيق أفق صاحبها ، فهو ينطلق من التصور التقليدي الذي فرض وظائف ولا يغفر له عدم معرفته بالتراث القريب للرواية العربية في زمنه ، لكن «العقاد» في السبب الثالث ، حينما وهو حكم عبر وفيه استعاد الموروث وأخـيـرا أدخل «العقاد» عامل الذوق ، فقرر أن ذوق الروائيين دون ذوق الشـعـراء ، وهذا من المزاج الـنـقـدي الذي يعـجـز عن لمس طرائق تلقي الآداب . الـتـلازم بين الأسباب التي وضعها «العـقـاد» للحط من شأن الرواية فـيـه افـتـعـال واضح وكان من الرسوخ في وعيه إلى درجة أن أكثر من سبعة عقود من تطور الرواية العربية لم يزحزح لديه ركائز ذلك التصور . لكن «زكي مبارك»(١٨٩٢-١٩٥٢) وهو معاصر لـ« العقاد» ومناظر له في اهتماماته الأدبية ، وسع مجال الانتقاص بالحط من الروائيين جملة ، فقد نقل الدنيا من الأدباء ، وأنه من النادر أن يكون من بينهم من ظفر بثقافة أدبية وافية تتيح له أن يكون ذا رأي خـاص أو أسلوب طريف ، الأجنبية ، الأدب ، الحقيقي ، يمكن أن يجد سبيله في فنون أخرى كالرسالة والـقـصـيـدة ، وأنه من الخطأ أن نقيس الأدب العربي على أدب الإنجليز والفرنسيس ، عنها»(١) . وعلق «جيب» على ذلك بقوله : إن «نظرة الازدراء التي كان يقابل كانت ما تزال متحكمة وقد كان لها أعظم الأثر في إعاقة تطور القصة الرواية) كلون من ألوان الأدب العربي»(٢) وقد علم أني أهم بوضع رواية أعالج كتابتها ، مركزك الأدبي . . وكان صديقي كلما لقيني بعد ذلك وعرضت مناسبة يسألني عن الرواية : ألا أزال مصرا على وضعها ، أزيد ، فيهز رأسه أسفا مشفقا ، وتفيض نفسي بحبه وشكره على رأيه في أدبي ، وأنا على إصراري»(1) والانتقاص من شأنها ، وهو سليل عائلة ثقافية معروفة ، وقد يشفع للصديق كونه نكرة لم تتعرف ، ضرب المثل للاعـتـبـار ، ولكن ما بال «الرافعي» (۱۸۸۰- 1937) أحـد أكـثـر المثقفين العرب حضورا في الثقافة العربية في النصف الأول من القرن العشرين ، فهذا الحكم يتخطى حدود التمييز بصـورة كاملة ، فلا يخصص نمطا من الروايات ، إنما وشأن «هيكل» كان كشأن «عبد العزيز البشري» (1886-1943) يتحرج من ممارسة الكتابة القصصية لأنه كان قاضيا(۳) فتجنب مشقة النظر إليه روائيا ، وقد كان يعمل في القضاء الشرعي حيث لا يجوز له إلا الحكم بالحق . على أن الأمر الذي فاق أي تفسير ، هو موقف «توفيق الحكيم» (۱۸۹۸- تصور الإنسان في حياته ، خدش وبعد مرور نحو مئة عام على صدور أول رواية عربية ، إلى أدب وقصة ، المعرف ، فيما الأدب هو النكرة التي نجهل موقعها طبقا لتقسيمه . فرأى لأنها تصور الإنسان في حياته ، وفي هذا يدعم ومغزاها ووظيفتها ، وطرفها الثاني الشعر ويعبر عن