المبحث الأول: تعريف الرواية: جاء في معجم الوسيط (روی) على البعير ريا استقى وَالْقَوْمِ وَعَلَيْهِم وَلَهُم استقى لَهُم المَاء وَالْبَعِير شدّ عَلَيْهِ بِالرَّوَاءِ وَيُقَال روى على الرجل بِالرَّوَاءِ شده عَلَيْهِ لِئَلَّا يسقط من ظهر البعير عِنْد غَلَبَة النوم والحديث أو الشعر رِوَايَة حمله ونقله فَهُوَ راو (ج) رواة وَالْبَعِيرِ المَاء رِوَايَة حمله ونقله وَيُقَال روى عَلَيْهِ الْكَذِب كذب عَلَيْهِ وَالحبل ريا أنعم فتله وَالزَّرْعَ سَقَاهُ (روي) من الماء ونحوه ريا وَرُوِيَ شرب وشبع وَيُقَال روى الشجر والنبت تنعم فَهُوَ رَيَّان وَهِي ريا وريانة (ج) رواء (أرواه) جعله يروى وَفُلَانًا الحديث والشعر حمله على روايته (الراوية) مؤنث الراوي والمستقي ومن كثرت روايته (وَالتّاء للمُبَالَغَة) والمزادة فِيهَا المَاء وَالدَّابَّةِ الَّتِي يستقى عَلَيْهَا (الرواية) الْقِصَّة الطويلة (محدثة). وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ترووا شعر حجية بن المضرب فإنه يعين على البر". فأنا راو في الماء و الشعر من قوم رواة و رويته الشعر تروية أي حملته على روايته ، و تقول أنشد القصيدة يا هذا و لا تقل ! أروها إلا أن تأمره بروايتها أي باستظهارها. ولعلها باختلافها ذاك لا تقربنا إلى ماهية الرواية بقدر ما تصعب عملية الاقتراب تلك . فما سبب هذا التعدد الدلالي؟ هل يرجع إلى مجرد اختلاف في النظر إلى المفهوم؟ ا نعتقد ذلك؛ إذ لعل السبب الأصلي يرجع إلى اختلاف في ما صدق المفهوم ذاته، حيث إن هذا الماصدق لا يثبت على حال حتى يقبل الاتفاق في وسمه ووصفه . رغم اختلافهم في تحديد مدلولها ؛ تجدهم متفقين على الاعتراف بحراكها وتغير بنيتها. وقد يكون ابسط تعريف لها هو أنها : فن نثري تخيلي طويل نسبيا، لدى نهاية المطاف شكلا ادبيا جميلا يعتزي الى هذا الجنس الحظي، وتعريف عزيزة مريدان: هي أوسع من القصة في أحداثها وشخصياتها، من أوفى واشمل تعاريف الرواية. وهناك تعريف اخر: بأنها جنس أدبي يشترك مع الأسطورة و الحكاية في سرد أحداث معينة، وتعطي مساحة للكاتب بالتعبير عن الاحداث والمشكلات وحتى الشخصيات، قد تبدأ بقراءة رواية وعمر أحد الابطال في العشرين وتنتهي وهو في الثلاثينات. وتتعدد تعاريف الرواية لذا نجد انه من الصعب ان نحصر الرواية بتعريف واحد او أثنين. المبحث الثاني: هل الرواية فن قديم ام جديد: ظهرت الرواية في بداياتها عند العرب بأشكالها القصصية المحددة في الاحداث والتحول والتصوير والزمن، وان كانت لها دلالات أخرى قد تكون ذات صلة قريبة او بعيدة بتلك الدلالات المستحدثة الجديدة. وتقول: انشد القصيدة يا هذا ولا تقل ارْوها الا ان تأمره بروايتها أي باستظهارها. في حين يرى بعض الباحثين ضرورة البحث عن أصول الرواية العربية غير النقل والترجمة عن الادب الغربي، وعندئذ سيكون من المعتذر عن التفكير العلمي ان يقبل ما يسرده الكثيرون من ان هذا الفن مستحدث في أدبنا العربي, نقلناه مع من نقلنا من صور الحضارة الغربية وقلدناه محاكيين ما نلقاه, ومن الجهود التي بذلها الباحثون لتأصيل هذا الفن بمحاولة إيجاد جهود تربطه بتراثنا العربي بما فيه من فائدة أدبية فكرية، ومن الذين يرون ان الرواية فن عربي أصيل فاروق خورشيد في كتابه ( في الرواية العربية - عصر التجميع ) إذ يشير إلى أن الشواهد تدل على أن الأدب العربي عرف القصة في مختلف عصوره، ففي العصر الجاهلي كانت لهم قصص كثيرة وكانوا مشغوفين بالتاريخ والحكايات التي تدور حول أجدادهم وملوكهم وفرسانهم وشعرائهم وكتاب الأغاني خير شاهد، عبر التاريخ العربي كما تخيله البعض مثل (التيجان) لوهب بن منبه الذي يعبتر المرجع لكثير من الروايات العربية التي تلت عصره . وقد تأثروا بما نقلوه عن الأمم الأخرى مما امتلأت به كتب الأيام والأخبار وقد نظر إليها الدارسون المحدثون من زاوية تاريخية محضة، ولم ينظروا إليها من الزاوية الفنية كقصة الزباء المروية عن هشام بن محمد الكلبي وذلك لورودها في كتب الأدب كالأغاني والعقد الفريد والأمالي. وقد استدل الباحث على أصالة الفن القصصي لدى العرب بما ورد في القرآن الكريم من قصص إذ أشار إلى أنه إدراك لخطر القصة وأثرها في نفوس العرب مما يدل . على رسوخ هذا الفن في تراثهم ومن كبار القصاصين وهب بن منبه وكعب الأحبار وكتاب الأول التيجان شاهد على ميراث القصة عند العرب كانت تحظى بالمقام الأول، غير أن التراث القصصي العربي الذي توافر في جانب منه خصائص فنية وقيم جمالية أضافت إلى التراث الإنساني في هذا المجال يظل حقيقة مائلة ولا يضهرنا في شيء أن تكون الرواية الحديثة مختلفة في تقنيتها عما ورثناه ، وبالتالي فليس ثمة قضية تقتضى أن نحتشد لها هذا الاحتشاد فأصحاب الرأي الثاني الذين يرون خلاف ما يرى الفريق الأول لم يتنكبوا طريق الصواب ، المبحث الثالث: الرواية ونشأتها في الأدب العربي: وبعد العصر العباسي وبداية الحكومة العثمانيّة وبعده في القرون الثلاثة التي سيطر عليها الحكم التركي على مصر ( أغلقت المدارس بل هدمت وانتهت …وتعطلت الحركة الأدبية، ليس وراءه أي صدق إحساس أو فنية تعبير … وقد كان أغلب النتائج الأدبي لتلك الفترة تدور حول المدائح النبوية والأمور الإخوانية والمراثي الباردة والمواعظ المباشرة…). وهنا اختلاف طرق وأساليب عيش قديمة مما أدى هذا الاختلاف الى اختفاء بعض الاجناس الأدبية، وقد اخذت الر واية ابعادا متشابكة في نشأتها وتطورها عبر مختلف الأمكنة والازمنة. مراحل نشأة وتطور الرواية في المشرق العربي: قطعت الرواية العربية شوطا كبيرا في الأدب العربي –خاصة بمصر حيث ولدت- ويمكن القول أنها مرت بمراحل ، و أطلقت عليها مرحلة (التحول و الاستكشاف) و تبقى مرحلة ما بعد1967م و هي مرحلة التجديد والاستمرار. فالطنطاوي كان سابق عصره وزمانه متقدما في نظرته إلى السياسة والديمقراطية و المرأة والعلم اكتفى بنقل ما رآه في فرنسا إبان الثلث الأول من القرن الماضي. و الغريب أن هيكل لم يجرؤ علي أن يضع اسمه عليها " كما انه لم يطلق عليها لفظ رواية و لكنه نشرها على اعتبار أنها " مناظرة و أخلاق ريفية "بقلم ( مصري فلاح) و لم يفعل ذلك إلا بعد أربعين عاما على كتابته للرواية حين تقديمه لروايته الثانية ( هكذا خلقت)، وكذلك من رواد هذه المغامرة الروائية " محمود خيرت " في ( الكنز المصري 1932م) و محمد عفيفي شاهيب (ضياء 1929م) و محمد رضا ( القرش الأبيض 1939م) و غير ذلك مما لم يثبت في الميدان لضعفه فنيا و لعدم استقرار مؤلفيه في الكتابة، ومنه فإن كتّاب الرواية الكبار حاولوا اقتحام ميدان الرواية الطويلة و الأرجح أن روايتهم كانت مقصورة لذاتها معظمها دار في تلك ذواتهم أو حلق في أفاق خيالية رومانسية كما أن شروط الفن لم تكن متوفرة فيها كتب ، نجد أن الرواية عند " طه حسين " تمثل (صدأ أو الواحة ) تخلو فيها إلى الذات ذات نفسه كلما ضاقت به الحياة أو كلما ذاق هو بمشاكلها المختلفة، والرواية عند ( توفيق الحكيم) محاولة لنقل الشخصيات الجافة التي كانت تحمل أفكاره و شطحاته الذهنية كي تختلط بالقارئ . إن رواية (حواء بلا آدم ) لطاهر فقد تحولت الرواية على يده فهي تمثل مرحلة أكثر تطورا من الناحية الفنية إذا ما قيست بمحاولات تيمور عيسى عبيد ن بعد إن كانت مجرد عرض لمجموعة من الصور و المواقف فقد التفتت ( حواء بلا ادم) بذكاء إلى التناقضات الطبقية وانعكاساتها في علاقات الناس و سلوكياتهم إذ تمثل رؤية اجتماعية . وإن من أهم كتب عباس محمود العقاد و الذي كتبه في الثلاثينيات من القرن العشرين وهي قصته الشهيرة في الحب لـ "سارة "و الذي كان في سنة 1926م، وإذا انتقلنا إلى ( إبراهيم الكاتب ) 1931مللمازني و هي رواية اتصفت ببعض صفات السيرة الذاتية إلا أنها تحمل نقدا للعادات الاجتماعية و لم تكن ميزتها في السرد القصصي بقدر ما كانت في التشخيص . لم يساهم المازني إلا بهذه الرواية وان كان قد قدم ما يمكن اعتباره الجزء الثاني من هذه الرواية في روايته (إبراهيم الثاني) وهي لا تقدم لنا جديد فيما يتصل بتطور الرواية الفنية عما قدمه سابقا. إن كل الذين تمت الإشارة إليهم كروائيين مغامرين فردين لم يكونوا إلا كذلك وغلب على معظم رواياتهم جانب الإصلاح والتعليم ولتوجيه وافتقادهم الإحكام الروائي من حيث البناء الفني. و مما لا شك فيه أن تلك المرحلة بكل ما اتسمت به من طابع الفردية و النزوع الرومانسي و عدم النضج الفني قد مهدت الطريق – روائيا – لما صدر في الفترة ما بين 1939-1952م، وفي هذه الفترة بدا التحول الحقيقي نحو اعتبار الرواية فنا يمكن توفر جهود الكاتب عليه استنادا إلى تجارب سبقته على الطريق ، والى أسس ينطلق منها معاصروه من الكتاب و لم تنفصل الرواية بشكل أو بآخر عن تلك الظروف و العوامل المحيطة و لثورة 1952 و بالتحديد مع الإرهاصات التي سبقت الثورة ارتباطا عضويا بالواقع ، و لعل من أهم كتاب هذه المرحلة نجد أمثال عبد الحميد جودة السحار الذي كتب ( أحمس بطل الاستقلال) 1943 و أميرة قرطبة 1949مو هي كلها روايات تاريخية ، و كذا نجد نجيب محفوظ الذي ساهمت رواياته مساهمة رهيبة حقا في عظمتها و تميزها " فعلى امتداد نصف قرن بما يزيد عن ثلاثين عمل روائي له، كفاح طيبة 1944 و نجده ابدع في الروايات التي تحمل طابعا اجتماعيا ك : القاهرة الجديدة 1945م و خان يونس 1946م وزقاق المدق 1947م ، و محمد جبريل و غيرهم في مصر لنتجه الى بلاد الشام فنجد: صدقي إسماعيل في (العصاة) وغيرها،