اِنْداحَتْ قِطْعَةٌ حَريرية لامعة السواد، بسطتها في مواجهتي مُمْسِكَة بها مِنْ مَوْضِعَ المَنْكِبَيْنِ، يَتَوَسطُ صَدْرَها (بروش) فضي هلالي الشَّكْلِ مرصع بِأَحْجَارٍ مِنَ الفيروز,وتَمْتَدُّ أَسْفَلَهُ عَلى شَكل مِرْوَحَةٍ يَدَوِيَّةٍ مَقْلوبَةٍ قِطْعَةُ (دانتيل) فاخِرَةُ، حيكَتْ عَلَى شَكْلِ كَسْرَاتٍ، فَقَدْ رَادَ وَزْني كثيرًا معَ الحَمْلِ كما تَرَيْنَ،أنها قد تُناسبك أرجو أن تقبليها مني.قالت جملتها تلك وابْتَسَمَتْ وهِيَ تُرَبِّتُ على يدي القابِضَةِ على العباءة، فبادلتها الابتسامة وشكرتها،أَوَّلُ ما فَعَلْتُهُ حينَ أَغْلَقْتُ بابَ غُرْفَتِي عَلَيَّ هُوَ أنَّني قُمْتُ بتَجْرِبَتِها ، شَهَقْتُ حينَ وَقَعَ بَصَرِي عَلَى الْعِكَاسِصورتي في المِرْآةِ لَكَأَنها فُصِّلَتْ لي دُرْتُ حَوْلَ نَفْسي مَزْهُوةً بجمالِ مَظهَري الجديد، وقَدْ أُطْرَتْ أطرافُها بقطعَةِ (الدانتيل) نَفْسِها، ورُضُعَتْ إِحْدى زواياها بـ (البروش)القِضْيُّ نَفْسِهِ الَّذي توسّطَ صَدرَ العباءةِ، لأُلْقِي نَظْرَةً عَلَى المِرْأَةِ،جَحَظَتْ عَيْنَايَ حِينَ لَمَحْتُ طَرَفَ حِدَاءِ (التنسِ) الأبيض يُطِلُّ كجُرَذ سَمينِ مِنْ تَحْتِ العَبَاءَةِ، وَهَرَعْتُ إِلَى صَفٌ مِنَ الأحْذِيَةِ خَلْفَ البابِ،سوى أَحْذِيَةٍ خَفِيفَةٍ مِنْ ذلك الصنف الذي ترتديه الممرضات،أَنا فَتاةٌ لا تُحْسِنَ الاهْتِمَامَ بمَظْهَرِها لَكِنَّ هَذا سَيَتَغَيَّرُ مِنَ الآنِ، ويَجْدُرُ بي أَلَّا أَتَعَجَّلَ ارْتِداءَ هَذِهِ القِطعةِ الفَنِّيَّةِحَتَّى أَتَمَكِّنَ مِنْ جمعِ الكمالياتِ المُلائِمَةِ لها.عْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ عُدْتُ أَحْمِلُ عُلْبَةَ حِذاء جديدٍ، وبِسُرْعَةِ البَرْقِ أَخْرَجْتُ العَباءَةَ مِنْ كيسها المخبوء بعناية في ثُمَّ تَناوَلْتُ الحِذاءَ الجَديدَ مِنْ عُلْبَتِهِ، ودَسَسْتُهُ بِكُلِّ رِفْقٍ فِي قَدَمي، ابْتَسَمتُ قانِعةً باختياري الموفّق ، فقَدْ بَدا الحِداءُ الأَسْوَدُ ذو الرَّبْطَةِ الفِضَّيَّةِ مُتَناسِقًا وَتَصْمِيمَ العباءة. ورأسي يَتَلَفَّتُ إِلى المِرْآةِ، ضَغَطَ الحِذاء على قدمي، إِلا أَنَّني أَقْنَعْتُ نَفْسي بأَنَّها مَسْأَلَةٌ سَأَعْتادُها كوني لا أُحَبَّذُ ارْتِدَاءَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَحْذِيَةِ العَالِيَةِ. وأنا أحفَظُ الحِذاءَ إلى جانِبِ العباءة في الرُّكنِ الأسْفَلِ مِنَ الدُّولاب.ما تبقى من راتبي ثمنًا لهذا الحِذاء ، مُتعلّلة بالأيامِ الخَمْسَةِ المُتبقيَّةِ على انتهاءبَعْدَ أُسبوع وَلَجْتُ إلى غُرْفَتي، أَلْقَيْتُ بِهِ عَلَى السَّرِيرِ، وَعَمَدْتُ إِلى دولابي،أَسْتَخْرِجُ مِنْهُ العَبَاءَةَ والحِذاءَ، فَقَد عَمِلْتُ طيلة الفترةِ المُنصرِمَةِ عَلى تَجْميع وَكَأَنَّها أُحْجِيَةُ الصّورَةِ المُقَطَّعَةِ الَّتي كَانَ عَلَيَّ أَنْ أُعِيدَ تَرْتِيبَهَا، لأجلِ العَباءَةِ صِحْتُ وأَنا أَتَمَلى مَظْهَري في المِرْآةِ:«أَيُّ تَناغُمِ هَذا ؟! لَمْ أَكُنْ أَحْلُمُ بِالعُثورِ عَلَى حَقيبَةٍ تُناسِبُهَا إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ!».كانَتِ الحقيبة مخملية سوداء بكسرات، زُمَّ منتصفها بهلال فضي.باقتناء هذه الحقيبة أكونُ شبة مستعدة للخروج إلى النَّاسِ بحلتي الجديدة. وأصابعي تَتَخَلَّلُ خُصَلَ شَعْرِي الذَّهَبِيَّةَ المُجَعْدَةَ،وأَخَذْتُ أَنْزَعُ مُقتنياتى الثَّمينَةَ ، وأعيدها بحِرْصِ إلى مَخْبَيْها في الدولاب. فَقَد عَمِلْتُ طيلة الفترةِ المُنصرِمَةِ عَلى تَجْميع وَكَأَنَّها أُحْجِيَةُ الصّورَةِ المُقَطَّعَةِ الَّتي كَانَ عَلَيَّ أَنْ أُعِيدَ تَرْتِيبَهَا، رَبَّبْتُ خُصَلَ شَعْرِي الأَسْوَدِ النَّاعِمِ فِي انْسِيابِ مَائِلِ عَلَى وَضَعْتُ الأَقْراطَ الفِضَّيَّةَ الَّتِي اسْتَعَرْتُها مِنْ شَقيقتي الكُبرى، وبَسَطْتُ ظِلَّ العُيونِ الفَيْرُوزِيَّ عَلَى جَفْني ورَسَمْتُ خَطَّا فِضَّيَّا أَسْفَلَ العَيْنِينِ. سَيَتَعَجَّبُ النَّاسُ مِنْ فَتاةٍ مُتَأَلقَةٍ مِثْلِي فِي عِيادَةٍ حَقيرَةٍ كَهَذِهِ. يَعْلُو نُواحي كُلَّما وَمَضَ رَقَمُ العِيادَةِ عَلى شاشة هاتفي المَحْمُولِ، يَتَوَسّطها خَرْقُ تَفَحَمتْ أطْرافُهُ في حَجْمٍ مِكْواةٍ كَهْرَبائية.