الفصل التاسع الرؤية الصهيونية / الإسرائيلية للصراع وللحكم الذاتي الإستيطانية الصهيونية تعبر عن نفسها - كما أسلفنا - من خلال المفهوم الصهيوني الإسرائيلي للأمن، كما تعبر عن نفسها من خلال المفهوم الإسرائيلي للصراع والسلام والحكم الذاتي للفلسطنيين، كما تعبر عن نفسها بشكل محسوس ومتعين من خلال الطرق الإلتفافية . تدوس كل من يقف في طريقها ؟ ومن الواضح أن المستوطنين الصهاينة ، تجاوزوا الديباجات الصهيونية البلهاء وأدركوا أن الأرض مأهولة وأنهم جاءوا لاغتصابها وأن أهلها لذلك سيشتبكون معهم دفاعاً عن حقوقهم . وأضاف أن الفلسطينيين يشعرون أنهم جزء من الأمة العربية التي تضم العراق والحجاز واليمن ، ورد الفعل - كما أكد شاريت - لا يمكن أن يكون سوى المقاومة . وفي ۲۸ سبتمبر من العام نفسه ، كان شاريت قاطعاً في تشخيصه الحركة العربية على أنها ثورة ومقاومة قومية وأن القيادة الجديدة تختلف عن القيادات القديمة، كما لاحظ وجود عناصر جديدة في حركة المقاومة : اشتراك المسيحيين العرب بل النساء المسيحيات في حركة المقاومة ، كما لاحظ تعاطف المثقفين العرب مع هذه الحركة ، وبين أن من أهم دوافع الثورة الرغبة في إنقاذ الطابع العربي الفلسطيني وليس مجرد معارضة اليهود . ووراء الإرهابيين توجد حركة قد تكون بدائية ولكنها لیست خالية من المثالية والتضحية بالذات . سيحل آخرون محله . فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً وحينما نقول إن العرب هم البادئون بالعدوان وندافع عن أنفسنا - فإننا نذكر نصف الحقيقة وحسب ، ومن الناحية السياسية نحن البادئون بالعدوان وهم المدافعون عن أنفسهم. ونأخذها منهم ، حسب تصورهم " كان ثمة إدراك واضح المعالم من جانب الصهاينة لطبيعة الغزوة الصهيونية الإستيطانية الإحلالية وطبيعة المقاومة العربية . فكان هناك نمط من الصهاينة أدرك طبيعة الجرم الكامن في عملية تغييب العرب هذه فتنكر لرؤية الصهيونية تماماً وتخلى عنها ، وبذل محاولات يائسة لإعادة صياغة المشروع الصهيوني بطريقة تستوعب وجود العربي الحقيقي وتأخذه في الحسبان. ولكن من الملاحظ أن مثل هذه الشخصيات تحولت بالتدريج إلى شخصيات مبهمة وهامشية ، تنتمي إلى منظمات هامشية وتدافع عن رؤى هامشية لا تؤثر في المركز أو الممارسات الأساسية . نظراً لاحتكاكهم الدائم بالواقع العربي ، أدركوا مدى تركيبية الموقف فطرحوا صيغاً مركبة نوعاً مثل الدولة ثنائية القومية وطالبوا بالتعاون مع الحركة القومية العربية وأسسوا جمعية بريت شالوم ثم جمعية إيحود لإجراء حوار مع العرب يعترف بهم ككيان قومي ولا يتعامل معهم كمجرد مخلوقات اقتصادية ولكن المحاولات كلها ظلت في نهاية الأمر تعبيراً عن ضمير معذب أكثر من كونها ممارسات حقيقية . ولعل يهودا ما جنيس (۱۸۷۷ - ۱۹۴۸) من أكثر الشخصيات المأساوية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، فهذا الرئيس السابق للجامعة العبرية، أدرك الخلل العميق في وعد بلفور منذ البداية بإنكاره وتغييبه للعرب ، ولذا قضى حياته كلها يحاول أن يصل إلى صيغة صهيونية تنيرها لحظة الإدراك النادرة دون جدوى. وانتهى به الأمر أن تنكر له مجلس الجامعة العبرية التي كان يترأسها. ويمكن أن نذكر في هذا السياق أحاد هعام الذي رأى الدماء العربية النازفة فولول وكأنه أحد أنبياء العهد القديم ، وينتهي به المطاف أن يستقر هو نفسه على الأرض الفلسطينية ، بكل ما يحمل ذلك من معاني اغتصاب وقهر . ولكنه حتى وهو في فلسطين ، ظلت تخامره الشكوك بشأن المشروع الصهيوني وظل موقفه مبهماً حتى النهاية . وهناك أخيراً النمط الثالث ، ولم يختبئ وراء الحجج الليبرالية عن شراء فلسطين ، أو الحجج الاشتراكية عن رجعية القومية العربية وخلافه من الإستراتيجيات الإدراكية ، وإنما أكد دون مواربة أن الصهيونية جزء من التشكيل الاستعماري الغربي الذي لم يكن بمقدوره أن يحقق انتشاره إلا بحد السيف ، ولذلك طالب منذ البداية بتسليح المستوطنين الصهاينة (تماماً مثلما يتسلح المستوطنون الأوربيون في كينيا وفي كل مكان ، أي طالب بتعديل موازين القوى بطريقة تخدم التحيز الصهيوني . فالعرب - حسبما صرح - لن يقبلوا الصهيونية (وتحيزاتها ورؤيتها ) إلا إذا وجدوا أنفسهم في مواجهة حائط حديدي . ونفس النتيجة توصل إليها بن جوريون ، ولذا توصل إلى أنه لا مناص من فرض هذه الرؤية عن طريق القوة وحد السيف. فمثل هذا السلام - على حد قوله - مستحيل ، كما لم يحاول أن يعقد اتفاقية معهم ، " إن هو إلا وسيلة وحسب ، أما الغاية فهي الإقامة الكاملة للصهيونية ، لهذا فقط نود أن نصل إلى اتفاق [مع العرب] . يأس لا ينجم عن فشل الاضطرابات التي يثيرونها أو التمرد الذي يقومون به وحسب وإنما ينجم عن نمونا نحن أصحاب الحقوق اليهودية المطلقة في هذا البلد . إن تشخيصي للموضوع أنه سيتم التوصل إلى اتفاق مع العرب ] لأنني أؤمن بالقوة ، فإن الاتفاق سيتم إبرامه " . وهكذا تم رسم الصورة الصهيونية للسلام مع العرب ولا يختلف شاريت عن هذه الرؤية التي تذهب إلى أن المثل الأعلى الصهيوني لابد أن تسانده القوة حتى يمكن فرضه على الواقع . شأنه في هذا شأن بن جوريون وجابو تنسكي : " لا أعتقد أننا سنصل إلى اتفاق مع العرب حتى تنمو قوتنا . كقوة مع قوة أخرى، والصهاينة شأنهم شأن كل من في موقفهم ، كانوا لا يبحثون عن سلام المقابر لأنفسهم ، وإنما للآخرين. ولذا فالاتفاق الذي يتحدث عنه جابو تنسكي ثم بن جوريون وشاريت و وايزمان ليس اتفاقاً مع العرب باعتبارهم كياناً مستقلاً له حقوقه وفضاؤه التاريخي والجغرافي إنما هو اتفاق مع طرف آخر تم تغييبه أو ترويضه عن طريق القوة والحائط الحديدي ، وهذا ، على كل ، فرغم كل محاولات الصهاينة المعلنة عن السلام والحوار والتفاوض والأخوة العربية اليهودية والأخذ بيد العرب ، وأنه أشار بشكل عابر إلى حقوق الجماعات غير اليهودية ، وفي علاقاتهم اليومية مع مؤسسات إدارة الانتداب كانوا يعرفون أن بوابات وطنهم قد فتحت على مصراعيها ليهود الغرب ليستوطنوا فيه ، فالصهاينة كانوا يهدفون دائماً إلى زيادة عدد اليهود في فلسطين وإلى إقامة كيان اقتصادي اجتماعي ( عسكري) منفصل، وفي نهاية الأمر مهیمن . وهذا الرأي ليس رأياً متشائماً ينكر مثاليات البشر ، وإنما هو رأي يحكم على هذه المثاليات في ضوء الطموحات والممارسة ، وفي ضوء ما تشكل في الواقع بالفعل . مهما بلغت من اعتدال ، هي في نهاية الأمر رؤية وهمية (أيديولوجية بالمعنى السلبي للكلمة وأن أي تحقق لها يعني سلب حقوق العرب . ولذا حينما كتب له يهودا ما جنيس يقترح إمكانية التخلي عن فكرة الدولة اليهودية على أن يسمح الجماعة يهودية أن تتمتع بحكم ذاتي محدود في فلسطين ، الذين لن يسمحوا لأحد أن يقاسمهم حقوقهم الطبيعية. ولذا من المستحيل عقد لقاء بين زعماء الشعبين - العربي واليهودي " . وكان العرب يدركون تماماً أن الحديث العذب عن التقدم الزراعي والصناعي وخلافه إنما هو حديث عن التغييب وعن سلب الوطن . إن التقدم في إطار غير متزن من القوة لصالح المغتصب يعني أن العربي سيفقد كل شيء ، وبخاصة إذا كان الآخر لا يعترف بالعربي ككيان تاريخي وإنما كمخلوق اقتصادي . ولذا تغير كثير من الشعوب المقهورة إستراتيجياتها التحررية وبدلاً من البحث عن التقدم تفضل الدفاع عن البقاء من خلال التشرنق سلام مبني على الظلم والحرب . والأمر لا يختلف كثيراً هذه الأيام . فلا يزال السلام المبني على العدل يعني ، في واقع الأمر ، مشاركة العرب الكاملة في حكم فلسطين ، ولذا يحاول الصهاينة التوصل إلى السلام المبني على الحرب والظلم، المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للسلام ويرى دعاة السلام أن الرغبة في السلام من الطرفين العربي والإسرائيلي أصبحت قوية وصادقة وحقيقية ، وهو أمر قد يكون مفهوماً بالنسبة للعرب ( بعد الهزائم المتكررة) . ويمكننا أن ندرج الأسباب التالية التي ولدت لدى الإسرائيليين الرغبة في السلام بل إنها أنت لهم بالمزيد من الحروب وتحققت النبوءة القائلة بأن أقصى ما يطمح له المستوطنون الصهاينة هو حالة من " الحرب الراقدة " باعتبار أن الحرب الخاطفة الساحقة ، أي الحرب بدون تكلفة بشرية واقتصادية عالية ، ٤ - تزايدت تكلفة الحرب وهو ما يعني تزايد اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة. والولايات المتحدة حليف موثوق به تماماً ، ه - ومما يزيد الرغبة في السلام عند المستوطنين الصهاينة أن الشعب اليهودي (أي الجماعات اليهودية المنتشرة في أنحاء العالم) قرر عدم ترك منفاه وهو ما يثير قضية سبب بناء المستوطنات أساساً ( هذا في الوقت الذي يتزايد فيه العرب في الأراضي الفلسطينية التي احتلت قبل عام ١٩٦٧) . - وقد بدأت تظهر علامات الإرهاق والتذمر بين المستوطنين الصهاينة ويظهر هذا في أزمة الخدمة العسكرية والتكالب على الاستهلاك . - بدأ العرب يطورون نظماً هجومية ودفاعية ، - مسألة التسليم والاستسلام ، لم تعد واردة ( مَنْ يستسلم لمن ؟ ) . ۹ - رغم كل سلبيات اتفاقيات أوسلو إلا أن قيام السلطة الفلسطينية يشكل أول اختراق للعمق الإستراتيجي الإسرائيلي ، مليون في الأراضي المحتلة بعد عام ١٩٤٨) لها مؤسساتها وإرادتها وطموحاتها . ١٠ - لخص المفكر الإستراتيجي المصري أمين هويدي الموقف في هذه الكلمات : نحن نعيش الآن كعقارب سامة وضعت في أنبوب واحد ستلدغ بعضها بعضاً قبل أن تموت وتفنى ، وإن كان في قدرتهم اختراق الحدود ففي يدنا مقومات الوجود . لا شك إذن في أن الرغبة الإسرائيلية في السلام حقيقية وصادقة. فالدولة الصهيونية هي دولة استيطانية إحلالية ، فإن الإعداد للحرب يستمر على أن تعرف نغمات السلام . وتبدأ معزوفة السلام الإسرائيلية بالمناداة بالبعد عن عقد التاريخ وأن تتناسى كل دول المنطقة خلافاتها لمواجهة الخطر الأكبر الاتحاد السوفيتي - الإسلام . وأن نقطة البداية لا بد أن تكون الأمر الواقع . وهذا المفهوم يفترض أن إسرائيل ليست التهديد الأكبر ، وهذا الظلم والقمع هو مصدر الصراع والحروب والاشتباك . فالمسألة ليست عقداً آنية أو تاريخية ، وإنما بنية الظلم التي تشكلت في الواقع ولا يمكن تأسيس سلام حقيقي إلا إذا تم فكها . وهذا ما يسمونه الأرض مقابل السلام . والقوات الإسرائيلية لا تنسحب، والقوات الوطنية لا تنسحب من أرض الوطن وإنما يعاد نشرها فيه وحسب ، ولذا رغم اتخاذ هذه الخطوة الرمزية الإعلامية فإن الاستيطان سيستمر على قدم وساق (تحدث شامير عن استمرار التفاوض في مدريد لمدة عشر سنوات والمضي أثناء ذلك في الاستيطان والقدس ستظل عاصمة إسرائيل الأبدية إن كل هذه التصورات للسلام تنبع من إدراك أن أرض فلسطين هي إرتس يسرائيل، وأن الإسرائيليين لهم حقوق مطلقة فيها ، أما الحقوق الفلسطينية فهي مسألة ثانوية ، وتتبدى هذه الخاصية بشكل واضح ومتبلور في المفهوم الإسرائيلي للحكم الذاتي . فالمركز هو إسرائيل وهي التي تمسك بكل الخيوط ، أما بقية " المنطقة " فهي مساحات وأسواق . تحركها الدوافع الاقتصادية التي لا هوية لها ولا خصوصية . نشاطه الأساسي هو نشاط اقتصادي محض وحينما يتحول العالم العربي إلى سنغافورات مفتتة متصارعة فإن الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية للسلام تكون قد تحققت دون مواجهة ومن خلال " التفاوض " المستمر ! جاء في مجلة نيوزويك الأمريكية أنه بعد أن قبل الرئيس السادات توقيع اتفاقية كامب ديفيد طلب تخصيص رقعة ما في القدس ترفع عليها الأعلام العربية ، أي أنه اقترحسلام المقابر " . أي أنه اقترح سلام السادة والعبيد ، وما بين المقابر والبقشيش يقع المفهوم الإسرائيلي للسلام . المفهوم الصهيوني / الإسرائيلي للحكم الذاتي وقد تفرع عن هذا الإطار الكلي عدة أفكار صهيونية مختلفة بشأن الدولة الفلسطينية قد تبدو متضاربة ولكنها في واقع الأمر تتسم بالوحدة . ويبتعد ثالثها عنه حتى يبدو كأنه نقيض ، ويقف ثانيها في نقطة اعتبارية متوسطة بينهما . وقد اخترنا شموئيل كاتس - أحد مؤسسي حركة حيروت وقد شغل منصب مستشار رئيس الوزراء مناحم بيجين عام ۱۹۷۸ كممثل للنموذج الأول . وليعبر كاتس عن وجهة نظره في الدولة الفلسطينية يقتبس كلمات بن جوريون الذي يشير فيها إلى تاريخ اليهود وإلى " بلاد اسمها يهودا وهي التي نسميها أرض إسرائيل. إن هذه البلاد جعلت منا شعباً ،