وقد تأثر الإسلام بعوامل اجتماعية، والبنية الاجتماعية القبلية وما يتعلق بها، وقد فرضت هذه العوامل في الإسلام في بيئته الاجتماعية، وسعت لدمج المجتمعات المتنوعة في هيكل اجتماعي واحد تحت راية التوحيد (سواء في الجانب الديني أو الاجتماعي)، وأنتجت ظواهر تبدو متناقضة مع رسالة النبي الأكرم. والتداعيات المرتبطة بها حول لمن أحقيتها وتحديد نصاب الشرعية والمشروعية وعلاقة الدين بمسألة الإمامة وغيرها، يكشف لنا هذا الارتباط التكويني بين جدالية الإمامة والتمذهب في ذلك الوقت، عن العامل الأساسي أو التأسيسية لظاهرة التمذهب أو التشدد الديني الذي عاشه المسلمين جراء تأثير العامل السياسي، منذ الثورة على خلافة عثمان من أكابر الصحابة لاعترافهم بشرعية الخلافة لعليّ بن أبي طالب، وعلى مداد ذلك سطرت حروف المذهبية في الإسلام في تلك الحقبة لمنع علي بن أبي طالب عليه السلام. وهذا الضعف والتدهور أثر في هيبة الحكم، وساهم في ظهور ظاهرة التمذهبية والتشدد في الإسلام، بل استمر التمذهب والتجاذب المذهبي بقوة، وبالرغم من أن العوامل السياسية لم تكن المسؤولة الوحيدة عن ظاهرة التمذهب في الإسلام، فإنها كانت العامل الرئيسي والأكثر تأثيراً وتأسيس نظامها الذي استند إلى العصبية العربية بشكل أساسي، واستبعاد الشيعة من آل البيت عليهم السلام كفئة معارضة محددة، حدثت حركات عسكرية ثائرة باسم إمام من أئمة أهل البيت، فإنه عندما انضمت جماعات من العالم التركي إلى الأمة الإسلامية، وقامت بالانتشار في الآفاق تحت اسم مذهب بعينه وهو (أهل السنّة والجماعة)، حيث جاءت تحت اسم المذهب الشيعي، واستمر هذا التمذهب في عالم السلطة إلى أن تصادم في حقبة الاجتياح الكولونيالي الفرنسية للبلاد العربية، هذا وإن الواقع السياسة الكولونيالية الفرنسية في جبل لبنان، حيث قامت أسس الهندسة التقسيمية على القواعد الطائفية والمذهبية حتى بلغت ذروتها في سوريا، وكذا الأمر في فلسطين بعد حدوث «وعد بلفور» المشؤوم، وإن التطبيق الأشدّ قسوةً كان في لبنان حيث تكرّس في «ميثاق» العام 1943 اقتساماً للسلطة بين الطوائف، من أجل أن تستمر تغذيتهم لحالة التمذهب في المجتمع الإسلامي إلى ما بعد استقلال تلك الدول لمصلحة الاستراتيجيات الغربية في (الشرق الأوسط)، حتى اصبح حصان رهان السياسة الكولونيالية في البلاد الإسلامية العربية (هو) الطوائف المسيحية، وذلك بحسب تحججهم بحماية وجود هذه الطوائف وحقوقها في قبال الطوائف ذات الأكثرية المسلمة في هذه البلدان، لتغذيها بشكل مكثف بآفة التمذهب بافقها العام وكل ذلك لأجل أن يخطأ المسيحيون العرب والمسلمون العرب عدوَّهم الأساسي المشترك (الصهيونية).