دور الشفافية والمساءلة كآلية من آليات الحوكمة (الحكم الراشد) للوقاية من الفساد الإداري بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة يهدف النظام الإداري الحديث إلى إعادة بناء الانسان من جديد تماشياً مع تطورات العصر من أجل خدمة المجتمع، ولتحقيق ذلك تحتاج الإدارة لنظام فعال وهادف ومتطور ضماناً لتطبيق القوانين بجهد وتكلفة أقل، الفصل الأول مفهوم الحوكمة والفساد الاداري يعد نظام الحوكمة نظاماً مهماً وحديثاً، إذ أثبت كفاءته العملية في تطوير عمل الإدارة للوقاية من الفساد الإداري، لذلك لاقى توجهاً دولياً لتطبيقه ضماناً لحسن سير المرافق العامة، فكانت الحوكمة هي الأسلوب الأمثل لذلك. مفهوم الحوكمة وخصائصها وأبعادها وأهميتها وأهدافها ومعايير تطبيقها المطلب الأول وهي تقابل في اللغة الإنجليزية مصطلح (GOVERNANCE)، علماً بأنه من الصعب إيجاد تعريف موحد بين اللغات كافة. للحوكمة اصطلاحاً تعريفات متعددة، نأخذ منها تعريف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بأنها: (قدرة المجتمع على ضمان سيادة القانون وحرية التعبير وواجب الحكومة المنفتحة والمسؤولة وإعطاء الحق للأفراد في المساهمة في حدود تطبيق القرارات العامة) وإن مميزات الحوكمة أنها وسيلة تحقق أهداف المؤسسات والهيئات الإدارية، وهي أداة للرقابة على عمل الإدارة وضامنة لحقوق الأفراد ومانعة لاستشراء الفساد بتفعيل آلياتها. أما خصائص الحوكمة فتتمثل في الالتزام الوظيفي والاستقلالية والعدالة. تتمثل أبعاد الحوكمة في البعد المؤسسي بوجود مؤسسات تنشر زيادة الوعي بها، والبعد الرقابي على المستويين الرقابي والتشريعي للمؤسسة الإدارية، المطلب الثاني أهمية وأهداف الحوكمة تتمثل أهمية الحوكمة في تحقيق استقرار ومصداقية المؤسسات وزيادة الكفاءة ودعم التنافس وتحقيق أهداف الإدارة، لاسيما تفعيل دور العاملين وبيان ماهية واجباتهم وتدعيم الدور الرقابي للأفراد على مجالس الإدارة والمديرين العامين. كما أنها تتصدى للفساد الإداري والمؤسسي في الدولة وتحقق التوازن بين مصالح الإدارة ومصالح المستفيدين من خدماتها. أما أهداف الحوكمة فيمكن وصفها بأنها العمل على تفعيل قدرة الدولة على تحقيق أهدافها بخلق انطباع إيجابي لدى المتعاملين مع الإدارة بمصداقية البيانات والمعلومات المقدمة لهم وحماية الملكية العامة، إلى جانب توفير الثقة المتبادلة بين الإدارة والأفراد من خلال السعي إلى رفع مستوى أداء الموظفين بتقديم الخدمات، فضلاً عن توفير فرص العمل الجديدة عن طريق الحرص على تدعيم المؤسسات بغرض جذب مصادر التمويل داخلياً وخارجياً، وكذا معالجة أنماط إدارة المؤسسات بدعم الحوكمة وآلياتها، ويشمل ذلك المسارات القانونية والاجتماعية والاقتصادية، مما يحقق العدالة في عمل الإدارة. المطلب الثالث لم تقتصر الحوكمة منذ ظهورها على مجال معين، وهي تنقسم إلى أنواع عديدة، فمنها الحوكمة القضائية، بحسبان أن القضاء من أهم مقومات الحكم الرشيد، لتكفله بتعزيز الحريات وإدارة العدالة، مما أوجب على القائمين بأمر المرفق القضائي السعي الدائم لتطويره بسهولة اللجوء إليه وتذليل العقبات الإدارية المانعة من ذلك. حيث يلعب الإعلام دوراً كبيراً في ترسيخ مبادئ الحكم الرشيد من خلال تعدد وسائله واستقلالها، علماً بأن هناك علاقة مهمة بين التنمية ووسائل الإعلام، بتوظيف الأخيرة لآليات الحوكمة، أما النوع الثالث فهو حوكمة الشركات، وهو مجموعة القواعد والضوابط المحددة للعلاقة بين حملة الأسهم وإدارة الشركة وغيرهم من الأطراف، علماً بأن السبب في تطبيق هذا النوع هو تزايد الهوة بين المساهمين والإدارة، والنوع الرابع هو الحوكمة الالكترونية، وجوهرها التأكد من وصول الخدمات للأفراد، وهي حوكمة ثنائية تربط بين الحكومة والمستفيدين من خدماتها وحقهم في الرقابة على أعمالها عبر الوسائط التكنولوجية، يقصد بمعايير تنفيذ الحوكمة مجموعة القواعد والتوجيهات المنظمة للعمل داخل المؤسسات الإدارية وطرق التواصل بينها وبين الأفراد، وينتج عن اعتمادها تحقيق الأهداف، وأهمها تحقيق النفع للجميع. ومن أهم المؤسسات الدولية التي رسخت هذه المعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ولجنة بازل، وتتمثل معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ضمان وجود أساس فعال للحوكمة وضمان حقوق المستفيدين والمساواة بينهم وحق الأفراد في الرقابة على الإدارة والافصاح والشفافية. مع عدم وجود أخطاء متعمدة من قبل الإدارة وضمان الدور الرقابي للمراقبين بتفعيل دورهم وتوعيتهم وتوافر الشفافية والافصاح للعمل الإداري. الأساس القانوني للحوكمة ومحدداتها وتجارب الدول نبع الأساس القانوني للحوكمة في الأصل من القطاع الخاص، ويتمثل في ثلاث نظريات، أولها نظرية الوكالة، ووفقاً لها أن إدارة المؤسسة تنشأ قانوناً بموجب عقد وكالة تمنح بموجبه المؤسسة صلاحيات معينة لمديريها باعتبارهم وكلاء عنها في إدارة شؤونها والحفاظ على مصالحها ومصالح الأفراد، مما يجعل المؤسسة مسؤولة أمام الجهات الرقابية عن قراراتها وأعمالها، ويظهر ذلك في رصد حالات الفساد الإداري، حيث إن عقد الوكالة يرتب التزامات متقابلة بين إدارة المؤسسة والمدراء، إذ تقع على عاتقهم واجبات تنظيمية تحكمها القوانين الخاصة بالإدارة، علماً بأن العلاقة بين الأصيل والوكيل تتخذ عدة أشكال، ويترتب على ذلك أن يسعى كل منهما إلى تحقيق المنفعة العامة وعدم وجود تعارض بين المصالح، وأن يهدف إلى تحقيق استمرارية المؤسسة ونجاحها وسعي الأصيل إلى تنفيذ عقد الوكالة وإلزام الوكيل بالتعاون، مما يؤدي إلى تحقيق المنفعة المتبادلة. وقد انتقدت هذه النظرية بأن نظام الرقابة في الحوكمة المؤسسية نظام واسع لا تستوعبه نظرية الوكالة، كما أنها تقوم بتصوير الحوكمة على أنها إجراء وقائي، كونها تقوم على أساس عقدي ربحي، بينما المؤسسات الإدارية تقوم على أساس تنظيمي ربحي، وهدفها إشباع الحاجات الأساسية وتحقيق المصلحة العامة. والنظرية الثانية هي نظرية حسن النية، بحسبان أن الغاية من الحوكمة هي حماية حقوق المتعاملين مع الإدارة، بسبب أن هذا المبدأ مبدأ واسع قد يشمل جميع تصرفات الإدارة متجاوزاً الدور التقليدي المتضمن تكوين وتنفيذ العقد لمرحلة أهم هي حماية القانون. وقد أخذ القضاء الأمريكي في حكم له بهذا المبدأ كأساس للحوكمة (المساهمون في شركة والت ديزني ضد مجلس الإدارة). وأيد قسم من الفقه العربي هذه النظرية كأساس للحوكمة، تأسيساً على استقلالية الشركة عن شخصية الشركاء، وأن الغرض من صياغة نظام قانوني للحوكمة هو توفير الحماية للمتعاملين مع المؤسسة، حيث يمنح مبدأ حسن النية التوازن القانوني لذلك، كما أن الحوكمة واسعة في الجانب النظري والآثار المراد تحقيقها. أما النظرية الثالثة فهي التعسف في استعمال السلطة، والتي يكون سببها استخدام مدراء الهيئات الإدارية لسلطاتهم على نحو متعسف، اتخذها بعض الفقهاء أساساً للحوكمة الإدارية، علماً بأن هذه النظرية منصوص عليها أصلاً في القانون المدني. وقد صدرت أحكام قضائية تأخذ بهذه النظرية كأساس للحوكمة (قضية فريهوف)، ويرى الكاتب أن هذه النظرية الأخيرة هي النظرية المثلى كأساس للحوكمة الإدارية، استناداً إلى أن نظرية الوكالة قائمة على أساس وجود عقد، كما أن الخطأ التقصيري وارد في الحوكمة في المجال الإداري، حيث إن الموظف يمكنه تجاوز الخطأ لو كان حريصاً على الوظيفة العامة. المطلب الثاني محددات الحوكمة وتجارب الدول الخاصة بالحوكمة .. الخ)، مع وجود قضاء عادل وشفاف وقادر ووجود موظفين بمختلف الاختصاصات، كالمحاسبين والقانونيين والمدققين، إلى جانب كفاءة أجهزة وهيئات الرقابة على أعمال الإدارة، باعتبارها التي تحد من الفساد الإداري. أما المحددات الداخلية فهي نظام الإدارة الداخلي الذي يضع هيكلاً إدارياً سليماً يوضح كيفية اتخاذ القرارات ويوزع المسؤوليات والواجبات، ويؤثر النظام الاقتصادي والاجتماعي على هذه المحددات، والتطبيق السليم لهذه المحددات يزيد من ثقة المستفيدين من خدمات الإدارة، ومما سبق يرى الكاتب أن المحددات بنوعيها تعزز الثقة بالإدارة وتحصن حقوق الأفراد، كما أنها تنمي دور الإدارة في الدولة وتطور العمل الإداري وترفع من القدرة على العمل المتواصل لتحقيق مرامي الإدارة. أما بشأن تجارب الدول، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد الدولة الرائدة في هذا المجال، بسبب بعض الأحداث التي مرت بها ودفعتها لقيادة حملة إصلاحية ضد الفساد الإداري، فقامت بتفعيل الرقابة على شفافية المعلومات الصادرة عن المؤسسات، وإلزامها بالتطبيق السليم لقواعد الحوكمة، حيث صدر تقرير عام 1987 الذي احتوى على توصيات خاصة في هذا المجال. وفي أوروبا أنشئ فريق متعدد التخصصات لمكافحة الفساد الإداري عام 1992، ونشأت منظمة الشفافية الدولية عام 1993، وأقر الاتحاد الأوروبي بروتوكول معالجة الفساد الإداري العالي عام 1996، كما صدر إعلان هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والرشوة عام 1997. ومن أهم الدول الرائدة في هذا المجال هي المملكة المتحدة وروسيا وفرنسا، والتي أصبح مؤشر الفساد فيها 69 درجة في عام 2014، بعد أن كان 71 درجة في عام 2012. المبحث الثالث وهو خلاف المصلحة، وهو بين معانٍ ثلاثة، فساد عضوي، تجارية واجتماعية. وعرفته هيئة الأمم المتحدة بأنه: (سوء استعمال السلطة العامة للحصول على مكاسب شخصية، مع الإضرار بالمصلحة العامة). أما منظمة الشفافية الدولية فعرفته بأنه: (تسخير المصلحة العامة لتحقيق المصلحة الخاصة). علماً بأنه لا يوجد تعريف جامع ومانع له بسبب أبعاده المختلفة، هي توافر صفة موظف عام أو مكلف بخدمة عامة في الشخص، مع وجود مقابل مادي أو معنوي للمخالفة. المطلب الثاني صور الفساد الإداري السائدة في العراق ومنها الإخلال بالواجبات الوظيفية المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة العراقي رقم 14 لسنة 1991، ومن أهمها عدم قيام الموظف بأداء أعمال الوظيفة بنفسه وإضاعة الوقت بعدم الالتزام بالحضور في أوقات العمل الرسمية وعدم التوظيف الأمثل لساعات العمل. والصورة الثانية هي عدم إطاعة الموظف لأوامر وتعليمات رؤسائه وفقاً لما تقضي به الأنظمة والتعليمات. والصورة الثالثة هي التهرب من تحمل المسؤولية والإهمال الوظيفي، مما يؤثر سلباً على سير المرفق العام. والصورة الرابعة هي عدم كتمان الأسرار الوظيفية، سواء كان ذلك متعلقاً بأسرار الوظيفة أو أسرار العاملين في المرفق العام أو أسرار العملاء. كما تناول الانحرافات الخاصة بسلوك الموظف، باعتبارها تدخل ضمن انحرافات الفساد الإداري، مثل جرائم الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين لحدود وظائفهم. المطلب الثالث أسباب الفساد الإداري وآثاره والتي تتمثل في الحكم الشمولي الفردي وضعف دور الإعلام والرقابة الرسمية والشعبية. إلى جانب الأسباب الاقتصادية بسبب استغلال المتنفذين لمواقعهم للحصول على منافع شخصية. وثالث الأسباب هي الأسباب الاجتماعية والثقافية، حيث تؤدي العادات والتقاليد الموروثة إما لانتشار الفساد أو تقليله. بتبديد الأموال العامة، فتنخفض معدلات الاستثمار،