واذا ما تحدثنا عن مهنة الهندسة تحديدا فان المكتب الهندسي يمثل نواة الثقافة المهنية بالاضافة الى المهندس والمعماري اللذين يلعبان دورا اساسيا في الحفاظ على تلك الثقافة ويعملان على تطويرها، ولو حاولنا ان نبين الصيغة التي تشكل بها مفهوم المكتب الهندسي في المملكة سنجد ان هناك خللا كبيرا فيما يمكن ان نسميه مكتبا هندسيا وطنيا او محليا، ان تدهور اسعار العمل الهندسي الناتج عن اكتظاظ السوق المهنية الهندسية بالمهندسين ذوي الدخل المنخفض ادى في كثير من الاحيان الى تحول المكتب الهندسي الى مؤسسة تجارية لا يهمها جودة العمل بقدر ما يهمها عدد المشاريع التي ستقوم بتصميمها شهريا. ربما تعود المشكلة المهنية التي نعيشها في الوقت الراهن للخصوصية التاريخية التي مرت بها السوق المهنية في المملكة، فرغم ان التحول الى الاعتماد على المعماريين المواطنين يعود الى بداية السبعينيات والذي جعل المعماري (سكوت) يشير في منتصف السبعينيات من القرن العشرين الى ان الفرص غير المحدودة التي كانت متاحة للشركات المهنية الامريكية للعمل في المملكة لم تعد متاحة بعد عودة المعماريين السعوديين الذين درسوا في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الاوروبية. بالتأكيد ان مثله هذه الحالة لابد ان تقلص من فرصة بناء الخبرة الوطنية في مجال العمارة وتجعل من فرصة بناء مكاتب كبيرة في المملكة صعبة الحدوث وتزيد من حدة المنافسة على الحصول على المشاريع الامر الذي لابد ان ينعكس على النتاج المعماري نفسه. وفهم الانماط التي يتبعها كثير من المكاتب الاستشارية للحصول على المشاريع سيتيح لنا الفرصة لتحديد الملامح الثقافية التي تجعل من مهنة العمارة مهنة ذات ارتباط وثيق بالنسق الاجتماعي اكثر من كونها مهنة ذات نظم خاصة بالمسابقة المعمارية وان كثيرا من المكاتب لا تحصل على مشاريعها من خلال التنافس على جودة التصميم او من خلال المسابقات المعمارية كما هو متبع في كثير من دول العالم بل من خلال التنافس على اقل الاسعار، فان هذا الوضع يثير تساؤلا كبيرا عن مستوى العمل المعماري في المملكة بشكل عام. كما ان قيم التعليم اصبحت قيما اساسية وتضخمت الفردية نتيجة للاحساس بالذات الذي اوجده الاستقلال الاقتصادي وارتفاع مستوى دخل الفرد. هذا الرأي تدعمه الدراسة التي اجريت عام 1985م عن المجتمع السعودي والتي تشير الى ان المظاهر التقليدية والمظاهر المستحدثة للروابط التقليدية تعمل بفاعلية متقاربة وانها نشطة بالقدر الذي جعل الاتصال بكل منها على مستوى متقارب من التغير، وقد تم تصنيفها استنادا على نوع الاسلوب الى ثلاثة اصناف على النحو التالي: - الاساليب الدعائية والاعلانية: وهي تلك الوسائل المرتبطة بامور التسويق والدعاية والاعلان والعلاقات العامة مع الافراد والمكاتب الاخرى. - الاساليب الاجتماعية والعائلية: وهي الاساليب المتبعة في اطار العلاقات الاجتماعية كالقرابة والنسب والصداقة. - الاساليب المهنية: وهي الاساليب المتعلقة بالممارسة المهنية الفعلية مثل الدخول في المناقصات والعطاءات التنافسية والمسابقات المعمارية، وبالرغم من ان كثيرا من المتخصصين يعتبرون ان الاسلوب الاعلاني والدعائي انما هو جزء اساسي من مهنية المكتب فاننا فضلنا في هذه الدراسة الفصل بين الاسلوبين المهني والاعلامي لكي نتحقق من مدى قناعة المكاتب المعمارية في المملكة بتطوير اساليبها الدعائية والتسويقية في سبيل الحصول على العمل المعماري. الاساليب الدعائية والاعلانية: ويندرج تحت هذا المحور كل ما يمت بصلة للتسويق والدعاية والاعلان والعلاقات العامة والعلاقات الجيدة مع المكاتب الاخرى، واشار روتلاند الى ان سوق المهنة المعمارية في المملكة تعيش في مرحلتي النضج والانهيار، واضاف بانه في هذا الوقت بالذات تلعب مهارات التسويق دورا هاما في ابقاء المنشأة في وضع تنافسي مقبول في السوق. ربما يفسر هذا عزوف كثير من المكاتب المعمارية الاعلان عن نفسها في المجلات المتخصصة او الصحف والمجلات العامة فوجود قناعة ان الدعاية الحقيقية للمعماري هي عمله هو جعل اغلب العينة المدروسة ترى ان وجود لوحة تعرف بالمكتب في المشاريع التي صممها المكتب اهم من أي اعلان آخر. ولقد بلغ متوسط مؤشر الموافقة والرفض على ان وجو قسم خاص بالعلاقات العامة في المكتب الهندسي قد ساعد على حصول المكتب على المشاريع (73%) وهذه النسبة تعطي مدلولا على الموالفقة وان كنا نرى ان مفهوم العلاقات العامة لم يتطور بعد في مهنة العمارة من خلال تحكيم المشاريع والتحدث للآخرين عن عمله واقناعهم به. اما علاقات المكتب مع المكاتب الهندسية الاخرى قد ساعدت على الحصول على المشاريع بنسبة (68%) وهو ما يعطي مدلولا بالموافقة من قبل عينة الدراسة. وهذه النسبة قد تبين مدى المنافسة بين المكاتب الهندسية والمعمارية في المملكة فهذه النسبة هي اقرب للحياد وهذا قد يفسر تزايد اعداد المكاتب الهندسية في المملكة والخليج العربي. فكرة التعاون بين المكاتب غير واردة عند كثير من اصحاب المكاتب الهندسية الا في شكلها النظري، أي انه من حيث المبدأ لا يوجد مانع من التعاون اما من الناحية العملية فتوجد صعوبات متعددة لعل اهمها العامل الثقافي الذي لا يشجع العمل تحت مظلة الاخرين. الاساليب الاجتماعية والعائلية لابد ان نشير الى ان المجتمع السعودي مازال محافظا على تركيبته التقليدية الامر الذي يجعل من الاعتماد على العائلة واسم العائلة له تأثير كبير على الحصول على المشاريع دون اغفال للجودة التي بدأت تشكل مع شبكة العلاقات الاجتماعية احد اهم الاساليب للحصول على المشاريع، فقد بلغ متوسط مؤشر الموافقة والرفض للعينة على ان اتصالات وعلاقات صاحب المكتب الاجتماعية قد ساعدت في الحصول على المشاريع (90%)، وهذه النسبة العالية مؤشر واضح على ان العلاقات العائلية والاجتماعية لصاحب المكتب كالقرابات والنسب والصداقات تلعب دورا هاما في حصول المكاتب الهندسية في المملكة على المشاريع.