فن السرور للأستاذ أحمد أمين ، نعمة كبرى أن يمنح الإنسان القدرة على السرور، يخطئ من يظن أن أسباب السرور كلها في الظروف الخارجية، فيشترط لِيُسَرَّ مالاً وبنين وصحة، فالسرور يعتمد على النفس أكثر مما يعتمد على الظروف، ومنهم من ينعم في الشقاء المقال من ١٠٨٥ كلمة و ٦٦ فقرة يستغرق ٦ دقائق و ١١ ثانية للقرائة الصامتة الأستاذ أحمد أمين يستمتع به إن كانت أسبابه، ثم يَتَشَرَّبُه فيشرق في محياه، ويلمع في عينيه، ويتألق في جبينه، فيشترط لِيُسَرَّ مالاً وبنين وصحة؛ فالسرور يعتمد على النفس أكثر مما يعتمد على الظروف، ومنهم من ينعم في الشقاء؛ وفي الناس من لا يستطيع أن يشتري ضَحَكةً عميقةً بكل ماله وهو كثير، فجوُّنا جميل، وخيراتنا كثيرة، وتكاليف الحياة هينة، ووسائل العيش يسيرة، ومصائب الشرق من الحرب أقل منها في الغرب ومع هذا كله لا تزال كمية السرور في الشرق أقل. أكبر سبب لذلك في نظري أن الحياة فَنٌّ، والسرور كسائر شئون الحياة فن؛ ناكس البصر، وتؤرق جفنه. وهي وأكثر منها إذا حدثت لمن هو أقوى احتمالاً، لم يلق لها بالاً، ومن أهم الأسباب في أنَّ أمم الغرب أقدر على السرور من أمم الشرق أنَّ تاريخ الغرب الحربي متسلسل متتابع، ومن مزايا الحروب أنها تصهر الأمم، وتهوِّن الموت، وإذا رخصت الحياة وهان الموت رأيت المرء لا يعبأ بالكوارث إلا بقدر محدود؛ وإذا كان لا يهاب الموت فأولى ألا يهاب ما عداه؛ لأن كل شيء غير الموت أهون من الموت؛ فكل أسرة أوربية لها رجال فقدوا في الحرب؛ أو أصيبوا في الحرب أو ابتلوا بنوع من كوارث الحرب؛ أما أمم الشرق فقد مرَّ عليهم دهرٌ طويل لم يكونوا فيه أمماً حربية؛ يتولى غيرهم الدفاع عنهم، وإن حاربوا فحرب الضرورة، وحرب الأفراد لا حرب الشعوب، فاستفظعوا الموت، وتبع ذلك رخاوة العيش، وعدم القدرة على الاحتمال، وتهويل الصغائر، والجزع من توافه الأمور، ولا دواء لهذا إلا التربية القوية، وبث الأخلاق الحربية. وسبب آخر لقلة السرور في الشرق، ففي كل بيت محزنة من سوء العلاقات الزوجية والعلاقات الأبوية، وفي كل مصلحة أهلية أو حكومية مأساة من سوء العلاقات المصلحية، وأحاديث الدرجات والعلاوات، وعدم التعاون في حمل الأعباء، وبناء المعاملات على الفوضى والمصادفات . فاجتماعات المنازل التي تبعث السرور محدودة ضيقة نادرة، وفي كثير من الأحيان تنتهي بمنغصات والملاهي العامة إما داعرة لا ترضي الذوق السليم، ولا ترمي إلى غرض شريف، وإما تافهة لا يرقيها ذوق؛ فهي لا تكاد تجد لها ما يتفق وذوقها . فن السرور : التغلب على المصاعب: ومع هذا كله ففي استطاعة الإنسان أن يتغلب على كل هذه المصاعب، ويخلق السرور حوله، وجزء كبير من الإخفاق في خلق السرور يرجع إلى الفرد نفسه، وبجانبه أخوه الذي يخلق من كل شيء حزناً؛ فالعامل الشخصي _ لاشك _ له دخل كبير في خلق نوع من الجو الذي يتنفس منه؛ ففي الدنيا عاملان اثنان: عامل خارجي وهو كل العالم، وعامل داخلي وهو نفسك؛ و إذاً فرجحان كفتها قريب الاحتمال، فهي التي تلونه، و تجمِّله أو تقبحه؛ فإذا جلوت عينيك, وأرهفت سمعك، وأعددت مشاعرك للسرور _ فالعالم الخارجي ينفعل مع نفسك فيكون سروراً. فمنهم المظلم كالمصباح المحترق، ومنهم المضيء بقدر كمصباح النوم، ومنهم ذو القدرة الهائلة كمصباح الحفلات؛ فغيِّرْ مصباحك إن ضعف، واستعض عنه بمصباح قوي ينير لنفسك وللناس. ولكن ما الوسيلة إلى ذلك؟ مما لا شَكَّ فيه أن غلبة الحزن مرض قد ينشأ من عوامل كثيرة مختلفة؛ ولكن فَحْصُ كل نفس وأسباب حزنها، ووضع العلاج الخاص بها لا يستطيعه إلا طبيب نفسي ماهر، أما الكاتب فلا يستطيع إلا قولاً عاماً، وتعرضاً للمسائل العامة. فن السرور : أهم أسباب الحزن : ولعل من أهم أسباب الحزن ضيقَ الأفق، وكثرة تفكير الإنسان في نفسه، حتى كأنها مركز العالم، فهو يقيس كل المسائل بمقياس نفسه، و هذا _ من غير ريب _ يوجد البؤس والحزن؛ لأن نفسه ليست المركز، وإنما هي نقطة حقيرة على المحيط العظيم، ونظر إلى العالم الفسيح، ونسي نفسه أحياناً، والقيود الثقيلة التي تثقل بها نفسه قد خفت شيئاً فشيئاً، وتحللت شيئاً فشيئاً. لأنه يجد من زمنه ما يطيل التفكير فيها إلى درجة أن يجن بنفسه؛ وفكر في أمته وفكَّر في عالمه، ولذة نسيان النفس. ولعل من أول دروس فن السرور أن يقبض على زمام تفكيره؛ فيصرِّفه كما يشاء؛ فإن هو تعرض لموضوع مُقْبِضٍ _ كأن يناقش أسرته في أمر من الأمور المحزنة، أو يجادل شريكه، أو صديقه فيما يؤدي إلى الغضب _ حوَّل ناحية تفكيره، وانقل تفكيرك كما تنقل بيادق الشطرنج. وكل ما فيها زائل؛ فاعمل الخير ما استطعت، وأخيراً،