عندما تدخلت روسيا في الصراع السورى عام 2015، أما على مستوى التفاعلات الإقليمية والدولية، وهى المرحلة التى توقفت معها مسارات البحث عن تسوية سياسية للأزمة. وفرضت عقوبات متتالية على روسيا، وهى الفواعل نفسها التى تتجاذب تفاعلات التنافس والصراع في الأزمة السورية، وعلى الأزمة فى سوريا خاصة؛ وهى نفسها في الأزمتين الأوكرانية والسورية. ولأن الأزمتين لهما أبعاد دولية وإقليمية تعكسان نمطاً من الصراع الممتد والمفتوح على كل الاحتمالات، وبعد مرور عام كامل على اندلاعها، قد ألقت بتأثيرات واضحة على الأزمة السورية. بعد 8 سنوات على تدخلها العسكرى في سوريا، مستفيدة في ذلك من قناعة مماثلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية وتركيا وإيران بما تم التوصل إليه في معادلة الصراع السوري الداخلية، إلا أن ذلك لم يمنع تأثرها بالعديد من التطورات الناتجة عن تفاعلات روسيا في الأزمة الأوكرانية، لكن اللافت في الأمر أنها لم تؤد إلى انتكاسات حادة على حالة ثبات وجمود الصراع في الأزمة السورية. وتأرجح إسرائيل مع/ ضد روسيا، وفقاً لحسابات تفاعلهما في الجنوب السوري، والتي كانت لها مؤشراتها الواضحة خلال عام 2021، حيث ينظر الغرب للنظام السوري باعتباره امتداداً للنفوذ الروسي، فمن الملاحظ أن تركيا فطنت لأهمية عدم مناصبة روسيا العداء فى أوكرانيا فقررت لعب دور الوسيط بين الجانبين الروسى والأوكرانى؛ لإدراكها مدى تأثير ذلك على تفاعلاتها مع روسيا فى سوريا وتحديداً فى موقفين: الأول، وحاجة تركيا الدائمة إلى موافقة روسيا على أى عملية عسكرية تجريها هناك؛ الأمر الذى انعكس فى تراجع تركيا على مدار العام الماضى ومطلع العام الجارى أكثر من مرة عن تهديداتها بعملية عسكرية واسعة جديدة فى مناطق منبج وتل رفعت ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، لعدم حصولها على موافقة من روسيا ولكون الأخيرة ترغب فى الدفع بالنظام السورى ليكون جزءاً من معادلة الاستقرار الأمني في مناطق الشمال السوري، إلا أن متغير الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة نفسها يضع حدوداً لرغبة تركيا من ناحية، معطيات الاتفاقات الأمنية الروسية التركية بشأن إدلب ( 2018- 2020) التي تقبع فيها المعارضة السورية المسلحة بنوعيها؛ وذلك من أجل الحفاظ على النظام السوري قائماً في ظل أزمته الاقتصادية الحادة، بل بات أكثر إلحاحاً حالياً جراء كارثة الزلزال المدمر الذي تعرضت له الأجزاء الشمالية من سوريا في 7 فبراير 2023، يصادف ذلك تراجع مجمل الاهتمام الدولي بالأزمة السورية وتحديداً بعملية التسوية السياسية نتيجة الانشعال الكامل بتطورات وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية. وفي عام 2021، التي اعتمدت على خطوات متبادلة من جانب النظام السوري والمعارضة في ملفات محددة، وفي مارس ويونيو 2022، حيث أن الراعي الرسمي لتدشين مسار الإصلاح الدستوري كبديل عن التسوية الشاملة وهى روسيا كانت قد بدأت حربها ضد أوكرانيا في العام نفسه. التداعيات العسكرية سواء من حيث مشاركة المقاتلين السوريين من الجانبين في الحرب: النظام لصالح روسيا والمعارضة لصالح أوكرانيا، أو من حيث التأثير في مجريات العمل الميداني في سوريا والتداعيات الناتجة عن حالة الانشعال العسكري الروسي بالحرب فى أوكرانيا، ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي: 1- سحب روسيا لعدد من قواتها العسكرية العاملة في سوريا، وقد أقرت روسيا بهذا الأمر، إلا أنها قللت من تأثيره على الوجود العسكري لها هناك، ولم يتوقف الأمر على سحب قوات فقط، وإنما قامت بسحب بعض منظومات الدفاع الجوى أيضاً. لكن ثمة آراء تقول بأن الانسحاب الروسى من الميدان السوري هو انسحاب "جزئي" ليس له تأثير حاد على مكتسبات قوات النظام السوري ولن يساهم في تقليص سيطرته على المناطق التي استعادها من المعارضة المسلحة، خاصة مع هدوء جبهات المواجهة في سوريا منذ عام 2019. في المقابل، ويدلل أنصار هذا الرأى بتوقف عمليات المتابعة العسكرية الدورية التي كانت تقوم بها القوات الجوية الروسية وقوات الشرطة العسكرية لمناطق البادية السورية ضد عناصر تنظيم "داعش" وخلاياه. ودفعهم لساحة الحرب في أوكرانيا؛ يضاف إلى ذلك وجود نشاط ملحوظ للمليشيات التابعة لإيران في مناطق واسعة من دير الزور بالقرب من الحدود مع العراق، ويتوقع المراقبون أن تتولى المليشيات الإيرانية، وهو أمر يصعب حدوثه في ظل وجود القوات الروسية. لإخراج مقاتلى حزب العمال الكردستانى التركي المعارض، الذى تساعده قوات سوريا الديمقراطية "قسد". أيضاً عودة تركيا للضغط على مسارات التموين والإمداد للقوات الروسية الموجودة شرق الفرات حال تراخي روسيا في مراقبة المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا في إقرارها شمال سوريا. مستفيدة من استبدال روسيا لمهامها العسكرية معها، الأمر الذي يصعب على تركيا فيه الالتزام بالاتفاقات الأمنية الثنائية بشأن إدلب. وهو ما يسبب قلقاً لدى كل من الأردن وإسرائيل؛ انعكاسات اقتصادية وانعسكت تداعياتها في: 1- تردي مستوى إمدادات الغذاء والطاقة وانخفاض قيمة الليرة وارتفاع معدلات التضخم ومعدلات البطالة، واللافت أن سوريا خلال سنوات الصراع كانت تعاني أيضاً من أزمة اقتصادية، ومساعدة إيران الداعمة للنظام السوري لروسيا بإمدادات عسكرية استخدمتها الأخيرة في ضرب عدة مدن أوكرانية من ناحية ثانية. بل تعداه إلى تقديم الدعم الاقتصادي بالرغم من إشكاليات الداخل الإيراني وضغوط العقوبات الاقتصادية، فوفقاً لمتخصصين، فإن إيران استطاعت رغم ظروف الحصار والعقوبات الاقتصادية أن تُنشئ شبكة مصالح اقتصادية كبيرة داخل سوريا على مدار سنوات الأزمة، بما يعني أنها ستكون رقماً اقتصادياً مهماً في معادلة إعادة الإعمار، ومشاركاً قوياً في مشروعات البنية التحتية، 3- تراجع ملحوظ في معدلات الاستثمار الروسي في الاقتصاد السوري أواخر عام 2022، بما قد يؤثر على حالة "الاستقرار الهش" في المناطق التي استعادها من المعارضة المسلحة. لكن اللافت هنا أيضاً أن هذه القوى نفسها تبدو "حريصة" على الإبقاء على حالة الاستقرار التي تم التوصل إليها في سوريا منذ عام 2019 قائمة، حتى مع قناعتها بأنه "استقرار هش" عرضة لأية ارتدادات حادة جديدة تفرضها تفاعلاتها المستقبلية سواء في سوريا أو أوكرانيا.