يقول حيران بن الاضعف : وفي مساء اليوم الثاني ، قال لي خادم المسجد العجوز، وهو يعطيني كتيباً صغيراً ، فقد مضى عليه يومان وهو يلج في طلبه ؛ ولما دخلت على الشيخ ، بدا عليه البشر وقال : الشيخ - واخيراً وجدوه . اني كنت قد وضعت هذا الموجز في الفلسفة ، وانا اليوم لا املك منه سوى نسخة واحدة لا ادري اين محلها . حيران - وما هو وجه الضرورة لهذا الموجز حتى لج مولاي في طلبه ? الشيخ - ليس ثمة ضرورة ، ولكني اريد ان الخص لك قصة (حي بن يقظان ) ، ففضلت ان اوفر على نفسي عناء تذكرها وتلخيصها من جديد . حيران - لقد فهمت من مولاي الشيخ ، انها قصة خيالية وضعها ابن طيفل ، فهل تكون الفلسفة ، في حنايا قصة من نسيج الخيال ؟ الشيخ - ليس في القصة من الخيال الا اسم البطل والمسرح ، ولو ابدلت كلمة ( حي بن يقظان ( بكلمة ( العقل ) ، واعتبرت ان الجزيرة النائية هي أرضنا التي نعيش عليها ، لاتقلبت القصة تاريخاً صحيحاً ، الأحيث يتغلى (العلل" ) ، ( (البطل") عن دوره . والايمان بالله ، والفضيلة ، واضحة في ثنايا قصته ، التي لولا ما فيها من مجاراة لابن سينا وغيره على أوهامهم في ( مراتب الصدور ) ، لكانت قصة الحق من الفلسفة ، لى قصة العقل ، كيف يتدرج في مسالك المعرفة ، ويترقى في مراتب الفلفسة ، ق يعرف الله والحق والخير والجمال . وقبل ان اقرأ عليك خلاصتها ، اريد ان اضع امام عينيك اهم الآراء ، التي اراد ابن طفيل ان يبسطها في ثنايا قصته ، لتكون عالما بما بين السطور مقاصد وافكار . من التي اراد ابن طفيل ان يبسطها في ثنايا قصته ، لقد اراد ابن طفيل ان يبين في قصته الحقائق الآتية : أ - المراتب التي يتدرج بها العقل ، في سلم المعرفة ، ب - ان العقل الانساني قادر ، من غير تعليم ولا ارشاد ، على ادارك وجود الله ، بآثاره في مخلوقاته ، واقامة الادلة الصادقة على ذلك . والزمان ، والقدم والحدوث ، ه ان الانسان قادر ، بعقله ، والاجتماعية، والتحلي بها ، من غير اعمال لحق الجسد ، وما يدركه العقل السلام ، بنفسه، من الحق والخير والجمال ، يلتقيان عند نقطة واحدة بلا خلاف ز - ان الحكمة كل الحكمة ، هو في التزام حدود الشرع ، وترك التعمق . فيه كل منها ، وما يختلف ، ثم رأى الحيوان والنبات جنسين متفقين في بعض الامور كالتغذي ، فاعتقد انها شيء واحد . وان عمته الكثرة . ثم تأمل في هذه الاشياء كلها ، فوجد انها تتحد في معنى ( الجسمية ) وتختلف في الصورة ، ولاح له ان الروح الحيواني لا بد ان يكون شيئاً زائداً على هذه الجسمية ، وهو الذي يصلح لان يعمل تلك الاعمال الغريبة ، ويفهم ضروب هذه الادراكات ؛ فعظم في عينه أمر ( الروح ) ، وعلم انها اعظم واسمى من الجسد الفاني. ثم أخذ يفكر في اصل الاشياء فزعم ان ابسطها الماء والتراب والهواء والنار ؛ فنظر لعله يحد وصفاً جامعاً لهذه الاجسام ، فلم يجد الا معنى ( الامتداد ( ولكن وراء هذا الامتداد معنى آخر وهو ( صورة ) الشيء الذي تبدل وتحول ، ثم عاد الى الاجسام البسيطة، فيصبح يخاراً، فادرك ان اختلاف الصور لا يمكن ان يكون من أصل الشيء ، وتحقق له ان الافعال المنسوبة الى الاشياء ، ليست في الحقيقة لها ، وانما هي الفاعل يفعل بها . ولكنه لم ير ، في المحسوسات ، فأطرحها كلها ، وشيء لا يمكن ، ومعنى لا يعقل . ثم تفكر في العالم بجملته ، هل هو شيء حدث بعد ان لم يكن ، وخرج الى الوجود بعد العدم،